أرشيف - غير مصنف

على خلفية اتهام القذافي باختفاء “الصدر”.. شيعة لبنان يهاجمون موسى بعنف ويعتبرون المشاركة في قمة ليبيا “كارثة”

شن شخصيات شيعية لبنانية هجوما عنيفا ضد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ، ووجهوا له انتقادات حادة وذلك على خلفية تكرار دعوته بضرورة مشاركة لبنان في القمة العربية الدورية والمقررة في ليبيا نهاية الشهر القادم، على الرغم من اعتراضاتهم الواسعة على هذه المشاركة احتجاجا على ما يعتقدونه من تورط النظام الليبي بزعامة معمر القذافي في خطف الزعيم الشيعي الإمام موسى الصدر ورفيقيه وقتلهم خلال زيارتهم لطرابلس في اغسطس/ آب عام 1978.

 
وجاء الهجوم الشيعي بعد ساعات من الهجوم الذي شنه رئيس المجلس النواب اللبناني، نبيه بري، ضد القذافي، وطالب مجددا الحكومة اللبنانية بمقاطعة قمة طرابلس.
 
وكان الصدر، الذي تزعم حركة أمل الشيعية، سافر إلى ليبيا عام 1978 خلال الحرب الأهلية اللبنانية للاتصال بقياداتها، غير أن أثره اختفى بعد ذلك، إذ تقول طرابلس إنه استقل طائرة متوجهاً إلى إيطاليا، في حين يصر شيعة لبنان، على أن النظام الليبي ضالع في إخفاء الصدر لأسباب سياسية.
 
وكرر موسى أمس قوله: إن "مشاركة لبنان في القمة غير مطروح للنقاش، بل مستوى التمثيل". وأشار، لدى مغادرته بيروت أمس، إلى أن المحادثات التي أجراها مع المسؤولين في لبنان "كانت إيجابية ومفيدة للغاية"، وقال: إنه تحدث مع "المسؤولين اللبنانيين في أمور محددة تتعلق بالقمة والعلاقات العربية والتهديدات الإسرائيلية والوضع الإيراني".
 
وأكد أن "مشاركة لبنان في القمة غير مطروحة للنقاش وليست محلا للخلاف، فهذا واجب ومسؤولية وبالتالي نحن لا نناقش موضوع المشاركة من عدمها، بل أتصوّر أنه خلال الأيام القليلة القادمة سيجري النقاش بشأن المستوى الذي ستتم على أساسه المشاركة".
 
وعن كيفية معالجة قضية الإمام موسى الصدر في القمة العربية المقبلة في ليبيا، قال موسى: "كأمين عام لجامعة الدول العربية وكمواطن عربي مهتم بتهدئة الأمور وعلاجها، أرى أن هذا ليس مكانه الإعلام".
 
رد شيعي قاس
 
وأثار ما قاله موسى ردود أفعال غاضبة من جانب شيعة لبنان، حيث شن نائب رئيس المجلس الشيعي، الشيخ عبد الأمير قبلان، هجوما عنيفا ضد موسى محذرا الحكومة من أن تخلي لبنان عن قضية الإمام الصدر ورفيقيه هو "تخل عن أكبر شريحة من اللبنانيين". ورأى قبلان أن مشاركة لبنان في القمة "كارثة"، ومشاركة سورية فيها "مصيبة".
 
وتوجّه قبلان خلال خطبة الجمعة إلى عمرو موسى، قائلا: "كن للظالم خصما وللمظلوم عونا، فنحن نرحب بك في لبنان ولكننا نريد حلا إيجابيا لقضية تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب وعباس بدر الدين"، مطالبا إياه "بتوجيه سؤال إلى (الرئيس الليبي) معمر القذافي عن مصير الإمام الصدر ورفيقيه الذين مر على اختطاف النظام الليبي لهم أكثر من 31 عاما".
 
وحسبما ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، سأل قبلان، موسى قائلا: "أين موقفك من هذه القضية؟ ولماذا سكت عن أسرارها حتى أصبحت لغزا يحتاج إلى حل وأصبحت مشكلة تحتاج لفك رموزها؟ لقد جئت لتطلب من حكومتنا المشاركة في قمة ليبيا، فلماذا لا تطالب القمة العربية بحل مشكلة الإمام الصدر ورفيقيه قبل مطالبتنا بالمشاركة؟".
 
وأضاف: "… لم نسمع صوتا عربيا وإسلاميا جديا يضع حدا منصفا لهذه القضية، نحن عرب أصحاء وكل من يدعي العروبة يشك بنسبه ونحن في لبنان نعود إلى قبيلة عاملة في اليمن، فلماذا الاستهتار واللامبالاة ونصرة الظالم على المظلوم؟".
 
ورأى أنه "إذا أراد لبنان أن يتخلى عن قضية الإمام الصدر ورفيقيه، وأرادت الحكومة أن تتخلى عن أكبر شريحة من اللبنانيين فلتفعل، ونحن لن نتصدى لها ولكن لن نقول لها بأمان الله، وذهابنا إلى ليبيا يحمل الحكومة مسؤولية كبيرة ونحن أهل وأحبة ونتأثر بما يتأثر به غيرنا في لبنان".
 
وتابع: "نحن صادقون مع أنفسنا وتوجهاتنا ولن ننسى الإمام الصدر ورفيقيه، فالقذافي ملك ملوك أفريقيا وهو رجل وصل على حساب الفقراء والمظلومين، ولا نقبل أن يتجاوز أحد قضية الإمام موسى الصدر باعتبارها قضيتنا المركزية ويجب أن تبحث في مؤتمر القمة العربية في ليبيا، وأول عمل يجب أن تقوم به القمة هو بحث قضية الإمام الصدر ورفيقيه في الجلسة الافتتاحية على مرأى ومسمع من كل العالم من خلال وسائل الإعلام، وليسأل الجميع معمر القذافي متى سيحل قضية الإمام موسى الصدر".
 
وخلص قبلان إلى القول: "إن ذهاب لبنان إلى القمة العربية نكبة وكارثة ويحمل لبنان مسؤولية أمام الله وأمام التاريخ وذهاب سورية مصيبة عظمى، وعلى العرب القيام بواجباتهم أمام الله والتاريخ ومطالبة القذافي بكشف مصير الإمام الصدر ورفيقيه"، مؤكدا أن "لبنان مع نجاح هذه القمة، ولكن نجاح هذه القمة يكون بالكشف عن مصير الإمام الصدر ورفيقيه، والشرط الوحيد لمشاركة لبنان في القمة، مهما كان مستوى التمثيل، هو أن تبحث قضية الإمام الصدر في الجلسة الافتتاحية العلنية أمام الملأ وأمام وسائل الإعلام كافة لتظهر الحقيقة".
 
 الشيخ عبد الأمير قبلان  
 
من جانبه، رأى عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب عبد المجيد صالح، التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ان القمة العربية المرتقب انعقادها في 27 و28 مارس المقبل في ليبيا ستفسد الود بين لبنان ومن يدعوه الى حضورها من المسؤولين العرب، خصوصا ان القضية هي قضية الإمام موسى الصدر الذي كان له صولات وجولات في ترتيب البيت العربي ووحدته.
 
وأكد صالح في حديث لصحيفة "الانباء" الكويتية، ان "القمة العربية في ليبيا لن يكون لها لون ولا طعم في ظل التئام القادة العرب على اراضي دولة تخفي في أقبية معتقلاتها الإمام الصدر ورفيقيه، اضافة الى ان المضيف الليبي للقمة أبعد ما يكون عن شؤون الأمة العربية وتحديدا عن قضيتها الأم فلسطين المحتلة".
 
وقال "ان الأمة العربية دبّ فيها الصدأ بعد ان تجاهلت لاءات قمة الخرطوم الثلاث (لا تفاوض، لا اعتراف، لا سلام)، ووصلت الى حد ترك غزة تحترق بنار العدوان الاسرائيلي وأوصلت الشعب الفلسطيني الى ما وصل اليه من ضعف في المواقف ومن تنكيل مستمر به".
 
وتمنى صالح على من بشّر ويبشّر بمشاركة لبنان في القمة العربية الشعور أقله بالخجل السياسي، أمام أوسع شريحة من اللبنانيين مسلمين ومسيحيين يرفضون مشاركة لبنان في قمة يتحدى مضيفها احكام القضاء اللبناني، معتبرا انه كان من الأجدى لهذا المبشّر التعليق ولو بشكل متواضع على اصرار زعيم النظام الليبي على التنكر لقضية الإمام الصدر والاحتفاظ به مع رفيقيه، معتبرا ان الحديث عن مشاركة لبنان في القمة يوحي للمستمعين اليه وكأن الإمام الصدر من كوكب خارج هذا العالم.
 
وعن مستوى المشاركة في القمة العربية اكد ان اللبنانيين لا يساومون في رفضهم حضور القمة على مستوى التمثيل اللبناني لتحويله من مستوى الفئة الأولى او الثانية الى مستوى الفئة الثالثة او الرابعة، لافتا الى ان مشاركة لبنان مرفوضة بالأساس وبكل أوجه التمثيل حفاظا على كرامته وعلى كرامة اللبنانيين الى اي مذهب او طائفة انتموا.
 
وكان بري أعلن في وقت سابق أنه شخصياً مع مقاطعة لبنان لأعمال القمة احتجاجا على اختفاء الصدر قبل 31 عاما، لكنه اعتبر أن الرئيس اللبناني ميشال سلميان "هو الذي يقرر ولست أنا".
 
ونقلت صحيفة "الحياة" اللندنية عن بري ، الذي يترأس حركة أمل الشيعية، بعد مقابلته سليمان بالقصر الجمهوري في بعبدا، قوله: إن الرئيس "يعلم علم اليقين أن الإمام موسى الصدر ،مؤسس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، غيّبوا في ليبيا ويعلم أيضاً أنه صدر عن القضاء اللبناني قرار يتعلق بالقيادة الليبية (مذكرة توقيف لبنانية غيابية بحق الزعيم الليبي معمر القذافي ومسؤولين ليبيين آخرين، وهو محال والآخرون على المجلس العدلي) وفخامته يحترم بالتأكيد القضاء اللبناني".
 
بدوره ، دعا النائب علي خريس عضو الكتلة نفسها، الدولة إلى "عدم المشاركة في القمة العربية في ليبيا"، مستغربا كلام الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عن "ضرورة مشاركة لبنان".
 
وقال: "ألم يسمع السيد عمرو موسى أن النظام الليبي وحاكمه معمر القذافي هو المسؤول عن جريمة إخفاء الإمام موسى الصدر، وهل سمع موسى عن الإمام الصدر الذي كان يعمل ويسعى دائما إلى جمع كلمة العرب وتوحيدهم لحل مشاكلهم وقضاياهم لا سيما القضية الفلسطينية، فماذا فعلت الجامعة العربية إزاء هذه القضية؟".
 
وأضاف: "ما الفائدة من عقد قمة في دولة سعى نظامها إلى تفتيت وتمزيق الأمة والقضية الفلسطينية عندما طرح القذافي فكرة إنشاء وطن بديل عن فلسطين في منطقة أفريقيا؟"، مؤكدا أن "البلد الذي يحترم سيادته وقياداته لا يترك قضاياه"، داعيا موسى إلى "مراجعة موضوعية قبل أن ينصب نفسه ناطقا باسم لبنان".
 
ويقترح مسئولون لبنانيون التغيب الكامل احتراما للامام الصدر، وما كان يتمتع به من شخصية مميزة وقائد حكيم، يقترح آخرون المشاركة الكاملة في القمة من خلال الدعوة التي سيتلقاها لبنان من رئيس القمة الحالية امير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ومن جامعة الدول العربية وليس من ليبيا التي ستتسلم مقاليد الرئاسة لسنة 2010 – 2011 في جلسة الافتتاح، وان جدول الاعمال يتضمن قضايا مهمة ليس من المستحسن ان يغيب عن المشاركة في نقاشها رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء.
 
العلاقات اللبنانية – الليبية
 
تقول تقارير إنّ تصاعد الخلاف بين الجماهيرية الليبية ولبنان يعود الى خلفية الاتهامات التي وجّهتها جماعات لبنانية شيعية للزعيم الليبي معمر القذافي بالمسؤولية عن اختفاء الزعيم الشيعي الإمام موسى الصدر عام 1978، وقد حظرت بعدها ليبيا دخول المواطنين اللبنانيين إلى أراضيها.
 
وأعلن يومها أنّ هذا الإجراء محدود ولا يشمل اللبنانيين المقيمين رسمياُ في ليبيا أو الذين يحملون تصاريح عمل هناك، كما استثنى القرار اللبنانيين المتزوجين من ليبيات.
 
كما تعرضت العلاقات اللبنانية- الليبية لمنعرج آخر بعد سحب السفير الليبي من بيروت احتجاجا على استثنائه من الدعوة لحضور الجلسة الافتتاحية للبرلمان اللبناني.
 
وساءت العلاقات كثيرا بين بيروت وطرابلس بعد أن أصدر أحد قضاة التحقيق اللبنانيين عام 2008 قراراً اتهامياً في قضية اختفائه، حيث اتهم المحقق العدلي، سميح الحاج، القذافي، بإخفاء الصدر، ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب، والصحفي عباس بدر الدين، بعد زيارة علنية قاموا بها إلى طرابلس، إبان الحرب الأهلية.
 
وطلب الحاج إنزال عقوبة الإعدام "برئيس الجمهورية الليبية العقيد معمر بن محمد أبو منيار القذافي، الذي أوقف غيابيا بتاريخ 24 أبريل/نيسان 2008، ولا يزال فارا من وجه العدالة لجهة التحريض على الخطف وحجز الحرية".
 
ورأى مراقبون أنّ هذا الإجراء مجرد خطوة رمزية لأنه من المستبعد تماماً أن يمثل القذافي أمام محكمة في لبنان.
 
وبعد أيام من إصدار المذكرة ، كرّرت ليبيا نفي أية علاقة لها بالقضية ملمّحة إلى أنّ إثارة بعض الدوائر اللبنانية للمسألة المثيرة للجدل يستهدف التشويش عليها ومحاولة ربطها بالإرهاب خلافاً للحقيقة.
 
وأثرت هذه القضية سلباً على العلاقات اللبنانية- الليبية، حيث أغلقت ليبيا سفارتها في بيروت عام 2003 بدعوى أنّ الضغط اللبناني عليها لكي تكشف عن مصير الصدر يشكل إهانة لها.
 
كما غاب القذافي عن القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002 بعد تردد أنباء عن تلقيه تهديدات من جماعات شيعية لبنانية تلقي باللائمة على ليبيا في اختفاء الصدر.
 
وأكدت مصادر ليبية رسمية أن طرابلس برأت ذمتها من اختفاء الصدر بالوثائق والأدلة والتي تؤكد أنه غادر أراضيها بمحض إرادته مع مرافقيه إلى العاصمة الإيطالية روما، مشيرة إلى أن ليبيا أبدت على الرغم من ذلك استعدادها للتعاون مع أي جهة عربية محايدة للتحقيق في ملابسات هذه القضية.
 
يُشار إلى أن الصدر وصل إلى ليبيا بتاريخ 25 -8 – 1978 يرافقه الشيـخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. وكان الصدر على موعد للاجتماع بالقذافي ليلة 29-30 اغسطس/آب، لكن الصدر لم يظهر بعدها أبداً.
 
وبينما تقول بعض المصادر إنّ اللقاء قد حدث، فإن الرواية الليبية تقول إنّ القذافي ألغى بشكل مفاجئ هذا الموعد خلال اجتماعه بمجموعة من الشخصيات اللبنانية.

زر الذهاب إلى الأعلى