أرشيف - غير مصنف
صور صدام وكتبه في “بعث” جديد من كردستان العراق ودعوات “لاجتثاثها”
تنتشر في مدينة السليمانية الكردية حاليا صور الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وبشكل يبدو انبعاثا غريبا لرمز نظام طالما كان على طرفي نقيض مع مدينة دخل في مواجهات دامية معها.
ففي شارع رئيس وسط السليمانية، تظهر صورة للرئيس العراقي السابق وهو واقف وسط قاعة المحكمة الخاصة التي أمرت بإعدامه بنهاية عام 2006، وسط صور أخرى للعديد من قادة الأكراد، وكانت الصورة عبارة عن دعاية لكتاب حديث صادر باللغة الكردية عن سيرة صدام حسين.
هدفنا التعرف على "رئيس نظام المقابر"
ويقول بائع الكتب في السليمانية نوشيروان عثمان لـ"السومرية نيوز"، إن "كتاب صدام حسين من الزنزانة الأميركية: هذا ما حدث" يلقى رواجا كبيرا بنسختيه العربية والكردية، على الرغم من انه إحياء لأسطورة رئيس النظام السابق"، حسب قوله.
ويتابع "ونحن ننتظر الآن الطبعة الثانية من الكتاب لأنه يباع بشكل جيد".
ويشير عثمان إلى أنه قرأ الكتاب وهو "يصور الفترة التي قضاها صدام في السجن، ويصف ما قام به هناك بالبطولة"، ويستدرك "أن أغلب قراء الكتاب هم من الجيل القديم، فالشباب لا يبالون بمثل هذه الكتب"، وفقا لتعبيره.
فيما يعتبر بائع كتب آخر هو سرور كريم أن بيع كتب تصور بطولات صدام بهذا الشكل مسألة "معيبة حقا"، ويستدرك "لكن هذا لا يعني أن الناس يحبون صدام، بل يريدون أن يعرفوا أسرار رئيس نظام المقابر لا أكثر".
لم أجد المؤلف فطبعت الكتاب من دون أذن منه
وقد ترجمت العديد من الكتب الخاصة بسيرة صدام حسين إلى اللغة الكردية، ومن بينها كتاب الدكتور علاء بشير، طبيب صدام الخاص، وكتاب شبيه صدام، ورواية زبيبة والملك، فضلا عن الطبعة الأولى لكتاب "صدام حسين من الزنزانة الأميركية: هذا ما حدث" الذي يباع الآن في مكتبات السليمانية للمحامي خليل الدليمي، باللغتين العربية والكردية، وهو من إصدارات شركة المنبر للطباعة المحدودة في الخرطوم، وتمت ترجمته للكردية وطبع 1000 نسخة منه من قبل شمال محمد.
ويذكر مترجم كتاب "صدام حسين من الزنزانة الأميركية: هذا ما حدث"، شمال محمد في مقدمة الكتاب الصادر باللغة الكردية أن "الكتاب يميل إلى حزب البعث وصدام حسين وكتب على أساس فكر عربي شوفيني، إلا أن هذا لا يعني بأننا مع هذا الفكر بل لإطلاع القارئ بما ينشر حول صدام".
ومن جانبه، يكشف صاحب مركز آودير للطباعة في السليمانية الذي طبع الكتاب باللغة الكردية ورزير جلال، لـ"السومرية نيوز"، أن "اسم مترجم الكتاب مستعار ولا يريد أن يعرف الناس بأنه مترجم هذا الكتاب لأسباب خاصة به"، وفقا لتعبيره.
ويضيف جلال "وقد حصلت على رقم إيداع للكتاب دون أية مشاكل، وها أنتم ترون انه يباع في السوق بشكل جيد"، ويتابع "لكني لم استطع الاتصال بمؤلف الكتاب، ولهذا طبعته دون أن أحصل على أذن منه"، على حد تعبيره.
وزير الثقافة: ظهور كتب صدام ليس بجديد
ويرى وزير الثقافة في حكومة الإقليم كاوة محمود أن "ظهور كتب الدكتاتور السابق في أسواق الإقليم ليس بجديد، فقبل سقوط النظام كانت مذكرات شبيه صدام، وشبيه نجل صدام عدي، منتشرة وتباع في الأسواق فضلا عن العديد من الدراسات السياسية والفكرية عن فترة الحكم تلك وهي كتب تكشف عن قصص مأساوية"، ويضيف أن "إمكانية إطلاع الجيل الجديد من الباحثين على جذور الفكر الشوفيني لدى البعث لم تمنع لا الآن ولا قبل سقوط النظام"، وفقا لقوله.
ويضيف وزير الثقافة أن "الحكومة لا تفرض رقابة على النشر، ولكن لا يمكن وحسب الدستور العراقي، أن نسمح لكتب تبشر بالقتل وتثقف الناس بفتاوى تكفيرية وتحرض المكونات الدينية والقومية المختلفة في المجتمع الكردستاني بعضها على بعض".
علينا أن ننظر للأمر من جانب آخر
أما الكاتب والصحفي آسوس هردي فيدعو إلى النظر للموضوع من جانب آخر، لأن "قراءة كتب صدام لا تعني بتاتا حنين الشعب العراقي إلى الماضي ومراراته وعذاباته، بل أنهم يريدون أن يعرفوا كيف أسر الدكتاتور وكيف احتلت بغداد وماذا قال الدكتاتور عن سقوطها وما دار في كواليس المحكمة وموقفه من الأوضاع السياسية الجديدة".
ويشدد على أن "من يعرف الدكتاتور لن تخدعه الشعارات السياسية لحاكم حكم شعبه بالحديد والنار"، ويتابع "وحتى القراء في الدول العربية أصبحوا يعرفون صدام جيدا فالفضائيات كشفت ما لحق بالشعب العراقي وبشعوب المنطقة جراء سياسات هذا النظام ولن يخدعوا به ثانية".
ويلفت هردي إلى أن "الحكومة العراقية سمحت لصدام أن يعبر عن بعض آرائه عبر الفضائيات أثناء محاكمته، فليس من الحكمة إذا منع كتبه، لأنها متيسرة وأصبح وجودها مألوفا".
..إنها دعاية مهينة لمشاعر الضحايا ويجب اجتثاثها
ومن جهته، يقول السجين السابق في زنزانات امن السليمانية والأمن العامة عثمان سعيد الذي سجن فيها متهما بانتمائه لأحد التنظيمات السياسية المعارضة عام 1988 وحكم عليه بالسجن مدة 10 سنوات في سجن أبو غريب، إن "اسم صدام يعبر لوحده بالنسبة لجيلنا عن مرحلة مأساوية من تاريخ العراق الحديث".
ويستدرك سعيد "ولكن مشكلة من يكتبون عنه أنهم يصورونه بوصفه أسطورة لا بوصفه مجرم حرب، وعدوا لحقوق الإنسان وكرامته"، ويرى أن "الدعاية الكبيرة لكتاب خليل الدليمي الذي تنتشر إعلاناته في مدينة السليمانية مخجلة للسلطات ومهينة لمشاعر الضحايا"، داعيا إلى "اجتثاث تلك الكتب على غرار اجتثاث البعثيين"، بحسب تعبيره.
إلا أن آخرين يرون أن ترجمة هذه الكتب تسهم في فضح سياسات النظام السابق، ويقول المواطن آسو محمد،40 سنة، إن "عددا كبيرا من المجرمين الكبار بحق الإنسانية ترجمت مذكراتهم، وهذا لا يعني أن المترجم أو الناشر يسوق أفكارهم وأساليبهم الإجرامية في إدارة بلدانهم".
ويشير محمد إلى أن "هناك كتبا مترجمة عن حياة أدولف هتلر وموسوليني وغيرهم، ولكن المشكلة هي أن صدام يذكر الناس بالقتل والتشريد والإعدامات والظلم الذي لحق بنا كشعب"، على حد قوله.
ومن جانبه، يتساءل أستاذ القانون في جامعة السليمانية سامان فوزي عن سبب "إعادة التذكير بأسطورة هذا النظام ورئيسه"، ويجيب على سؤاله قائلا "لأن بعض هذه الكتب مفيدة للجيل الجديد، فضلا عن الأكاديميين، وتكشف لهم بداية وصول صدام إلى السلطة واستمراره لثلاثة عقود، فضلا عن مجريات أحداث حروبه الداخلية والخارجية وجرائمه"، حسب قوله.
ويرى فوزي أن "القانون رقم 3 لسنة 1971 الخاص بحماية حق المؤلف يحمي المؤلفين من ترجمة أو إعادة تحرير كتبهم من دون علمهم، وبغض النظر عن محتوى هذه الكتب سواء كانت لقادة سلام أو مجرمي حروب".
يذكر أن المكتبة العامة في السليمانية التابعة لوزارة الثقافة في حكومة الإقليم، وحسب مصدر مسؤول فيها، تؤكد أن طبع الكتب في الإقليم يمر من دون رقابة، فيما عدا الكتب التي تسيء للأديان والمصلحة العامة وتتدخل بحياة الناس الخاصة، إلا أن المكتبة "لا تفضل إعطاء أرقام إيداع لمؤلفات صدام وفكر حزب البعث أما الدراسات عنه فهي أمر طبيعي"، بحسب المصدر.
المصدر: السومرية