أمريكا تعين سفيرها بدمشق…وإسرائيل تواصل الهذيان
بقلم: زياد ابوشاويش
في رده على التهديدات الإسرائيلية بشن الحرب حذر السيد حسن نصر الله قادة العدو من أن أية مغامرة إسرائيلية في لبنان ستقابل برد حاسم ومن ذات الوزن، وأن المس بأي مكان أو مؤسسة لبنانية سيقابله مس بما يقابلها في مدن ومؤسسات العدو. وقبل ذلك ردت سورية على التهديدات الإسرائيلية بذات المعنى وبنفس الوضوح.
في هذه الأثناء يواصل قادة الكيان الصهيوني تصريحاتهم حول إمكانية وقوع الحرب ضد دول الجوار في هستيريا غير مسبوقة ومترافقة مع قرار أمريكي بإرسال سفيرها الجديد روبرت فورد إلى سورية قريباً.
المتمعن في ظروف وملابسات التصريحات الإسرائيلية ومبادرة الرئيس الأمريكي أوباما تسمية سفير دولته بسورية بعد قطيعة دامت خمس سنوات يلاحظ مجموعة من المتناقضات والإرباكات في الموقف الإسرائيلي قياساً على السلوك الأمريكي وحركة دبلوماسييها في المنطقة
ففي الوقت الذي ترسل فيه أمريكا مبعوثها لسورية وليم بيرنز من أجل بحث تهديدات إسرائيل وتهدئة الأجواء بعد التوتر الشديد الذي ساد المنطقة إثر هذه التصريحات، يتواصل الغثاء الإسرائيلي حول استعدادها لشن حرب مرة على إيران وأخرى على حزب الله وثالثة على غزة وأخيراً على سورية. وفي الوقت الذي تتحدث فيه وزيرة الخارجية الأمريكية عن بذل كل طاقة الولايات المتحدة الأمريكية من أجل استئناف عملية السلام أقله على المسار الفلسطيني تقوم إسرائيل بالإعلان عن المزيد من عمليات الاستيطان مترافقاً مع تهديدات للسلطة الفلسطينية إن لم تستأنف المفاوضات معها.
الواضح أن هناك اختلافاً واضحاً بين إسرائيل والولايات المتحدة في طريقة معالجة الأزمة المستفحلة في منطقة الشرق الأوسط رغم اتفاقهما على الموضوع الإيراني وملفه النووي، كما لا يغير من هذه الصورة إعلان أمريكا عن تجديد التزامها بأمن إسرائيل وحمايتها بل ربما يعزز ما ذهبنا إليه من وجود خلاف بين البلدين.
إسرائيل لا تستطيع شن الحرب بدون موافقة أمريكا وتحت غطائها وقد تابعنا زيارة وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك ورئيس أركانه للولايات المتحدة في محاولة لإقناعها بالموافقة على مهاجمة إيران والقيام بعدوان جديد في المنطقة.
هل الخلاف الظاهر بين أمريكا وإسرائيل هو نوع من الخداع المقصود به ذر الرماد في العيون والتغطية على الاستعدادات الجارية لمهاجمة إيران من جانب أمريكا والذي ترسل من أجله مبعوثيها للمنطقة العربية من أجل إقناعها بصوابية ضرب إيران؟ وهل إرسال السفير لدمشق والحديث عن عملية السلام يخفي تنسيقاً أمريكياً إسرائيلياً من أجل القيام بعملية عسكرية ضد لبنان أو سورية أو غزة؟ المرجح أن الإجابة عن هذين السؤالين تتلخص في نفي ذلك لأسباب ليس لها علاقة بنوايا العدو وحليفته أمريكا بل بجاهزية هؤلاء لخوض حرب ستكون شاملة ومكلفة لو وقعت على أي من هذه الأطراف العربية، ويسري ذلك على مهاجمة إيران.
لقد انكشفت إسرائيل إلى حد بعيد بعد تقرير غولدستون ولم تعد قادرة على تسويق روايتها حول أنها ضحية العدوان والهمجية العربية وبالتالي فإن أي عدوان على لبنان أو سورية أو حتى غزة لن يكون مقبولاً على الصعيد الدولي، وسيقابل بالإدانة والشجب، كما لن تتمكن الولايات المتحدة من توفير الغطاء المناسب له.
ويبقى السؤال حول سر الهذيان الإسرائيلي حول شن الحرب والهدف من وراء توتير المنطقة ووضعها على فوهة بركان. يمكن توضيح هذا من خلال قراءة متأنية لواقع الحكومة الإسرائيلية ومأزقها الراهن سواء على صعيد برنامجها الداخلي أو من خلال رؤية علاقاتها الخارجية وجمود عملية السلام في المنطقة مع استمرار تفاعلات هزائمها في كل من لبنان وغزة مضافاً لها تطور البرنامج النووي الإيراني وتصوير قادة الكيان الإسرائيلي للجمهور اليهودي أن هذا الأمر يمثل تهديداً وجودياً لدولتهم حتى بات هؤلاء أسرى هذه الفكرة المترسخة في أذهان الإسرائيليين، وأصبح لزاماً عليهم معالجة ذلك بما في ذلك ضرب المفاعلات النووية الإيرانية الأمر الذي يعني إشعال حرب طاحنة لا تستطيع إسرائيل أو أمريكا التحكم في مفاعيلها وتطوراتها اللاحقة. إن الفارق الواضح بين الرغبة الإسرائيلية في طي الملف الفلسطيني والقدرة على تنفيذ ذلك يخلق لدى قادة العدو تشنجات تظهر بين وقت وآخر في سلوكهم تجاه الفلسطينيين قيادة وشعباً، لكن الأهم أن ذات الفارق فيما يتعلق بالملف الإيراني يتسبب في إحراج هذه القيادة ويمهد الطريق لسقوطها لاحقاً بسبب العجز عن وقف ما اعتبروه وسوقوه على أنه تهديد وجودي لدولتهم، ومن هذه وتلك يمكن إدراك أسباب التخبط والعدوانية لدى قيادة إسرائيل التي نرجح أن تستمر في لغة التهديد ولكن بدون امتلاك الجرأة أو القدرة على التنفيذ.