أرشيف - غير مصنف
الطـاغـيـــــــــــة
بقلم : د . فهمي خليفة صالح
الطاغية .. هو الطاغية …!
خرقة من خرق الحياة المبتلاة بخرافة الكارتونيين والورقيين والمحترقين بما تحت قبضتهم من النار والاصطلاء والجمر والشعوذة والملعنة والقبائح ، ذلك لأنه الطاغية .!
مخلوق محسوب على فصيلة الإنس ، لكنه لا يتمتع بالحواس الاعتيادية العامة الدائرة في فلك الخير والصلاح والقيم النبيلة ، التي يتحقق من خلالها للإنسان شعوره العظيم بالإنسانية وبأنه إنسان مخلوق يدرك مسؤوليته وأمانة ضميره في صنع المعروف والسير باستقامة ، وهو دون شك لا يمتلك شعوراً يفضي إلى معاني الإنسانية بشيء ..!
فالطاغية .. هو النموذج القبيح للاعوجاج والنشاز والشواذ عن معنى الإنسانية والإنسان ، وهو كصغير يلتقي مع مريديه من أمثاله الأصاغر الشاعرين بعقدة النقص ، ليكمل أحدهم الآخر ، هو باتجاه الاستبداد والفساد والمراوغة والاحتيال من أجل دناءة النفس ، وهم باتجاه القطيع المستطمع بأغراض دنيوية هزيلة يحسبونها إستراتيجية عبر نوالهم وحصدهم للشبع الحرام بالتهام السحت والظلم والحقارة ، دون تفكير بالذائقة والأخلاقية والسمعة .
والطاغية مداره يتجلى ما بين الاستبداد والفساد ، في الرواج والمجيء ، وله ضمن ذلك المدى مقام عند مريدية من الذباب والأحذية والجواريب والذيول والخراتيت والخفافيش والأفاعي والعقارب والأقارب والسراكيل ، ومن اللصوص والمرائين والحرامية والمزورين وبراميل الفساد وأصحاب الكروش المأفونة ، وله أصداء عند ببغاواته وقروده وصراصيره وطباليه والبوقيين والراقصين والخرنقعية الذين يركعون له عوضاً عن رب الأرباب ،
ويستطعمون حرامه وفتاته وعلقمه وخموره وسمومه ، ويترنحون حول طلعته المخزية الضاربة بالقباحة والاشمئزاز طولاً بعرض ، مثل بهائم مسطولين بهوى الحشيشة والأفيون والويسكي والجن وشراب النفاق وتمجيد الأوثان .
وللطاغية نصيب معاكس مع ذلك في النقد والانتقاد والهجاء والتندر والكره والتعوذ منه ومن وجوده في اللحظات والسويعات والأحلام ، ومقامه ذاك محطَّ النفايات والبصاق والتغوط والعفط والأوساخ والأزبال والجراثيم والأويئة والشتائم واللعنات .
فهو ثقاب الشيطان الذي ينز بالشر وينفث بالحرائق ، ويغري النفوس الضعيفة بالفساد والإفساد والرذيلة والتزوير والتجنيد في مافيا العهر واللصوصية والتخفي وراء أقنعة الجريمة والإرهاب وفعل كل الأشياء التي لا تستقيم مع طبائع الحياة التلقائية والبريئة ، ولا تلتقي مع نظام العقل المنطقي في إمضاء القانون والإلتزام بضوابطه العامة .
فالطاغية هو شيطان مُنمذجٌ ليس آدمياً وإنْ كان من دم ولحم ، ولربما هو شخص ما ولكنه ليس بالشخص النوراني كإنسان .؟ وربما هو مريض على الأرجح ، ولكنه ليس بالمريض ليتشافى من علة طارئة ألمت به .؟ وربما هو فاشل من الناحية المعتبرة ، ومع ذلك فليس هو بذلك لكي يحصل على فرصة للخير متاحة أمامه ، ليجرب حظه ثانية عساه ينجح في المحاولة .؟
إذاً مَن ْ يكون ، هذا المعروف – المجهول ، الشيء – اللاشيء .؟
إنَّه الطاغية …!
إنَّه الطاغية …!
– المعروف بكل جرائمه وسوابقه وأفعاله المناقضة للحق والقانون وفطرة الله التي جبلت عليها نفوس البشر والمخلوقات المنتشرة في الحياة .
– المجهول بكل نبضاته دون جذر ودون تراث حين خرج برأسه لا على مثال سابق لماهيته الطارئة والغريبة .
– الشيء الذي كسا إرهاصاته العدائية بلبوس التشيؤ بالقبول المموه للحالة التحولية التي دمغت أخلاقياته بالكذب والعدوانية .
– اللاشيء الذي خرج من نسل العدمية ليصبح صنماً يلبس ربطة العنق وبدلة مستوردة بأموال مسروقة من عرق الفقراء والأيتام وشباب الجيل والمستقبل والورثة الحقيقيين للغلة والمخزون والقوت .
ذلك هو الطاغية …!
ذلك هو الطاغية …!
ملفاته التاريخية السابقة واللاحقة تضج بسلوكيات انتهاك المحارم والشرف ، ومضروب عليه بأختام الأفاعيل القبيحة ، حتى وإن ارتدى ثياب العفة والطهارة ، لأن دمه وقلبه وحواسه وأفكاره مجبولة بالحرام والعمل الطالح ، ذهب للحج أم لم يذهب ، وحجاته العديدة لم تشفع له في ميزان التقدير على أية حال ، إذْ ليس له من بقايا الحج سوى التصاوير الجامدة ، الخالية من انعكاسات الفعل والسلوك الحسن .
الطاغية أحول النظر ، بعيد اللجة ، كثير اللجاجة ، لا تشبعه حاجة ولا دجاجة ، ومهما يكن فهو كطاغية ذلك البخيل الهزيل الضئيل حد اليباس والجفاف والحنظل والزقوم ، وهذا كله يحسب عليه وليس له ، لأنه ينز بالموبقات والضرر والخديعة واللؤم والحقارة والفساد والعفن ، وهو مع بخله جبان حدَّ التخنُّث ، دموعه سيّالة كالنساء ، وشكله العريض الطويل يندرج في التمظهر التي تقتضيه مبررات التمثيل والتدجيل التي تفرضها هيبة السلطة والمسؤولية التي
يستغلها أبشع استغلال في الحال والترحال ، ضد حقيقة الدين والشرف والوطن والصداقة والقيم والأخلاق ، ليحارب من وراء جبنه كل هذه المعالم وما تنطوي عليه معطياتها .
والطاغية بغير السلطة والتسور وراء سور المسؤولية ، فهو لا شيء تماماً ، حضيض مهمل لا مكان له بين الأشياء التافهة والضئيلة ، فهو مخلوق شاذ ، باع نفسه للشيطان الأصلي من أجل التفلُّت من محاسبة الضمير الدنيوي أو الأخروي ، وعدم الاحتكام إلى شيء من ضوابط الأخلاق والدين ، ليفعل على هواه ما يريد ، لأنه لا يثق بما تؤول عليه الآخرة من مساءلة ومحاسبة وأوزار ، ولكنه يعمل جاهدا خلال دنيا مناصبه ومسؤولياته التي وسدت إليه دون حق ، على إيهام النزاهة
والقضاء والجهات العليا والمجتمع والعالم الواسع المحيط به ، بأنه شريف وليس لصاً، وديموقراطي وليس صفيحة تنك صدئة ، ويحمل مسبحة ويخفي في جيوبه صوراً لأيقونة الشياطين الصغار ، ورنة هاتفه تضج بالأدعية والتواشيح ، بينما لائحة الأرقام تتخللها أسماء القحاب والداعرات والفاسدين والسماسرة والرخيصين .
ذلك هو الطاغية الذي يحاول الضحك على الجميع ،" وينسى بأنَّه هو المضحكة الحقيقية والمسخرة المؤكدة ..! ويستمر في سرقة ألأموال العامة لسنوات طويلة ، وفي نهاية رحلته ورحيله ، يقف ليخطب خطبة عصماء ضد الفساد واللصوص وسُراق المال العام الحرام ..!
الطاغية هو ذلك الأفعوان الذي يقول : أنا القانون ..!! فلا يحبه العاملون معه ، ويتمنون سقوطه في هباء سحيق ، لكن المقربين منه بالرغم من كونهم يمقتونه سراً ، فهم يشدون رأسه للغلو بالإثم والآثام والرذائل وقمع النظيفين وإقصاء الشرفاء وكاشفي الفساد ونافخي صافرات الإدانة التي ترفض التصفيق لمخازيه وهرطقاته ومفاسده ، ويضحكون عليه بالمديح والمنافقة والصعود والتعالي والتجبر والإيغال بالانتهازية ، لكي يحوزوا من خلال ذلك على ثمرات
مبهمة وسرقات مسكوت عنها أجراً وجزية وعطايا مغموسة بالغش والخديعة والسحت الحرام والدم المتقاسم كغنائم ومحاصصة ،
ولكي يتقي هؤلاء الذيول بتلابيب الأكذوبة التي عليها سمت الطاغية من مغبة اكتشاف حقيقتهم في السرقة والكذب والمنافقة واللصوصية ، فإنهم يصبحون جزءاً لا ينفصل عن مافيا الأحذية المتجمّعة التي تدور حول سركال الطاغية ومخاطه وجميع عوراته ، ويشكلون من وضاعة نفوسهم في منحدره المأفون قمامة بارزة تدلل على أبشع سقوط للحيوانات في الدناءة والتفاهة ، مستغلين عطل حاويات البلدية عن رفعهم وتغييبهم في المكبات ، وجهل المنظفين بمدى خطر قذارتهم على
الأمكنة والطرقات والبيئة .
الطاغية .. خرافته تتشكل من خلال شلة أتباعه الوضيعين وهم مثل :
– حيوانات طفيلية خالية من بكتريا التواصل مع شعاع الشمس والضمائر المنورة .
– حيوانات تدعي انتسابها للوسط الطبيعي الثقافي والاجتماعي والعلمي ، وتملأ فراغات الأمكنة في المكاتب والدوائر ودهاليز المؤسسات ودوائر التعليم ، لكنها مجردة من التزاماتها الوطنية والأخلاقية والعلمية السليمة ، نظرا لكون مسيرتهم الحياتية تعبر عن ذلك التاريخ الأسود للتزوير والخبرة الاحترافية بفنون الوباء والكذب والرشوة والنفاق والمحسوبية والعنصرية والرياء والتحرشات الجنسية والمحاباة التي نكست جباههم حد الاستخذاء والإخصاء
والدونية .
– حيوانات أصبحت عرجاء بفعل الفساد الضارب فيها من الأساس إلى الإحساس إلى الأنفاس .
– حيوانات ليست كالحيوانات ، أدنى منها وأحط .
وخذ عندك للتعرف عليكم .. فهم المستجيبون لنداء كبيرهم الطاغية الذي علمهم التدمير والتخريب ، فهم قاطعو الأشجار في سبيل قطف الثمار :
– متعلمون جامعيون وتربويون ليس لديهم رسالة أخلاقية وهم أسوأ من اللصوص يمارسون الفساد العلمي ..!
– محاسبون مرتشون ومدققون منحرفون يمارسون الفساد المالي ..!
– إداريون فوضويون يمارسون الفساد الإداري ..!
– قانونيون غير منضبطين يمارسون الحيلة ، ويزورون الوثائق بالضد من النزاهة ..!
– أطباء مرضى مهوسون بآلام الناس البسطاء والفقراء ولا مانع لديهم من مخالفة شروط القسم الطبي الذي شهدوا به على شرفهم وسلامة أدائهم ..!
– جراحو تجميل نفوسهم مملوءة بالقبح والبشاعة ، يكذبون على الزبائن بشتى أنواع الدجل والفتَّاح فالية ..!
– صحفيون مأجورون من أجل طمس الحقائق وإيهام الرأي العام ببرقع التضليل والأكاذيب مقابل عمولات مفضوحة ..!
– أساتذة يبيعون الأسئلة الإمتحانية بالعملة الصعبة والطلبة حائرون أمام هذه الفضيحة ..!
– مصلون ينسون الرب ويحلفون على تصديق الكذاب الأشر بأغلظ الأيمان ..!
– مهندسون يغشون سقوف المنازل بالإسمنت الفاسد ، ويتكلمون عن معايير الجودة ومواصفات الآيزو في لحظة انهيار المبنى على رؤوس قاطنيه .
– اختصاصيو بيئة وتصحر ، يتحدثون بشغف ولهف عن فكرة تحويل الصحاري إلى جنائن وبساتين ، وينسون كيف أنهم يتلقون معونة الرعاية الاجتماعية ودسوا أسماءهم بين قوائم المعوزين ، وينسون مع هذه المفارقة كيف أن الأراضي الزراعية الحقيقية مسّها البوار وغاب عنها الزرع والضرع بفعل فاعل ..!
– مسؤولو دوائر عامة ، أصبحوا على قناعة بأن دوائرهم غدت ملكاً خاصاً بهم وبورثتهم وأحفادهم ، وأسهموا في جعلها أكشاكاً لعائلاتهم ..!
– وطنيون كثيرون بثرثرون ، والوطن المُدمى غائب عن الحضور في الأفعال ، بعد أن دمره المحتلون الغزاة من جميع الجهات والاتجاهات ..!
– مرشحون جدد للانتخابات ينتقدون زملاءهم الفاسدين المماثلين لهم في الوصمة والنيشان ، ليختلط الحابل بالنابل ، وتتجدد حكاية أخرى من حكايات توم وجيري ، والضحك السياسي المستمر .
فكل هؤلاء النوعيات من الذيول والجرابيع والبراميل والصفائح ، ما هم في الحقيقة إلاّ فردات ملبوسة من تلك الأحذية المهترئة التي يلبسها الطاغية ، وهو يتخوض في قاذورات أحلامه ، التي ستملأ قلبه بالعناكب السود ، مثلما تملأ قلوبهم بالدمامل والورم .
وللطاغية نهاية عُلمت من خلال الحس والحدس والسليقة ، ومن خلال التجربة والفعل والحقيقة ، وهي نهاية بدايتها التلاشي والتفسخ ، وذروتها العزلة والكمون والتخشب ، وتتركز لحظتها الختامية ، كما شاء الأفاضل والفلاسفة والحكماء والشرفاء والعلماء والأخيار في باحة القانون والمساءلة ، لكي يذوب الطاغية في أوحاله الأبدية إلى النهاية ، وفي آخر زنزانة منسية بعيدة عن الضوء ، لأن الوطن لا يحتمل نبتة السواد الشيطانية والظلام الذي اسمه الطاغية – الذي
يعمد إلى قلع الأشجار الأخرى لكي يقطف الثمر ، أو يبصق على بئر الماء بعد أن يشرب عذبه .
وبالتالي لا بُدَّ للطاغية من نهاية ، يتلمسها الحصيفون منذ لحظة البداية التي ظهر فيها الشؤم الدال على أن طاغية – غير إنسان ، باتت معالمه القميئة تتضح للعيان دون برهان ، لأنه هو البرهان على ذاته : بأنه ليس إنساناً بالمرة ..!
ذلك لأنه الطاغية …..!
ذلك لأنه الطاغية …..!