أرشيف - غير مصنف
عندما تغيب الرؤية وتتبدل الأهداف!!
إسلام عبد التواب
وضوح الرؤية عامل أساسي في بلوغ الإنسان غاياته، فالإنسان – خاصة صاحب الفكر والمشروع الطموح، لابد أن يكون ذا رؤية ثاقبة لما يمليه عليه دينه، ومبادؤه، ومكانته ببن الناس؛ فليس العالم كالجاهل، وليس الرمز كالمغمور..
كما عليه أن يكون بصيرًا بالواقع الذي يعيشه، وسبل تغييره التي تتفق مع مبادئه وأخلاقه ومكانته..
وكذلك ينبغي على الرمز أن تكون أهدافه واضحة ومحددة، تتوافق مع مراد الله تعالى، ومع الأخلاق الحميدة، ومع النزاهة التي ينبغي أن ينشدها في كل أمر..
والواقع أن مسألة تحديد الأهداف خطيرة للغاية؛ إذ بناءً عليها يتم تحديد الوسائل للوصول إليها، والأهداف الشريفة لابد أن تكون وسائل تحقيقها شريفةً كذلك؛ فليس في الإسلام، أو عند الشرفاء من الناس أن الغاية تبرر الوسيلة، وهذا هو المأزق الذي يقع فيه بعض مَن يُعَدُّون رموزًا أمام الناس، يتطلعةن إليهم، ويقتدون بهم..
السياسي والداعية:
وفي مقالنا هذا أعرِض لنموذجين من هؤلاء، الذين أصابت الغشاوة أعينهم عن الرؤية الواضحة، أو سلكوا سبيلاً غير قويم ابتغاء تحقيق هدفٍ سامٍ كريم، وهما نموذج السياسي والداعية..
السياسي:
يسعى السياسي منذ بداية حياته إلى تكوين سُمعة وصيت بارز، ويعد الشرف والنزاهة من مقومات تكوين تلك السمعة، ولكن قد ينسى السياسي أن من أهم مقوماتها المصداقية..
فلا يصح لسياسي نزيه ذي مصداقية أن يعمل ويتعاون مع نظام يختلف مع توجعاته الفكرية تمامًا؛ فمن كان ناصري الفكر والهوى مثلاً، كيف يعمل مع السادات؟
بل كيف يبرز في عهد مبارك، ويصير في بداياته من المقربين من رأس النظام؟
إن هذا لشيء عُجاب!!
قد يحاول ذلك السياسي أن يلعب دور المفكر النزيه، ولكنه بغياب وضوح الرؤية والأهداف تضيع منه الاتجاهات؛ فكيف تكون مفكرًا يدعو للحرية والديمقراطية، وتداول السُّلطة، وأنت مرتيط بنظام قمعي ديكتاتوري؟!!
وهل تريد لعب دور سياسي كممثل للشعب أتت به الجماهير أم تريد أن تُفرَض عليهم؟!
وهنا تبرز الأهداف الخفية؛ كالرغبة في الظهور بأي ثمن، ومحاولة اللحاق بالمنصب الذي فات؛ فتطغى على النزاهة، ويبرز مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ويقبل النفكر الداعي للنزاهة والشفافية – يقبل أن يصبح نائبًا عن الشعب بدون موافقة ذلك الشعب، بل على عكس رغبته، ويُغضي ضميره عن التزوير ما دام لصالحه، ويتذرع بشتى الحُجَج، ولكن هيهات.. فقد انكشف وفقد كل شيء..
الداعية:
بدأت الدعوة الإسلامية مع ظهور الإسلام، وهي من أشرف الوظائف، يقول تعالى: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم"..
وذو الحظ العظيم هذا ينبغي أن يكون متجردًا لله تعالى، داعيًا على بصيرة، متبع غير مبتدع، باحثًا عن الهداية لا عن الشهرة؛ فهدفه هداية الناس لرب العالمين؛ ومن ثَمَّ فوسائله في الدعوة تتوافق مع شرع الله تعالى…
ولكن الإعلام، ودخول التجارة والبزنس في الدعوة، جعل بعض الدعاة الذين كانوا يأخذون بأيدي الشباب إلى الهداية يتوهون، ويفقون البوصلة، ويغيب الهدف، وتضل الوسائل!!
من هنا لا نندهش إذا وجدنا بعض هؤلاء الدعاى لا هم لهم إلا الإغراب في الموضوعات رغبة في جذب الجهَّال.
أو توسيع دائرة المباح ليشمل ما هو حرام بالقطع رغبة في جذب الجماخير، وبالتالي الإعلانات..
ومن هنا لا نندهش لو وجدنا رجلاً كان داعيةً صار يجمع الشباب حديثي الالتزام، والفتيات اللاتي لا يعرفن عن الحجاب إلا القليل، ولا عن أحكام الاختلاط إلا النزر اليسير، ويأخذ الجميع سفرًا إلى معسكر مختلط في دولة أخرى دون محارم، في رفقة غير آمنة، ليقوموا ببعض الأعمال، التي يظنون أنها تفيد الإسلام كما أوهمهم الداعية السابق، فيرجعوا ولم يظفروا بشيء وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا..
ولكن السؤال هو: هل هذا الداعية مقتنع بما يفعل؟
بالتأكيد، وإلا لم يكن ليفعله، وهذا هو عين هدم وضوح الرؤية، وعدم سلامة الوسائل الموصلة للأهداف، ولو حدَّد كل منَّا أهدافه بدقة لما سلك عكس طريق هدفه، ولسار الداعية في مرضاة الله تعالى، ولم يأت بالغرائب التي يظنها من الشرع، وما هي منه في شيء..
لذا ينبغي لكل صاحب غاية سامية، وهدف واضح محدد أن يسلك وسيلة شرعية مناسبة لشرف الغاية المبتغاة، لعل الله تعالى يتقبل منه ومنَّا…
إسلام عبد التواب