محمد طعيمة
الكونجرس.. بوصلتـ"ه"
نقطة نظام: أتفهم، وأرحب، برقابة دولية على أوضاع حقوق الإنسان، في مصر وغيرها، من حماية الطفولة إلى ترشيخ حرية الإعتقاد. رقابة من "مؤسسة" رسمية أو أهلية.. مقرها واشنطن أو نيويورك أو لوكسمبرج، لا من "دولة".. عاصمتها واشنطن أو لوكسمبرج. فمصر "وحدة" من مجتمع دولي.. لا ولاية أمريكية.
***
"مساس بالسيادة الوطنية".. "تدخل في الشئون الداخلية".. "مجلس الشعب والخارجية ما أعترضوش".. "لو منعناهم ح يقعدوا يقولوا ويزيدوا".. "مش أول مرة ييجوا يراقبوا".. "ما عندناش حاجة نخبيها". عبارات لا رابط بينها، متناقضة، وردت على لسان وكيل لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشعب، والذي يُفترض أن منصبه يدل على مستوى قيادي بالحزب الحاكم. إنشغل بعدها، في برنامج (بالمصري الفصيح) على (أون تي في) الثلاثاء الماضي، بنفي عنصرية حزبه وحكومته وبتأكيد إعتدالهما، كاشفاً عن شعور بالدونية تجاه واشنطن، مع غياب أي رؤية، في
التعامل مع أي مُرتدي لقبعة العم سام.
كان القيادي "الحاكم" يتحدث عن زيارة "تفتيشية" للجنة الحريات الدينية الأمريكية.. "التابعة للكونجرس".
ليس مهماً سوء التوقيت وتزامنه مع جريمة نجع حمادي بدلالتها المُفجعة وطنياً، فحرائق الفتنة الطائفية في تصاعد والنظام ليس في حاجة إلى من ينبهه إليها. ليس مهماً إشتغالها على القضية الأكثر حساسية في ظروف تردي لم تشهدها البلد منذ أسوء عهود المماليك، فالأقباط مجرد ورقة ضغط لا هم حقيقي لواشنطن.. وتأكل حقوقهم كمواطنين بدأ مع توجه بوصلة نظام حكم القاهرة السياسية نحو العم سام، وتفاقم وضعهم أكثر مع تحولها إلى علاقة إستيرتيجية، ونتمنى ألا يتآكل وجودهم كما حدث لمسيحي العراق
مع الإحتلال الأمريكي. ليس مهماً رئاسة يهودي للجنة أو مسلم.. فالديانة أمر شخصي، ومن أنتقدوا رئاسة يهودي لها شاركوا في الإشادة بتقرير اليهودي جولدستاين عن غزة. ليس مهماً إن جاءت لتقصي إنتهاكات دينية أو تهميش أهلنا في سيناء.. الكارثة في "عفوية" تعامل النظام مع إنتهاك سيادتنا الوطنية.
مع ألـ 99% من أوراق القضية الفلسطينية في أيدي أمريكا، بدأت أولى خطوات التبعية، لتصل إلى الإمتثال لقوانين أقرها برلمان مُنتخب من شعب آخر، في بلد له مشروعه المعادي تاريخياً لوطننا وإستقلالنا.. وكأن الإنتهاك فعل طبيعي، يفخر معه "وزير الأوقاف" بأنه قدم للجنة الأمريكية كافة المعلومات، ويقف شيخ الأزهر، أعلى مرجعية سُنية وبدرجته كـ "رئيس وزراء"، لـ"يدافع" أمامها عن تسامح الإسلام. دعك من باقي "نخبة" المسئولين الذين "خضعوا" لأسئلة اللجنة المُحققة، لتعد تقريرها.. ويناقشه
الكونجرس، ليقرر.. هل سيعاقبنا أم لا.
"قد" يحق للكونجرس أن يُقر تشريعات عابرة لحدوده، أخرها قانون معاقبة الأقمار الصناعية التي تبث فضائيات لا ترضى عنها واشنطن، لكن الكارثة فيمن يقبل إنتهاك سيادتنا دستورياً وقانونياً.. قبل "الأرضية"، فقوانين الكونجرس العابرة للحدود رفضها أقرب حلفاؤه.. من ألمانيا إلى اليابان مروراً بإيطاليا، وكلها تحتضن قواعد عسكرية لـ"اليانكي"، ولم تُحصن جنوده، مثلاً، ضد المحاكمة الجنائية المحلية والدولية.. كما فعل حكامنا.
تحصين لليانكي، وليد تبيعة "نفسية" قبل أن تكون سياسية. في سياقها تأتي زيارة اللجنة.. "مش أول مرة" كما دافع القيادي الحاكم. فهو نفس النظام الذي صمت على إحتلال/ إختطاف "عسكري" للطائرة المصرية عام 1986.. وهي أرض مصرية وفق القانون الدولي. وهو نفس النظام الذي سلم مواطنيه طواعية لليانكي، منهم محمود أبو حليمة في كفر الدوار بمعرفة الـ FBI عام 2005، ومنها إلى الإسكندرية لتنقله طائرة أمريكية خاصة إلى واشنطن. هو نفس النظام الذي ترتعش "رؤوسه" من أي لجنة أو عضو
من الكونجرس، وتلبي طلب لقاءه فورا.. وتُنصت مستمتعة بتأنيبها، و.. و.
هو نفس النظام الذي لم تفكر رؤوسه ولو مرة في لقاء أو التحاور مع يمثلون، فعلاً، جزءً من شعبنا.. لا فرق عنده، في الإستبعاد، بين حمدين صباحي أو منير فخري عبد النور أو عبد المنعم أبو الفتوح، وهم من يُفترض دستورياً أن النظام الحاكم برأسه التنفيذي، وتابعيه.. وزير أو رئيس وزراء، يخضع لرقابتهم ومحاسبتهم، وهم -نظرياً- من سيدعمون ترشحه بعد عام.
نظام يتسق مع بنيته الديكتاتورية- التابعة. يعي جيداً من يُمثل، ومن "وافق.. وسيوافق"، بالطبع ليس شعبه. نظام حاسم في بوصلته: رضاء أمريكا.. وكونجرسها.
العربي