الوقائع العسكرية والميدانية والردعية التي فرضتها حرب تموز 2006، دفعت بطرفي المواجهة، حزب الله والجيش الصهيوني إلى خوض "معركة" سباق تسلح على نطاق واسع، باعتبار أن فن أي إستراتيجية عسكرية يملي إستخدام جميع الوسائل لقمع العدو، حتى قبل قيامه بأي حركة ميدانية قد تؤثر على قوة العسكرية للطرف المستهدف وجغرافيته الكيانية.
الآن، حزب الله يسعى لإمتلاك ترسانة سلاح ردع إستراتيجي، وهو يعمل في هذا الإتجاه وفق رؤية منهجية تربك العدو ولا تحرج الصديق.
في المقابل، تسعى "إسرائيل" لتعزيز ترسانة سلاح الردع الإستراتيجي، لمواجهة قوة حزب الله الصاروخية، وبشكل لا يجعلها تضطر إلى إستخدام الأسلحة النووية، كما يطرح بعض المحللين الصهاينة.
قبل فترة وجيزة، وتحديداً حين كان أيهود اولمرت رئيساً لحكومة العدو، توجه الى روسيا، وبحوزته ملف زوده به جهاز "الموساد"، وفي الملف معلومات حول إمتلاك حزب الله لصواريخ (اكس 55) التي يبلغ مداها حوالي 3000 كيلو متر ورأس حربي يزن 200 كيلو غرام من المواد الشديدة الإنفجار، او من المواد الكيماوية المرعبة.
وبالرغم من اعتداد "إسرائيل" بمظلتها الدفاعية ضد الصواريخ الإيرانية وصواريخ حزب الله، وبالرغم من حيازتها للرادار الأميركي المتطور الذي تضعه في صحراء النقب، فقد جاءت زيارة أولمرت إلى روسيا حول موضوع الصواريخ الروسية بالتحديد، لتعكس هلعاً "إسرائيلياً" كبيراً من إمتلاك حزب الله لهذا النوع من الصواريخ، باعتبار أن إمتلاكها من قبل حزب الله يمثل رعب حقيقي لمنظومة الردع العسكرية "الإسرائيلية"، إذ ان هذا الصاروخ يستطيع استهداف الرادار الأميركي المتطور وتدمير مباني القيادة العسكرية في "إسرائيل"، ويتمتع بقدرة على تحقيق اصابات مباشرة مدمرة بالبوارج وحاملات الطائرات.
ومن مميزات صاورخ (اكس 55) انه، وبعد إطلاقه، يستطيع تجاوز جميع المعوقات الطبيعية، ويسير على علو منخفض جداً يصل الى 5 امتار فوق سطح الأرض، والميزة الكبرى فيه انه عند إنطلاقه يقطع تواصله مع القاعدة الموجهة ويصبح ذا توجيه ذاتي. وهذا يعني غيابه عن الرادارات كافة
معلومات اولمرت التي زوده بها "الموساد"، سخفها المسؤولون الروس، حين تحدثوا عن فقدان ما يقارب ألـ 100 صاروخ (اكس 55) بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي. وقد أكد الروس أنهم لا يعرفون أين وصلت هذه الصواريخ، وأضافوا بان تلك الصواريخ بحاجة إلى إعادة تأهيل وبحاجة إلى قاعدة بيانات إلكترونية جديدة ومتطورة جداً، وليس باستطاعة غير الروس القيام بهذه المهمة.
وعلى رغم التسخيف الروسي لقضية الصواريخ المفقودة، فقد عقد اولمرت صفقة مع الجانب الروسي تم بموجبها شراء "إسرائيل" 60 صاروخ (اكس 55) محدث، تحت اسم (اكس 550)، وهذا مما سبب إحراجاً لروسيا أمام إيران، فقد اعتبر الإيرانيون ان حصول "إسرائيل" على تلك الصواريخ هو من أجل توجيهها نحو أهداف داخل إيران.
بموازارة ذلك، فإن جهاز "الموساد" لم يقتنع بحديث الروس عن أن تأهيل الصواريخ المفقودة لا يمكن أن يتم إلا من قبل الروس أنفسهم. فـ "الموساد" يجزم بأن الوحدة الهندسية العسكرية في حزب الله نجحت في تحديث الصاروخ (اكس 55) وفي وضع قواعد بيانات إلكترونية جديدة لا يستطيع أحد التشويش عليها، كما نجحت في تجهيز قواعد إطلاق ميدانية للصاروخ (اكس 55) بحيث لم يعد بحاجة الى طائرة أو غواصة لإطلاقه. ولا ينفي جهاز "الموساد" إمكانية أن يكون بعض العلماء الروس قد ساعدوا وحدة الهندسة في حزب الله، وهذا بحسب "الموساد" ليس أمراً مستبعداً على الإطلاق، لأن العديد من العلماء الروس يعتنقون العقيدة الشيوعية التي ترى في "إسرائيل" نموذحاً عدوانياً عن نظام الإستبداد الرأسمالي المتوحش.
إذاً، الهلع الكبير الذي يصيب القيادة العسكرية "الإسرائيلية" في هذه المرحلة، يعود بالدرجة الأولى إلى خوف "إسرائيل" من إمتلاك حزب الله للصواريخ المذكورة. أما ما يشاع عن ان حزب الله يحاول إمتلاك صورايخ (اس اي 2) المضادة للطائرات، فهذا ليس دقيقاً، لأن هذه الصواريخ قديمة الصنع ودرعها الإلكتروني ضعيف جداً ومداها لا يتجاوز الخمسة وعشرين كيلومتراً، وباستطاعة "إسرائيل" ان تشوش على هذه الصواريخ، خصوصاً وأن التشويش "الإسرائيلي" يصل الى حدود 60 دسيبيل. وإذا تمكن حزب الله من تجاوز هذا التشويش، فبمقدور الطائرات "الإسرائيلية" قصف أهدافها من على مسافة تتجاوز ذلك بكثير.
بناء على ما تقدم، فإن موضوع صواريخ (اكس55) يشكل نموذجاً عن "معركة" سباق التسلح بين "إسرائيل" وحزب الله. ومن الطبيعي أن لا ينحصر السباق في هذا الإتجاه فقط، إذ ان خطوط الطرفين مفتوحة في كل الإتجاهات لتحقيق ما يصبو اليه كل طرف. مع الإشارة إلى أن الردع الإستراتيجي "الإسرائيلي" الجوي لم يعد ذي تأثير في حسم أي حرب مقبلة.