أرشيف - غير مصنف

حوار حر موجّه مع الفنان التشكيلي د.محمد العلاوي

 

 للقاصّة بسمة نجار  

من جمهورية مصرا لعربية  إبداع بلا حدود,ومنبر من منابر الفنون التشكيلية للرسم والنحت,أثبتت أعماله ثراءا فنيا يمنح للناظر الأمل في قدرته على إثراء الحياة التشكيلية المصرية دماء فرعونية ,عبّربصدق عن ذاته كإنسان أولا ومصري يؤرشف تجربته كفرد من أفراد الكرة الارضية ثانيا . بخطاب حر موجّه سوف نطرح عليه بعض الاسئلة باعتباره    عملاق النحت المصري      – د.علاوي باعتبارك من جمهورية مصر العربية حبذا لو تحدثنا قليلا عن المدينة التي ولدت فيها ,وهل كانت السبب في إنماء هوايتك الفنية أم هناك أسباب أخرى.            —ولدت في محافظة الدقهلية ,لكني لم أعش بها ,فقد كانت كل حياتي في القاهرة ,والموهبة الفنية لم أكتشفها إلا عندما رآني مدرّس الرسم في مرحلة ابتدائي ,وكان عمري تسع سنوات ,وقتها عرفت أن ماأقوم به هو شيئ مختلف عما يقوم به بقية أقراني بالفصل .تلا ذلك مدرسّة تربية فنية بمدرسة المعلمات كانت جارتنا ,فقد بدأت في تشجيعي عندما رأت ماكنت أرسمه ,وكان اسمها علية أيوب السلامونى(رحمة الله عليها ),وبسبب هذا التشجيع أحببتها جدا لدرجة أني قلت لوالدتي (رحمة الله عليها):لوكنت كبيرشوية كنت اتجوزت أبله عليّة .ومن الّذين لهم فضل كبير في رعاية موهبتي أيضا الأستاذ صلاح شاقة (رحمة الله عليه)وهو جارنا أيضا ,وقد تعرّفت عليه بعد عليّة بعام واحد عندما طلب مني والدي (رحمه الله)أن يعطيني درسا خصوصيا في الحساب ,لكنني رفضت ,فكانت وسيلة التشجيع التي ساقها والدي حتى أقبل هي قوله أن الأستاذ صلاح يتقن الرسم وأنه عرف أنني أحب الرسم وهو يريد رؤية لوحاتي ,وبالتالي قبلت من أجل عيون الرسم –وقد أصبح الاستاذ صلاح صدّيق عزيز جدا .                         ومن الذين لاأنساهم :مدّرس الرسم الأستاذ رمسيس ,الذي أطلقني كي أرسم ماأشاء ,ولم يقيدني بموضوعات محددة لألتزم بها كبقية زملائي,مع إعطائي الدرجة النهائية كل شهر ,وقد قابلته بعد التخرج وأنا أقدم للإشتراك في المعرض العام الذي يقام سنويا وذلك عام 1970 على ماأذكر.حيث كان هو أيضا يتقدم للإشتراك في نفس المعرض ,وكم كانت فرحة كبيرة لكلينا ,فقد شعر هو بالفخر أن أحد تلامذته أصبح معيدا بكلية الفنون الجميلة ,وفرحت أنا لفرحه ,لقد كان فنانا حقيقيا وليس فقط مدرسا لمادة الفن.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                     – د.علاوي أنت فنان تشكيلي ونحات ,ولكن ماهو أقرب لنفسك الرسم أم النحت,ولماذا؟

*النحت هو الرسم فى الفراغ بحيث تجتمعكل الخطوط لتكون فى النهاية شكلا مجسما ، إلا إذا كنت تعنين الرسم الملون (التصوير الزيتى) ففى هذه الحالة أحب أن أقول أننى عندما التحقت بكلية الفنون كان حلمى هو التصوير الزيتى ، وفى مرحلة السنة الإعدادى وهى سنة عامة يدرس فيها الطالب كل التخصصات ليستقر فى النهاية على مايحب ويتقن ؛ فى هذه السنة وجدت أننى أشتاق جدا ليوم النحت وكأننى فى إنتظار حبيب ، هذا رغم أننى أحب التصوير لكننى أجد نفسى أكثر عندما أعبر عن طريق النحت ،فالنحت فى الفنون التشكيلية مثل الشعر فى فنون الأدب ؛ فهو ماقل ودل فى بلاغة وجمال.                                                           -أنا أعتبر أن النحت تفريغ شحنة عندما يكون الفنان غاضبا فما هو رأيك في ذلك؟ *                                          إننى لاأقوم بعمل أى تمثال إلا إذا كان لدى ما أريد التعبير عنه، فأنا لاأمارس الفن كى أكون فنانا ، وإنمالأن التعبير هو قوة قاهرة تضغط كى تخرج لوجود مثل الإنفجارولا أستطيع منعها، تخرج نتيجة تفاعل يحدث أو أحداث معينة مؤثرة ، تتراكم حتى تصل إلى الذروة فتخرج فى شكل فنى معبرة عن تلك القوة.                                          —                                                                                               – أجد في منحوتاتك أحزان ومآسي ومبالغة في تكوين نسب بنيةالإنسان حتى تصل إلى تغيير في شكله ,فهل كنت تعبر في ذلك عن حالة إنسان ما؟أم هو تعبيرلحالة كنت متأثرا بها , أثناء قيامك بنحت ذلك العمل؟
 
* أعمالى كلها نتيجة معاناة فكرية وشعورية ، فما حدث فى البوسنة والهرسك مثلا ظل يؤثر فى نفسى لمدة سنتين حتى خرج تمثال" إجتماع لحل مشكلة البوسنة والهرسك" حيث كانت حرب الإبادة دائرة ، بينما العالم يغض الطرف وكأن شيئا لايحدث متجاهلا عملية الإبادة القائمة على قدم وساق ، بل يناور ويعقد اجتماعات بلا نتيجة كى يعطى المجرم فرصة إتمام جريمته ؛ لذلك صورت فى هذا العمل رحاية يجلس عليها أربعة أشخاص يرمزون للشرق والغرب والشمال والجنوب ، بينما هى تسحق بين رحاها أناس يمثلون الشعب المسالم شعب البوسنة والهرسك .أجد في أعمالك حوارحضارات محورها الإنسان والظلم فهل برأيك هناك ظلم لذلك الانسان في هذه الحياة أم هو الذي اختلق الظلم لنفسه؟
*الظلم شيء ممقوت ، ويقوم به الإنسان ضد الإنسان ، وينسى أنه كما يدين يدان ،ولذلك صممت تمثالا يصور الإنسان عندما يرى أنه هو وحده الأحق بكل شيء بينما الآخر لايستحق أى شيء وقد حصل هذا العمل على الجائزة ألأولى فى بينالى القاهرة الدولى عام 1988 وهوموجود حاليا بقاعة المؤتمرات بنقابة الصحفيين بالقاهرة ، إن الظالم يبتليه الله بمن هو أظلم منه.
                                                                                                                                                           
            – بعض الفنانين اصبحت اعمالهم مجرد تطوير أو مانقول تعديل على اعمال غربية شهيرة حيث يضيف لها شيأ من الفن الاسلامي او غيره من فنون التراث المصري القديم في سبيل الشهرة والعالمية,فما رأيك في هذا ؟
* الفن فكر وثقافة ووجدان ، فيمكن أن أتأثر بما رأيت ، لكن عندما أعبر لابد وأن يكون ذلك عن طريق وجدانى الذى هو جزء لاينفصل عنى ، ولاىمكن استبداله واستعارة وجدان آخر بحجة أنه أفضل وأكثر تقدمية ،فالصدق فى التعبير يقود إلى فن أصيل ، لاينتمى إلا إلىِّ.
لو تطرقنا قليلا لبعض اعمال التجريد لديك برايك ,هل الفن التجريدي هو ذلك اللون العشوائي وهو بما يسمى عموما باللخبطة اللونية ام هناك قواعد ونظم له ؟
* لايمكن أن يكون الفن عشوائيا ، وإلا فقد جديته وقيمته ، فالفن شيء جاد جدا ، فلنتصور لو أن العشوائية كانت سمة الحياة ؛ لاصطدمت الكواكب ولغابت الشمس بالنهار وطلعت بالليل ،ولانتهت الحياة وتحطمت ، فسمة الحياة أن يكون هناك نظام كى تكون هناك نتيجة ، فالفن نوع من الخلق الذى منحه الخالق للإنسان ، فلايوجد شيء فى الكون بدون تكوين وعلاقات بين مكوناته ، ورغم أن الفن بدايته شرارة وانفجار ، إلا أنه لابد وأن يكون هناك قدر من التنظيم الذى يخضع لما نسميه أسس التصميمات .
هناك فن الهواية وفن االأكادمية , فأيهما يتقدم على الآخر لديك؟
* الفن فى الأصل موهبة من الله ، يتم صقلها فى النهاية بالممارسة ، لذلك فإن من لايملك موهبة فإنه سيظل محدودا مهما درس وتعلم أكاديميا.
لو تابعنا السؤال السابق وقلنا ان هناك فنانون كثر وصلوا الى العالمية عن طريق الهواية فهل لديك شواهد على ذلك؟
* هنرى روسو أحد الفنانين الذين وصلوا للعالمية دون أن يدرس فى أكاديمية فنية.
من خلال خبرتك الاجتماعية واليومية,برايك هل يعيش الفنان بين الناس يتمزق أم يعيش منعزلا في جو هادىء وينتج؟وهل يتسنى للجميع ذلك؟
* لو أن الفنان عاش منعزلا ، فمن أين يأتى الفن !!! ولمن يوجه هذا الفن؟ لابد من التفاعل مع الحياة حتى يكون هناك فن حقيقى وصادق ، وليس فنا معلبا محفوظا ومعزولا ، الفن لابد وأن يكون صادقا طازجا حيا .
من خلال زيارتك لامريكا والبلاد الغربية والعربية برايك أي منها أوحى للفن والإبداع ؟
    *لم أزر أميريكا ، لكن الغرب صادق فيما ينتجه من فن ، ففنه يمثل مجتمعه وفكره وفلسفته وحياته ، وعندما كانت هناك فكرة الرجوع إلى التراث رجعوا إلى الحضارة الإغريقية فنشأت المدرسة الكلاسيكية الجديدة …وهكذا ، لذلك عندما ينتمى فنان إلى مجتمع شرقى ويحاول أن يقلد الفن الغربى ؛ فإنه كمن يسرق إبن جاره وينسبه إلى نفسه لأن ابن الجيران شعره أصفر وعيونه زرقاء وأكثر ذكاءِ من إبنه، ويلقى بابنه إلى الشارع ، فهل فى هذا أى عقل أو صدق !!! إن ابن الإنسان هو ابنه من لحمه ودمه ، بينهما رباط لاينفصم ، كذلك الفن الصادق هو ابن الفنان من صلبه ولم يتبناه .. إبنى هوالذى ينتمى إلىِّ وابن الجيران هو ابن الجيران وينتمى إلى الجيران.                                                                                                                                                                                                                                                    
 
يقول كروتشيه ( على الناقد ان يقف امام مبدعات الفن موقف المتعبد لا موقف الناصح او القاضي ) ماذا تقول في النقد الفني باعتبارك مدرسا لتلك المادة ؟
* النقد كلمة مأخوذة من تمييز النقود الحقيقية من النقود المزيفة ، أى أن الناقد يجب أن تكون لديه الثقافة الكافية التى تساعده على التمييز بين الفن الحقيقى والفن المزيف ، وحتى لانقع فى المحظور ، فلابد وأن نؤكد أنه لاقداسة ولا تعبد لشيء أو فن ، فالفن نشاط إنسانى وتجربة إنسانية قابلة للنقد والنقد والنقد.
هل لك حكمة في هذه الحياة , ام ليس هناك قانون للحياة في هذه الايام ؟
 * ألحكمة التى أتبعها فى هذه الحياة أن الفضل كله لله وحده ، فالموهبة من عند الله ، والمهارة من عند الله ، والتوفيق من عند الله ، وبالتالى لامجال للتفاخر والتكبر ، بل الحمد لله الذى علمنا وأعطانا كل شيء حتى الفهم.
                                     

زر الذهاب إلى الأعلى