حين يكون الخطأ بالاتجاهين! بقلم: زياد ابوشاويش تفاعلت خلال الأيام القليلة الماضية قضية السيد رفيق الحسيني مدير ديوان الرئيس الفلسطيني والرجل القوي في تركيبة السلطة الفلسطينية برام الله وأخذت بعداً شعبياً فلسطينياً غير مسبوق على هذا الصعيد. وللمرة الأولى في تاريخه يقوم تلفزيون فلسطين الرسمي بعقد ندوة حوارية حول الموضوع تغيب عنها السيد الحسيني وحضرت من كان يفترض أنها الضحية . المسألة تجاوزت حدود الفساد الدارج لتطول أحد قيم المجتمع العربي الفلسطيني في الصميم وبتقديرنا أن الخطأ في تعميم هذه القضية كان في الاتجاهين حيث المتهم يستحق المحاسبة والعقاب إن ثبت صحة التهمة، والمتهم بكسر الهاء يستحق اللوم على قيامه بتصوير الجرم بدون إذن قضائي وإبقاء الموضوع طي الكتمان لعامين، وهذا اللوم ليس له علاقة بمحاربة الفساد الذي ندعو له بشكل دائم، والذي طاول كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية في عقابيل اتفاق أوسلو المشؤوم ولم تجر أية عملية محاسبة عليه رغم الدلائل والإثباتات. اليوم يظهر رأس جبل الجليد ويتضح أن الخلل والتخبط قد أصاب الجميع، فاسدين ودعاة إصلاح لفساد بلا حدود. الضابط الفلسطيني في الأمن الوقائي شبانة يترصد المسؤولين في قمة الهرم السياسي (بتكليف أو بدون تكليف فهذا لا يغير الصورة المفجعة) ويقوم بتصويرهم أو التدخل في حياتهم وسلوكهم ويجمع الوثائق من أجل وضعهم تحت رحمة الوقائي أو جهاز المخابرات ليصبحون ألعوبة في يد الجهاز الأقرب لإسرائيل والحامي لأمنها الداخلي من المقاومة، ويحتفظ بهذه الوثائق والصور إلى وقت يناسب مصالح الرجل ومن كلفه بذلك، وبدل أن يأخذ إذناً قضائياً وينبه المعنيين لخلل سلوك هذا المسؤول أو ذاك من أجل الإصلاح الجدي والمتزن يعلن ومن على شاشة التلفاز الإسرائيلي أنه أمسك الفاسد متلبساً وأنه بصدد نشر المزيد من الدلائل على الفساد بعد أن بادرت هذه القناة بنشر الفضيحة الفلسطينية على شاشتها. في المعلومات المتداولة أن هذه القضية كانت وراء تنحية السيد الطيراوي رئيس جهاز المخابرات العامة عن منصبه قبل عامين حين اعتبره الرئيس الفلسطيني مسؤولاً عن تجاوزات عناصر من جهازه والتدخل في حياة المسؤولين السياسيين بدون إذن رسمي أو قضائي. في المقابل تنطح بعضهم في السلطة ليقول أن الاتهامات غير صحيحة ومفبركة وأنها قصدت الإساءة للسلطة الفلسطينية وللرئيس عباس شخصياً وأن هذه الافتراءات على حد تعبير الطيب عبد الرحيم الناطق الرئاسي تستهدف الضغط لإجباره على العودة للمفاوضات بشروط العدو الصهيوني، وليأتي الرئيس نفسه ليخالف ما قاله السيد عبد الرحيم وينحي الحسيني عن منصبه ويشكل لجنة تحقيق كاريكاتورية كسابقاتها من لجان التحقيق التي قدمت دلائل على الفساد أضعاف ما قدمه السيد شبانة وبدون نتيجة أو ملاحقة للمفسدين والفاسدين. إذن هي الفوضى تضرب أطنابها بين جدران بيتنا الفلسطيني لتكتمل صورة الواقع المؤلم في ظل انقسام أفقي وعامودي وجغرافي وسياسي وقيمي لا سابق له. الإصلاح بأدوات وطرائق فاسدة غير ممكن ويجب أن يعلم الجميع أن تطبيق القانون واحترام القيم والمال العام لا يمكن أن يتم باختلاس النظر والمراقبة دون غطاء شرعي. وخير أن يفلت المتهم بجريمته من أن نعمم الطرق الملتوية والانحراف والاستغلال في مجتمعنا، كما أنه من المهم أن توجه الأدلة إن توفرت لأحدنا بالصدفة أو بفعل فاعل للجهة المعنية خاصة حين تكون المسائل مرتبطة بسمعة الناس وأعراضها. نأمل أن يكون مفهوماً أننا ندين بكل وضوح استغلال المنصب بأي شكل وبأي طريقة وندعو لمحاسبة من يفعل بكل حزم، وفي هذا لا يختلف الفاسد الذي يمارس ذلك إن كان من هذا الفصيل عن ذاك المنتمي لفصيل آخر. الشعب الفلسطيني صاحب القضية الأكثر عدالة على سطح الأرض وصاحب النكبة الأكثر إيلاماً في التاريخ يحتاج لقادة ومسؤولين من طراز رفيع لا تأخذهم في الحق لومة لائم ويتنكرون لمصالحهم ونزواتهم من أجل شعبهم المظلوم، ويقدمون نموذجاً مشرفاً، وليس لمسؤولين يعرضون شعبهم للإهانة ويتسببوا في انقسام الشارع وإرباكه كما يحدث اليوم. إن قضية رفيق الحسيني تمثل نموذجاً لتوضيح عمق المأزق الذي يعيشه شعبنا وقيادته كما توضح حجم الجهد الذي يجب أن يبذل من أجل إعادة بناء حقيقية وشاملة سياسية واجتماعية وعلى كافة الصعد. وإذا كان رفيق الحسيني قد ناله ما يستحق من الإهانة والتشهير فإن من واجبنا منحه الحق في الدفاع عن نفسه أو تقديم اعتذار علني للشعب الفلسطيني، ولو طبقنا ذات المعيار مع كل قادة الصف الأول في الساحة الفلسطينية فكم من الاعتذارات سنستمع إليها؟ [email protected]