أرشيف - غير مصنف

متى يصدر الأمر السامي ؟!!

بقلم : حسين حرفوش

" مستحيل " .." لا" .." ليس ممكنا " .. " ليس في الإمكان أبدع مما كان " .." لن نستطيع " .. " هم الأفضل " .. " نحن الأسوأ" ..   هذه وما يشبهها من دعوات هي سبب الداء ، والبلاء ، وهي مفاتيح السلبية ومفاتيح الشر والتبعية التي أدت لتأخرنا قرونا .
 
 أما الدعوة إلى السير نحو الأجود ، والأحسن ،والرائع والمبهج ، من خلال بث روح الأمل والتفاؤل والمبادرة في الفرد والجماعة ، وروح الانسجام والتآلف والعمل بروح الفريق مع الآخرين ،هي مفاتيح الخير ، وأنا أرى من خلال قراءات متواضعة جدا في التاريخ .. أن   سر تفوق الأمم يكمن في الإدارة التي تحسن استغلال مفاتيح الخير ، واعتمدوا أثناء العمل بتلك المفاتيح على (فلسفة القدوة .. القدرة) أي أن القدوة قادرة على الاحتفاظ بالإصرار إلى أبعد مدى وتحت أي ظرف في سبيل الوصول لهدفها المنشود ،هذه القدوة هي وحدها القادرة على شحذ الهمم ، وبث الأمل ، حينا من استقراء الماضي وأخذ العبرة منه ، وأحيانا من استقراء الواقع وحسن التعامل معه مع عدم الاستهانة بإمكانتها، وسأضرب هنا مثالين أحدهما من الماضي ، والآخر من الحاضر ، تظهر فيهما القدوة القادرة ويظهر أثرها عندما تحسن استغلال مفاتيح الخير ، وتحطيمها لمفاتيح الشر .
 
 أما التي من الماضي لا تخلو القدوة فيها من إكبار، ولا يخلو أثرها من إبهار تلك التي من عصر النبوة ،حيث وقفت القدوة القادرة متمثلة في شخصية النبي الكريم تختار من العمل أصعبه ، ومن الفعل أتعبه، أثناء حفر الخندق حول المدينة ، وراحت تقضي على مفاتيح الشر المتمثلة في وسوسة الأنفس بالقلة ، ووسوسة دعاة اليأس بالخوف والذلة ، فراحت تلك القدوة المباركة تبث روح التفاؤل ، والأمل والتحدي، فكان يقول مع كل ضربة في الصخر ما معناه .. (الله أكبر إني أرى قصور كسرى وقيصر ..) تلك الكلمات المباركات أضاءت ظلام اللحظات العصيبة ، فقوت العزائم ، واستغلت الإمكانات المتاحة ، وما هي إلا سنوات قليلة ، وتحقق الأمل وكان بين أيديهم قصور كسرى وقيصر .
 
أما الثانية مستمدة من حضارة المجتمع الياباني ، حضارة الساموراى ( أي الفارس النبيل المدافع عن القيم ) إن الأساس الذي قامت عليه تلك الحضارة هو القدوة القادرة أيضا ورغم اختلاف الأسلوب إلا أن الأساس هو روح التحدي والصبر والأمل ، والقصة هنا لاتخلو من غرابة تخالطها طرافة ،وتعود إلى بدايات القرن السابع عشر الميلادي حيث أقدم الإمبراطور " ماجاي " الذي تعود إليه البدايات الحقيقية لعصر النهضة والتنوير في اليابان ، حيث أرسل مجموعات من الشباب في عدة بعثات إلى بلاد العالم المتقدم آنذاك وعندما عاد هؤلاء الشباب قدم إليهم امتحانا على مرحلتين ، وبدأ بأن جعل كلا منهم في مكان منعزل عن زميله وقدم لكل منهم قصاصة ورق كتب عليها سؤالا يحتاج إجابة واحدة " نعم " أم " لا" وكان سؤال المرحلة الأولى ( هل يمكن لليابان أن تتقدم على نفس المستوى في فرع العلم الذي درسته وتخصصت فيه؟) ثم جمع الإجابات ومن أجاب (بنعم) أبقاه ومن أجاب (بلا) عزله عن زملائه ، ثم جاء سؤال المرحلة الثانية(إذا كان يمكن لليابان أن تتقدم فهل لدينا إمكانات التقدم ؟) ثم جمع الإجابات ومن أجاب (بنعم) أبقاه ومن أجاب (بلا) عزله عن زملائه ، ثم كانت المفاجأة بأن أصدر سرا أمرا ساميا بإعدام كل من قال " لا " لأنهم في نظره سيكونون حجرعثرة في طريق تقدم اليابان !! ثم اجتمع بمن أجابوا (بنعم) وقال لهم : إذا كان بإمكاننا أن نتقدم ، ولدينا الإمكانات لهذا التقدم فهيا نعمل سويا !! .. فمتى يصدر الأمر السامي بتحطيم مفاتيح الشر، ودفن دعوات اليأس والتبعية، وإلقاء أصحابها في جب النسيان كما مهملا، لأنهم سيكونون دائما حجر عثرة في الطريق!!
 
 
 
 
 
حسين حرفوش
شاعر وكاتب مصري
الدوحة ـ قطر

زر الذهاب إلى الأعلى