بعيدا عن الإسرائيليات التي حفل بها المسلسل الإيراني " النبي يوسف " و التي اعتمدها كاتب السيناريو لعرض الأحداث بهذا الشكل الدرامي، و بعيدا عن الغوص في مدلولات الفقه الشيعي التي تناولها هذا المسلسل .. فقد حاول القائمون على هذا المسلسل طرح مفهوم " ولاية الفقيه " من خلال تحويل دور النبي يوسف كما طرحته القصّة القرآنيّة إلى دور مؤسس لمشروع دولة تقوم على " مفهوم الولاية " باعتماد النص " التوراتي " و الترويج له من خلال تسلسل الأحداث بدءا من طرح مفهوم " المظلوميّة " التي عاشها النبي يوسف ، و انتهاءا بإقرار مفهوم " الولاية " على لسان " الملاك " أولا ثمّ على لسان " النبي يعقوب" ثانيا …
لقد أحس القائمون على قناة المنار أنّ المسلسل لم يحظَ بكمّ مناسب من المشاهدين في عرضه الأوّل خلال شهر رمضان نتيجة ازدحام الفضاء العربي بمسلسلات مما هبّ ، و دبّ ..فأعادت عرضه مرّة اخرى ليستقطب عددا كبيرا من المشاهدين هذه المرّة ، و على مختلف مستويات الأعمار .. و بتوقيت مناسب من ناحية وقت العرض ، و عدم انشغال هؤلاء المشاهدين بخزعبلاّت السياسة اللبنانيّة التي تجد متنفسها على الشاشات التي ما انزل الله بها من سلطان .. نتيجة مرور أزمة تشكيل حكومة " الوحدة الوطنيّة ؟! " …
نجاح المسلسل يعتمد على نصّ محبوك بشكل فنيّ ، يعتمد الكثير من المراجع التاريخيّة ، و على الإمكانيات الهائلة في إعداد الاستوديوهات التي احتضنت هذا العمل ..و على ممثلين قادرين على تشخيص أدوارهم بكلّ حرفيّة بما فيهم الجموع ، و الكومبارس ، و على مهارة في دبلجة هذا المسلسل لينقل حرفيّة اللفظ الفارسي كما حاول المخرج إيصالها ، و قبل ذلك الفترة الزمنيّة الطويلة التي عُمل فيها على هذا المسلسل ليظهر بهذه الصورة .. و لعلّ أهم نجاح لهذا المسلسل كان في تجاوز القائمين على هذا المسلسل لكثير من التابوهات المحرّمة " سنيّا ".. و المحلّلة " شيعيّا " ، و التي تتحدث عن تصوير الأنبياء ، و الملائكة .. فقد تقبلها المشاهدون ..ممن قام بتشخّيصها دون حرج ، و بتمرير اعتراضات على هذا التشخيص سرعان ما بدأت تخفت مع تقدّم النص دراميّا حيث تمّ الانحياز لهذا الممثل ، أو ذاك.. و على فترة العرض من الحلقة الأولى للمسلسل و حتى تمنّي النبي يوسف " من الملاك " أن يبلّغ سلامه " للنبي الخاتم ، و للمهدي المنتظر " في المشهد الأخير من المسلسل ..كان المشاهدون يتسمّرون أمام شاشة المنار
حلقات المسلسل الأخيرة أظهرت مفهوم " ولاية الفقيه " بشكل واضح ، و صريح .. و بسلاسة تظهر كيف يكون الفنّ خير رسول لإيصال الرسائل من أجل خدمة هدف معيّن .. و هنا تُطرح أيضا إشكالية أزمة " المسلسلات " العربيّة التي يتمّ سَلْقها كيفما كان ..و حيث تعتمد على الممثل مقابل فشل " النصّ " ، و حيث تستجلب المشاهد بعرض مشاهد ساخنة ، أو إيحاءات جنسيّة ، أو بنبش جثث ممثلات اعتزلن الفنّ " بحجّة الحجاب " ثمّ خرجن " بحجاب فنّي " لا يمتّ لفضيلة الحجاب بشيء …
مرّة أخرى تسجّل إيران نقطة هامّة ، و هذه المرّة من خلال الفنّ ..حيث يعرض أيضا مسلسل " مريم الصدّيقة "على أكثر من قناة فضائيّة ، و كان قد سبقه مسلسل " أهل الكهف " .. و غدا ستكرّ سبحة الأنبياء في " المسلسلات الإيرانية " ، و هل كان نبيّ دون " مظلوميّة " ؟؟ ما يسمّى بالفنّ العربي تُصرف عليه المبالغ الطائلة في بلداننا العربيّة من اجل تتفيه عقل المشاهد ، و تسطيحه ، و إبعاده عن قضاياه الأساسيّة إلاّ من رحم ربّي .. فإذا ما تمّت دبلجة مسلسل فهو إما مسلسل مكسيكي يظهر عري الأمريكيات اللاتينيّات ، أو مسلسل تركيّ يظهر خلاعة المستغربات التركيّات ، أو البطولات المتوهمة.. و مرّة أخرى يسألني ابني عن عدم تقبيل النبي يوسف ليد أبيه يعقوب " لأنّه لم يفهم معنى كلام يعقوب " .. و مرّة أخرى ابلس في مقعدي عاجزا عن " إفهامه " أنّ النبي يوسف لم يكن " شيعيّا " ذو ولاية ، كما لم يكن " سنيّا " ….
رشيد السيد احمد