أرشيف - غير مصنف

اللقطاء.. الحصاد المر لاختلاف الجنسيات والأعراق بالإمارات

يرى متخصصون ورجال دين أن العثور على لقطاء أو مجهولي الأبوين في مناطق متفرقة في الإمارات إفراز طبيعي لوجود جنسيات وأعراق متعددة، تزداد بين ظهرانيهم نسبة العزاب، فضلاً عن تحدرهم من بيئات وعادات وتقاليد متباينة، مشددين على دور الدولة الراعي لهذه الفئة ومحاولات دمجهم وتربيتهم في ظروف إنسانية وأسرية.

 
 
وأثار العثور على رضيعتين لقيطتين في عجمان ورأس الخيمة في الأيام الماضية مخاوف من تحول هذه الحالات الفردية إلى ظاهرة، خصوصاً أنه قد سبقهما العثور على أطفال في الشارع العام بدبي ومسجد الصحابة بالشارقة وغيرها من الحالات الأخرى التي وجدت في الأماكن العامة ، وذلك طبقا لما ورد بجريدة "الاتحاد" الإماراتية.
 
 
 
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإدماج هذه الفئة في المجتمع، فإن اللقيط يعيش في حال نفسية واجتماعية صعبة. تقول نورا. ع. م 23 عاماً، تقطن في إمارة الشارقة، إنها تفتحت عينها على الدنيا وسط أسرة تتكون من أب وأم وولد وبنت يصغرانها كثيراً، وأنها عاشت معهم لسنوات وكانت على يقين تام أنها وسط أسرتها الحقيقية إلى أن صارحوها بأنها ليست ابنتهم وأنهم حضنوها من خلال إحدى الدور.
 
 
 
وأضافت نورا :" لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن أكون ابنة لعلاقة غير شرعية نتجت بين شخصين لا أعرف اسميهما ولا جنسهما ولا أي شيء عنهما غير أنهما ظالمان ارتكبا جريمة وتماديا فيها وأنهياها بجريمة أبشع بالتخلي عني".
 
 
 
وأشارت نورا إلى أنها ، ونتيجة للمعاملة الطيبة التي عايشتها مع الأسرة التي احتضنتها قبلت الوضع وسلمت به وعرفت أن الله قدر لها ذلك، وعاشت معهم شاكرة لهم أنهم أحسنوا تربيتها.
 
 
 
وقالت نورا :" لا ذنب لي في واقعي الذي أعيشه، ودائماً ما أسأل نفسي بأي ذنب وجدت وتركت في الشارع العام؟! إلا أني لم أجد إجابة، ودائماً أتمنى أن يعترف بي من كانا السبب في وجودي بالدنيا، حتى وإن كنت ابنة خطيئتهما، وأن يصلحا خطأهما ويتزوجا وأعيش معهما".
 
 
 
وذكرت أنها لا يوجد لديها خيار آخر سوى أن تواجه قدرها وأن تعيش بصورة سوية وتحقق ذاتها في الحياة من خلال العلم والعمل، وأنها تنوي استكمال دراستها بعد التوقف لسنوات بعد الحصول على الثانوية العامة، كما أنها ستصارح أي رجل يتقدم للزواج منها بواقعها حتى يكون على بينة، خاصة أنها مؤمنة تماماً بأنها ليس لها ذنب في مصير لم تكن مسئولة عنه.
 
 
 
ظاهرة مقلقة
 
 
 
ويرى الفنان التشكيلي إبراهيم العوضي أن مسألة العثور على أطفال لقطاء في الشوارع العامة باتت تشكل ظاهرة مقلقة بعض الشيء للمجتمعات بشكل عام، ودليلاً كبيراً على عدم الإيمان لكون ذلك حصل نتاجاً لعلاقات محرمة.
 
 
 
واشار إلى أنه تأثر وغيره من الأهالي بالحالات الفردية التي عثر عليها خلال الأيام القلية الماضية في عدد من إمارات ومدن الدولة وضعها مجهولون دون شفقة أو رحمة أو إحساس بالمسئولية في أماكن عامة ورحلوا.
 
 
 
ويبيّن العوضى أن تنوع الجنسيات على أرض الإمارات ووجود حالات كثيرة من الأشخاص العزاب سواء أكانوا رجالاً أو نساءً مع تنوع الثقافات والعادات والتقاليد، ساهمت في وجود حالات من اللقطاء، إلا أن الدولة ترعاهم وتوفر لهم حياه كريمة نادر توافرها في أي بلد آخر في العالم.
 
 
 
ويشير العوضي إلى أن نظرات البراءة والاستعطاف التي كانت تسم وجوه الأطفال الذين نشرت صورهم في الصحف خلال الفترة الحالية ، لاقت ردود أفعال كبيرة وتجاوباً من الأهالي لدرجة أن دار الرعاية بالشارقة استقبلت قرابة 1500 مكالمة هاتفية من أُناس يبدون رغبتهم في احتضان طفل "مسجد الصحابة" الذي عثرت عليه شرطة الشارقة أمام مسجد الصحابة العام الماضي، إضافة إلى مكالمات عديدة من الأهالي تجاوباً مع كل حالة.
 
 
 
رعاية إجتماعية
 
 
 
من جانبها، أكدت شيخة الشاعر مدير إدارة التنمية والتأهيل بدار الرعاية الاجتماعية بالشارقة أن الدار لديها 9 حالات من الأطفال مجهولي الأبوين، وأنهم يتلقون الرعاية الكافية من مأكل وملبس ورعاية اجتماعية ونفسية ودعم مادي ومعنوي، كما أن هناك عدة طلبات مقدمة من الأهالي بالحضانة، تبحثها اللجنة حالياً.
 
 
 
وتفيد بأن هناك طلبات عديدة تتقدم بها الأسر الراغبة في احتضان هؤلاء الأطفال، وعليه تتم، من خلال قسم الاحتضان، دراسة الحالات والأسرة المتقدمة بالطلب ومطالبتها بتقديم الأوراق الثبوتية والتقارير الطبية بخلوها من الأمراض، وكذلك ورقة راتب إن أمكن.
 
 
 
وتلفت الشاعر إلى أن اللجنة تقوم بدراسة الطلبات بصورة دقيقة للتأكد من جدية ورغبة الأسرة المتقدمة بالطلب في حضانة الطفل، وأنهم سيوفرون له حياة كريمة، كما يتم تدريبهم بمراكز الأمومة والطفولة لفترة على الرعاية والاهتمام والتغذية والعلاج وغيرها من الأمور الأخرى الخاصة بالطفل ليكونوا مهيأين لاستقباله.
 
 
 
وتضيف أن اختصاصية من الإدارة تقوم بزيارة منزل الأسرة للتأكد من توفير مكان مناسب للطفل، بل ومتابعته في سنوات حياته المستقبلية، مشيرة إلى أن الدار تتابع حالات من مجهولي الهوية تزوجوا وأصبحوا مسؤولين عن أولاد ويعيشون حياة آمنة ومستقرة نفسياً واجتماعياً.
 
 
 
وتذكر الشاعر أن الدار تستقبل عدداً من الحالات من فترة لأخرى وأنها، ومن خلال لجنة رعاية الأطفال المحرومين تمنحهم جنسية الدولة بعد سلسلة من الإجراءات، منها التأكد من عدم وجود أبوين لهما، ومنحهم أسماء ثلاثية تستخرج من خلالها أوراقهم الرسمية، لافتة إلى أن الإمارات تولي تلك الفئة اهتماماً يمنحها حقوقاً كثيرة لا تتوافر لدى بلدان كثيرة، وذلك طبقاً للاتفاقيات الدولية في هذا الشأن.
 
 
 
جرح اجتماعي
 
 
 
ويرى الدكتور محمد إبراهيم منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمارات أن الدولة حمت الطفولة ورعتها بشكل عام سواء من حيث تقديم الخدمات في جميع المجالات أو بإصدار وتطبيق التشريعات المحلية منها والدولية، وهو ما ينطبق أيضاً على الأطفال مجهولي الأبوين أو اللقطاء.
 
 
 
ويضيف أن تربية أطفال الخطيئة أو اللقطاء داخل دور للرعاية الاجتماعية في مرحلة معينة من العمر خاصة في المرحلة الأولى من العمر أمر جيد لتحل محلها مباشرة الأسرة الحاضنة أو البديلة، وذلك لكي ينشأ الطفل في مجتمع سوي ويكون فرداً هادفاً فيه يؤدي دوره بصورة صحية اجتماعياً من خلال غرس قيم ومبادئ دينية واجتماعية سليمة تطبِّعه على طباع المجتمع وصفاته الحميدة.
 
 
 
ولا يحبذ الدكتور محمد منصور مصارحة الشخص بحقيقته مستقبلاً، بل إنه سر يجب أن يظل مع حاضنيه طوال الحياة، باعتبار أن المكاشفة قد تأتي بنتائج اجتماعية سيئة، وتجعل منه شخصاً منطوياً أو غير سوي في المجتمع وتصيبه بـ”جرح اجتماعي” من الصعب مداواته.
 
 
 
ويطالب أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمارات بضرورة أن تتم عملية احتضان اللقطاء داخل الأسر في مجتمعات تعيش أكثر في المدينة لكي يذوبون فيها ولا يتأثرون بمن حولهم، بحيث لا يعرفون حقيقة طفلهم، ليتوافر لهم الشعور بكرامة الإنسانية والعواطف السليمة، بينما المجتمعات “المتجانسة”، التي يعرف أهلها بعضهم بعضاً، لا يصلح فيها التبني أو الحضانة لكون الطفل سيواجه واقعه طوال حياته.
 
 
 
تشريع رحيم
 
 
 
يفيد مصطفى عطية مستشار قانوني بمكتب المطروشي والطنيجى للمحاماة والاستشارات القانونية بأن القانون والتشريع الإماراتي عرف اللقيط بأنه كل طفل غير مميز مجهول الأبوين والنسب، ولا يشترط أن يكون اللقيط نتاج علاقة محرمة وغير مشروعة، ولكنه قد يكون نتاج ظروف اجتماعية غير طبيعية، وقد يكون نتيجة جريمة كيدية للكيد بوالديه أو بأحدهما كأن يخطف أو يسرق منهما ويلقى في أي مكان سواء مكان معمور بالسكان أو غير ذلك بيد أنه مع اختلاف الأسباب فإنها تؤدي إلى نتيجة واحدة ألا وهي أن هذا الطفل لقيط مجهول النسب نتيجة قسوة قلب من تركه وحيداً يلقى مصيراً مجهولاً.
 
 
 
وأفاد بأن المشرع الإماراتي أكثر رحمة على اللقيط من والديه ومن المتسبب في تركه للمجهول، فلقد نصت المادة 11من القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 1975 في شأن تنظيم قيد المواليد والوفيات وتعديلاته على أنه “يجب على كل من يعثر على طفل حديث الولادة أن يسلمه إلى أقرب مخفر للشرطة ويحرر محضر بالملابسات والظروف التي وجد فيها المولود يذكر فيه مكان العثور عليه وتاريخه وساعته وجنس المولود (ذكر أو أنثى) وسنه حسب الظاهر ويختار للطفل اسم ولقب وتثبت ديانته مسلماً.
 
 
 
وبيّن أن التشريع الإماراتي أعطى الحق بأن يكتسب اللقيط جنسية الدولة أيضاً، وهو ما نص عليه قانون الجنسية وجوازات السفر رقم 17 لسنة 1972 والمعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1975 والذي نص في مادته الأولى على أن تكتسب جنسية الدولة بحكم القانون أو بالتبعية أو بالتجنس ونصت المادة الثانية من القانون ذاته بعد التعديل على أنه يعتبر مواطناً بحكم القانون.
 
 
 
التبني مرفوض دينياً
 
 
 
يؤكد الداعية الدكتور محمد سليمان فرج مستشار الفتوى والتوجيه الأسري في دائرة قضاء أبوظبي أن مسألة التبني مرفوضة دينياً، ولا يجوز نسب الأطفال اللقطاء لأشخاص موجودين بأسمائهم، وكذلك لا يجوز لهم الوجود مع أهل البيت بعد سن معين سواء أكانوا إناثاً أو ذكوراً، لكي لا يطلعوا على عورات الآخرين، ولا يحق لهم نصيب من الميراث لكونهم أبناء غير شرعيين.
 
 
 
ويوضح أن الأشخاص الذين يتقدمون برغبتهم في حضانة تلك الشريحة من الأطفال سيجزون خيراً على فعلتهم، ويجب عليهم أن يراعوا الله في تربيتهم، وأن يشعروهم بإنسانيتهم وأنهم لا ذنب لهم في مصيرهم، إضافة إلى تعليمهم شؤون دينهم كالصلاة وغيرها من السلوكيات الدينية القويمة التي تجعل منهم أطفالاً وشباباً أسوياء.
 
 
 
ويذكر فرج أن على المجتمعات أن تتحصن من الوقوع في الرذيلة بالتعاليم الدينية وتوعية الشباب بالنتائج التي قد تثمرها العلاقات المحرمة، وأن ييسروا في طلبات الزواج على الشباب مما يقلل من المحرمات ويساهم في إيجاد مجتمع آمن ومتزن نفسياً.

زر الذهاب إلى الأعلى