أرشيف - غير مصنف

صفر على اليمين!!

خالد حسنين

 
الصفر على الشمال يعني في التعبير الدارج اللاشيء، فإذا أردت الإشارة إلى شخص (أو زول) لا قيمة له تقول هو صفر على الشمال. ولكن إذا دققنا النظر فإن الصفر في حقيقته وقيمته لا شيء، سواء أكان على اليمين أم على الشمال، وكانت العرب تقول: "صفر اليدين" لمن عاد بالاشيء، ومن هنا أطلق الخوارزمي كلمة الصفر على هذا الرقم عندما اخترعه.
 
لعل من تجليّات التفكر بالصفر أنه رقم يعطي غيره قيمة، رغم أنه أصلا بلا قيمة، فإذا أخذنا الرقم ألف وهو عبارة عن واحد وإلى يمينه ثلاثة أصفار، نجدها كلّها تحفظ منازل لترفع من شأن العدد واحد كي يصبح ألفا، وهكذا نرى في حياتنا العديد من الناس أصفارا في قيمتهم، ولكنهم حفظوا منازل لغيرهم، فأصبح أولئك شيئا مذكورا بسبب الأصفار التي تقف إلى يمينهم.
 
ولو قررت تلك الأصفار أن تنسحب يوما، وتعلن أن اللعبة قد انتهت، وتترك تلك المنازل (الوثيرة) وتغادرها بحثا عن ذاتها، فإن (الواحد) من أولئك يعود إلى حجمه الطبيعي وقيمته الفعلية، وهذه دعوة لإعادة تقييم الذات، ما قيمتنا في هذه الحياة، وهل هناك من يستمد قيمته بسبب صفريتنا.
ومن الدروس الصفرية التي نستفيدها من ذاك الرقم العجيب أنه يحوّل أي رقم آخر (تافه) إلى مالا نهاية إذا رضي لنفسه أن يكون في المقام، فأي كسر مهما بلغ بسطه من الصغر تكون قيمته مالانهاية إذا كان مقامه صفرا، وتلك هي مرحلة (الركوب) في التجلّيات الصفرية، بمعنى إذا استطاع التافهون أن يركبوا على رقاب الأصفار فإنهم يتحوّلون (رياضيا) إلى قادة عظام.
 
وأختم بدرس أخير هو أن الصفر يبقى صفرا بلا قيمة حتى لو لم يجد منافسا له إلا العدد واحد، وسيمارس المهمات الصفرية ذاتها دون تغيير، وشاهدي في ذلك لغة الكومبيوتر، التي تقتصر على الصفر والواحد، فيصبح فيها الواحد هو كل شيء، لأن الصفر هو اللا شيء المطلق.
هي دعوة إذا لندرك أن الله لم يخلقنا أصفارا، وأرادنا أن نكون شيئا مذكورا، وإنما يتحوّل البعض منا إلى الحالة الصفرية بإرادته، مصداقا لقوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرضقالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا).

 

زر الذهاب إلى الأعلى