الطناجر
هانيبال
قال شمعون بيرس مهندس اتفاق إعلان المبادئ بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية سابقا ورئيس الكيان الصهيوني حاليا في كتابه الشرق الأوسط الجديد أن المواجهة القادمة مع العرب سوف تكون في الجامعات وليس في الثكنات ، وكانت هذه العبارة هي العبارة التي افتتحت فيها مداخلتي في الندوة الذي نظمها مركز التخطيط الفلسطيني بالاشتراك مع جامعة فلسطين في مدينة الزهراء تحت عنوان قراءة في أفكار إسرائيلية حول حل الدولتين في رؤية الجنرال الصهيوني غيورا ايلاند رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقا ، وترجمة الجنرال الركن عمر عاشور ، ورغم أني كنت لا أريد الذهاب إلى هذه الندوة الثقافية أو إلى اى ندوة ثقافية وخاصة بعد أن حضرت ثلاث ندوات في مدة لا تتجاوز أسبوع ، ندوة نظمها مركز دراسات التنمية تحت عنوان المصالحة الداخلية في فندق غراند بالاس ، وندوة نظمها المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات تحت عنوان الحملة الشعبية للمصالحة الوطنية في مطعم السلام ، وندوة نظمتها مؤسسة تحالف السلام تحت عنوان قرار مشترك – لن نفترق – 2010 عام المصالحة والمصارحة في مطعم السلام أيضا ، وهذه الندوات ما عدا ندوة مركز التخطيط الفلسطيني كانت ندوات مدفوعة الأجر والضيافة من الممولين الاوروبين ، لأن الأوربيون يعرفون انه كلما قلت كمية الأكل الذي يتناوله الإنسان كلما كانت قدرته على الحب أكثر، ولذلك يجب قتل أو تشويه عاطفة الحب بالأكل وملء فراغ المعدة بدلا من ملء فراغ الحياة ، والتركيز على ذلك حتى يصبح ذلك عادة في الدماغ ، والعادة نوع من السلوك المكتسب ، ولأن الدماغ مثل طنجرة الضغط لا يستطيع أن يتحمل كل الضغط المتراكم عليه ، ولذلك وحتى لا ينفجر الدماغ لا بد من التفتيش عن وسيلة لتصريف هذا الضغط المتراكم ، وهنا يختلف الناس في وسيلة التخلص من الشعور بالضغط ، فمنهم من يبكي ومنهم من يصرخ ومنهم من يصلي ومنهم من يغني أو يرسم أو يكتب أو يلعب رياضة أو يشرب قهوة أو شاي أو خمر أو مخدرات ، ولكن الأغلبية تلجأ إلى الأكل ، وهكذا يتحول الأكل بدافع الرفاهية والتنفيس إلى عادة في الدماغ ، وتتحول هذه العادة إلى إدمان يقطع حبل التوتر والإحساس بالفراغ واليأس مثل الخمر والمخدرات ، ولكن بعد أن يكون قد غذى الدماغ بالأحاسيس القوية ، والدماغ مركب من برامج مثل الكمبيوتر ، وعندما يتعود الإنسان على الأكل بدافع الرفاهية والتنفيس يرسخ ذلك في دماغه ويصبح عادة ولا يستطيع تهدئة نفسه إلا بالأكل ، وهكذا يتحول الأكل بدافع الرفاهية والتنفيس إلى جواب ليس على الإحساس بالجوع فحسب وإنما على الأحاسيس الأخرى كالغضب والحزن والوحدة واليأس وعدم الثقة بالنفس والكذب والفشل والإحباط والضياع والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وهكذا أيضا تصبح الأمور تلقائية وعفوية ، وعندما يشعر الإنسان بالغضب أو بالوحدة أو باليأس أو بالخيانة أو بأي شعور آخر يحس لا شعوريا برغبته في الأكل ، وذلك طبقا لنظرية بافلوف في الارتباط الشرطي ، ولذلك نجد آن هؤلاء الناس الذين يأكلون كثيرا بدافع الرفاهية والتنفيس عن الضغط يملكون صورة سلبية عن أنفسهم وعن الآخرين ، ولهذا كنت لا أريد الذهاب إلى أي ندوة أو ورشة عمل ثقافية ، ولأن بعض من يصنفون أنفسهم مثقفون يقرأون ليلسنون لا ليطبقون ، ولأن من يصنفون أنفسهم قادة الحركة الوطنية يصنعون أفكارهم في بطونهم وليس في عقولهم ، ولأن من يصنفون أنفسهم مستقلون مستقلون شكلا ، ولأن من يصنفون أنفسهم مجتمع مدني مجتمع مدني شكلا ، لأن المجتمع المدني ساحة صراع إيديولوجي بين المجتمع والمجتمع السياسي ، وهم جزء من المجتمع السياسي ، وأداة من أدواة المجتمع السياسي للهيمنة الأيديولوجية على المجتمع ، ولأن ما حدث من فساد سياسي وإداري ومالي وأخلاقي لم يحدث لأن المجتمع السياسي كان يريده أن يحدث ولكنه حدث لأنهم سكتوا على ما يحدث سكوتا مدفوع الأجر من السلطة والممولين الأوروبيين ، والممولون الأوربيون مستقلون شكلا ولكنهم جزء من حكوماتهم وأحزابهم ، وكذلك المثقفون وقادة الحركة الوطنية والمستقلون والمجتمع المدني ، مثقفون شكلا وقادة شكلا ومستقلون شكلا ومجتمع مدني شكلا ، ولكنهم طناجر ، لأن المجتمع الفلسطيني مجتمع لم يشكل مقاييسه بعد ، ولذلك اهتزت فيه أرضية المعايير ، ولأن هؤلاء جميعا شكلوا مقاييسهم طبقا لأصول الأشياء لا طبقا لأصول الأفكار ، ولذلك تحول الأكل عندهم إلى جواب ليس على الإحساس بالجوع فحسب ولكن على الأحاسيس الأخرى مثل الجنس والمال ، والأكل عندهم ليس طعام استجابة إلى زيادة هرمون الجيرلين في الدم الذي تفرزه الخلايا الدهنية بسبب نقص هرمون اللبيتين في الدم ، ولكنه جواب على الإحساس بالجنس استجابة إلى هرمون التيستوستيرون ( هرمون الجنس والمال ) ، واستجابة إلى المال لأن ازدياد نسبة مستويات إفراز هرمون التيستوستيرون في الدم تؤدي إلى الثقة والتركيز والتهور والاتجاه نحو الاستثمار ، ولذلك كانت كلمة الفضيلة السياسية كلمة لا معنى لها في قاموس المثقفون الاوسلويون الانجوزيون ، وقاموس القادة الاوسلويون الانجوزيون ، وقاموس الأحزاب الاوسلوية الانجوزية ، وقاموس المجتمع الاوسلوي الانجوزي ، في زمن أوسلو ، كما انه لا يمكن أن يتحقق شيء في سلطة تتلاعب فيها الكلمات بالأهداف الوطنية الإستراتيجية ، في زمن أوسلو ، ولذلك كنت لا أريد الذهاب إلى ندوة مركز التخطيط الفلسطيني في جامعة فلسطين ، لأني لا استطيع أن أتصور إنسان فلسطيني بغير فكر ، فلولا الفكر لأصبح الإنسان حجر أو بهيمة ، ولأني لا استطيع أن أتصور كيف يمكن أن يقول إنسان فلسطيني أن الشرفاء لا يصلحون إلى شيء في زمن أوسلو ، ولأني وجدت في الندوات الثلاثة الأولى أن من يحملون لواء المصالحة والمصارحة الداخلية والوطنية لم يكونوا جادين في المصالحة والمصارحة الوطنية لأن المصالحة والمصارحة الوطنية تتناقض مع مصالحهم ودورهم في خدمة الممولين الاوروبين والسلطة ، ولأن المسألة ليست مسألة في التكتيك يمكن حلها من خلال صك صلح عشائري بين فتح وحماس ، ولكنها مسألة إستراتيجية وتناقض في البرامج السياسية ، ولذلك كان الحضور محدود جدا لا يتجاوز الأربعين في اى ندوة من هذه الندوات ، وذلك بالإضافة إلى أن القسم الأكبر من هؤلاء كانوا يعانون من مرض فقر الثقافة ومرض التنفيس عن ضغط الدماغ بالأكل ، وهذا إلى جانب البعض الأخر الذي يعاني من مرض فقر الوطنية ، ولكن الأخ احمد الحاج ، وهو قائد ولكنه لا يحتاج أن يظهر بمظاهر القيادة ، ولكن في زمن أوسلو هناك من لا يستطيع أن يتأمل إلا المراتب المادية كما لم يكن هناك ما هو أعلى منها في مراتب الثقافة والنضال ، طلب مني أن نذهب ولم ينتظر مني الجواب وحدد الزمان والمكان الذي يجب أن نلتقي فيه ، وذهبت ووجدته ينتظرني في سيارته ، وركبت السيارة وذهبنا معا إلى جامعة فلسطين ، ودخلنا إلى قاعة المحاضرات ، وبدأت الجلسة الأولى وانتهت بدون نقاش ، وقد اعترض بعض الحضور لأن في ذلك خروج عن برنامج الندوة ، وبدأت الجلسة الثانية ، وبعد الانتهاء من الجلسة فتح المجال أمام الحضور للنقاش ، وقد كان هناك إجماع على أن الكيان الصهيوني لا يريد إقامة دولة فلسطينية أو هكذا فهمت أنا لأسباب دينية وجغرافية وتاريخية وحضارية وثقافية وديموغرافية وإستراتيجية ، بالإضافة إلى أسباب تتعلق بالمجال الجوي والمجال الكهرومغناطيسي والتضاريس والحدود والجدار والمطار والغور والاستيطان والممر الآمن والطرق الالتفافية ومحطات المراقبة والأمن والبحر الميت والتعويضات المالية للمستوطنين ، خاصة وان اليهودية تعتبر التوراة دين وشعب وحضارة ووطن ، والإسلام يعتبر القرآن دين وشعب وحضارة ووطن ، ولذلك لا حل إلا تصفية احد الطرفين وجودا وجذورا في فلسطين ، لأن الصراع في بداياته الأولى لم يكن صراعا بين شرعيتين ولكنه كان صراعا بين سكان أصليين وغزاة أجانب ، ومن ذا الذي لا يريد أن يموت من اجل فلسطين شرط أن يكون شهيد ، أن قبسا ضئيلا من مجد الشهيد يعوض بسخاء عن موت مبكر ، واليهود لم يتركوا خيارا آخر غير خيار المقاومة ، لكن احد المشاركين اعترض على عندما قلت يوجد إجماع على عدم إمكانية قيام دولتين ، وعلى عدم رغبة اليهود في قيام دولتين ، ونظر إلى وقال أنا مع حل الدولتين ، فهل يدرك هذا الشخص أن حل الدولتين ورغم انه لا يمكن تطبيقه ، يعترف بحق إسرائيل في الوجود على 78% من فلسطين ، إذا كان لا يعرف فهذه مصيبة وإذا كان يعرف فالمصيبة أعظم ، وهل يعرف هذا الشخص أن حل الدولتين ورغم انه لا يمكن تطبيقه ، أدى إلى حرب أهلية وانقسام في الجغرافية والسياسة الفلسطينية ، إذا كان لا يعرف فهذه مصيبة وإذا كان يعرف فالمصيبة أعظم ، وهل يعرف هذا الشخص أن حل الدولتين ورغم انه لا يمكن تطبيقه ، أدى إلى عدم وضوح الرؤية وعدم وحدة القيادة وعدم الاتفاق على مشروعية الوسيلة في تحرير فلسطين ، إذا كان لا يعرف فهذه مصيبة وإذا كان يعرف فالمصيبة أعظم .