الرئيسيةأرشيف - غير مصنفنحو منظومة أمنية جديدة للخليج العربي .. بقلم: د. مضاوي الرشيد

نحو منظومة أمنية جديدة للخليج العربي .. بقلم: د. مضاوي الرشيد

في ظل الزيارات المكوكية التي تقوم بها الادارة الامريكية للسعودية وبقية دول الخليج من اجل حشد الصفوف وتوحيد المواقف خلف قرارات تفرض المزيد من الحصار الاقتصادي على ايران وربما تمهيدا لضربات قادمة يصنف اي صوت مخالف على انه خيانة للوطن وارتماء في احضان ‘العدو الفارسي’ او تشيع مبطن يستتر خلف مصطلحات التقية وغيرها.

ولكن بعيدا عن هذه المهاترات نجد ان المنطقة الخليجية محتاجة الى منظومة امنية جديدة بعد ان فشل مجلس التعاون الخليجي والدول المنتمية له في ايجاد حل لمعضلة امن الخليج. المنظومة الجديدة يجب ان ترتكز على اطار يحتوي ايران بل تكون ايران جزءا منه. لقد عرفت منطقة الخليج منظومات امنية سابقة كان اولها ‘باكس بريطانيا’ حيث دخلت بريطانيا بثقل قوتها العسكرية البحرية الى المنطقة لتضمن طريقها الى الهند وتقطع هذا الطريق على منافسيها في السابق واهمهم فرنسا حينها. وفي اوائل السبعينات انتهت هذه المرحلة ليدخل امن الخليج في اطار الهيمنة الامريكية. وقد استلم شاه ايران حينها مهمة امن المنطقة وفي هذه المنظومة الثانية اصبح امن الخليج ملحا في حقبة الحرب الباردة وكانت مهمته قطع الطريق على الاتحاد السوفييتي من الوصول الى المياه الدافئة. وجاءت الحقبة الثالثة بعد سقوط نظام الشاه ومنذ عام 1979 وايران تحاول من جديد ان تصبح جزءا من منظومة الامن ولكنها ابعدت بسبب خطابها العدائي للولايات المتحدة والانظمة المرتبطة بها.
لقد جربت الانظمة العربية المعنية بالامر استراتيجية الحرب مع ايران الثورة وبعد عقد كامل من الصراع الطاحن الذي ازهق الارواح على الجانبين وهدر الثروة النفطية وانهك شعبين خرجا من الصراع بالخسارة وليس الربح نجد ان امن الخليج اصبح على المحك للمرة الثانية او الثالثة. وبعد هدوء فترة التسعينيات الحذرة يعود التأزم الى المنطقة والذي فتح احتلال العراق عام 2003 صفحة جديدة في ملف امن الخليج تزداد تعقيدا وتشعبا يوما بعد يوم. على الجميع ان يقتنع ان امن منطقة ما هو شأن محلي بالدرجة الاولى ولا تضمنه قوة خارجية تعادي طرفا من الاطراف. لقد حان الوقت لقيادات المنطقة ان تفهم هذه الحقيقة البديهية.
من مصلحة الطرفين العربي والايراني ان يجتمعا على اولويات ثابتة اولها ان مصلحة الطرفين تكمن في استمرارية انفتاح شريان تصدير النفط فاقتصاد الطرفين ينهار ويتراجع بمجرد اي خلل او حادثة امنية ناهيك عن حرب طويلة ان هي حصلت. من مصلحة الجميع ان تبقى منافذ النفط وطرق نقله وآباره بعيدة عن أي تهديد داخلي او خارجي. ثانيا: استغلال التواصل الحضاري بين شقي الخليج لتثبيت دعائم تبادل اقتصادي هو اليوم حقيقة قائمة فرغم اختلاف الثقافة والمذهب واللغة الا ان التواصل كان ولا يزال قائما على الواقع. للعرب بعد بشري واضح في الضفة الايرانية للخليج تماما كما ان البعد الايراني متواجد وبكثافة على الضفة العربية. وكما ان هناك مجموعات بشرية تسكن ايران وهي ذات اصول عربية نجد ان الايرانيين قد هاجروا الى منطقة الخليج بل ابعد من ذلك حيث استقر بعضهم في الحجاز. ثالثا: لن يرتاح الخليج ويستقر امنه طالما ان ايران بقيت خارج منظومته الامنية فلايران زخم بشري عددي يفوق تعداده شعب الجزيرة العربية كله ولها موارد اقتصادية متنوعة اكثر من المنطقة العربية لذلك تفرض هذه البديهيات قناعات لا يمكن ان تنطلق من الحلول العسكرية او انتظار تغير النظام في ايران ذاتها لان اي نظام ايراني سيكون مركزا على امنه الاقتصادي مهما اختلفت ايديولوجيته وتوجهاته وثقافته.
ان كان لايران مشكلة حقيقية مع الولايات المتحدة والتي حتى هذه اللحظة تبدو وكأنها مشلولة التفكير في علاقتها مع ايران بسبب احتجاز الرهائن بعد الثورة الايرانية فلا يجب ان تتوارث المنطقة الخليجية هذا الهاجس والعقدة الامريكية ـ الايرانية. لقد استطاع العرب الانفتاح على تركيا وهي التي استعمرتهم طيلة قرون سابقة وعلقت المشانق في ساحات وميادين مدنهم لكنهم اليوم فتحوا ابوابهم لعدوهم السابق بل انهم اصبحوا يتلقون انتاجها الفكري والثقافي والاعلامي وبضائعها ومنتجاتها في اسواقهم ومنازلهم. وها هي تركيا اليوم تتأهب وتفتح ابوابها لاستثمارات عربية ومشاريع اقتصادية وسياحية كبيرة بعد ان تمركز فنانوها في قلوب الكثير من المولعين بمسلسلاتها التلفزيونية وليس من الصعب على منطقة الخليج ان تستوعب ايران النظام وهو يعاني من ازمة داخلية حقيقية وضائقة اقتصادية ستزداد سوءا تحت ضغط حصار اقتصادي جديد. وكلنا يعلم ما هي تبعات الضغط الاقتصادي ولنا عبرة في حالة المانيا بعد الحرب العالمية الاولى حيث فرض عليها المنتصر عقوبات صارمة كان من احدى نتائجها ظهور النازية وتمكينها في المجتمع الالماني مما ادى الى حرب ثانية طاحنة امتدت لاعوام ومساحات جغرافية بعيدة. لقد جربت القوة الكبرى الحصار الاقتصادي في السابق وقد فرض على العراق لاكثر من عقد وقد فشل هذا الحصار في اسقاط النظام رغم انه انهك المجتمع ولم ينجح الحصار الاقتصادي الا في حالة واحدة في العصر الحديث وهي حالة جنوب افريقيا حيث تم فرضه على الاقلية البيضاء التي فقدت اي دعم داخلي او خارجي ونجح حصار جنوب افريقيا لان هناك اجماعا عالميا تمثل في المحافل الدولية ضد سياسة التمييز العنصرية. اما في الحالة الايرانية نجد ان الاجماع العالمي لا يزال مفقودا ولم تتفق عليه حتى هذه اللحظة قوى عالمية ناشئة كالصين وروسيا والهند. ان اي زائر للعاصمة الهندية سيرى مدى الترابط الاقتصادي بين ايران والهند والتبادل التجاري القائم حاليا. مع هذه المعطيات على الارض يبدو لنا ان المنطقة الخليجية بحاجة الى منظومة امنية جديدة مبنية على مشاركة الجانب العربي والايراني بمعزل عن الولايات المتحدة من اجل هذا يجب على الطرفين عزل نفسيهما عن الامن الامريكي ومتطلباته والتفكير بأمن منطقتهم ومصالحهم المتبادلة والمشتركة بناء على اولويات اقتصادية بحتة مبتعدين بذلك عن متاهات الايديولوجية والتاريخ والطائفية. امن الخليج هو منظومة سياسية وليس عقدة طائفية او عرقية. ايران تتطلع لان تصبح جزءا من دول الرفاه النفطي وتنعم بانجازات الثروة النفطية التي تمتلكها وان هي ضمنت بعدا تجاريا باتجاه الشرق الآسيوي الا انها تتهافت على ان تصبح جزءا من المنظومة الاقتصادية الخليجية. وستستفيد منطقة الخليج ذاتها من حالة امن تسود المنطقة اذ انها تمتلك من معطيات الاقتصاد المعولم والبنية الاقتصادية والمعلوماتية التحتية ما يؤهلها لان تستقطب الخدمات الايرانية وسوقها الكبير وان تستثمر فائضها النقدي في العمق الايراني ذاته. لقد استطاع الاتحاد الاوروبي والسوق المشتركة ان يخلق فرصا جديدة ووحدة اقتصادية على خلفية تمزق سياسي وحروب طاحنة عرفتها المنطقة لقرون طويلة وتظل المنظومة الاوروبية منفتحة ومستعدة لاستيعاب اطراف جديدة تماما كما تم التحاق دول اوروبا الشرقية بدول السوق المشتركة بعد ان انهارت جدران التقسيم والفرقة السياسية. ورغم ان الفوارق والتناحر والاصطدام لا تختفي مطلقا الا ان الاوروبيين قد اوجدوا آلية تتعامل مع الاختلاف الثقافي والفكري والسياسي واللغوي فلماذا لا تتكرر مثل هذه التجارب والتي تفرضها معضلة امن الخليج بشكل واضح وصريح وخاصة ان البعض يطرب لسماع طبول الحرب ويرقص على انغامها. لقد انهكت معضلة امن الخليج ميزانية الدول وتكدست ترسانة الاسلحة وعقود استيرادها. واستغل الكثيرون ما يسمى بالخطر الخارجي لتمرير اكثر المخططات القمعية. وتحولت المجتمعات الى مجتمعات في حالة تأهب وانتظار لكن الخلاص لن يأتي من الخارج بل من الداخل على ضفتي الخليج. لقد حان الوقت لعقد مؤتمر اقليمي تجتمع تحت سقفه كل الاطراف المعنية بشكل مباشر في معضلة امن الخليج وبعيدا عن الوصاية الخارجية. يعلم العرب ان قنابل ايران النووية ان تطورت واكتملت لن تكون موجهة الى مكة وان الشريان الاقتصادي الايراني يمر عبر الخليج وان كان لايران مشكلة عالقة قديمة مع الولايات المتحدة فيجب عليها ان تحلها بمعزل عن علاقتها مع الضفة الخليجية العربية. وعلى العرب ان لا يتحولوا الى مطية لضرب ايران من قبل قوة خارجية. في النهاية يدفع العرب وايران ثمنا باهظا لصراعات هم بغنى عنها والاجدر بهم ان يلتفتوا الى تنمية مجتمعاتهم والتي تتزايد فيها البطالة والعجز الاقتصادي يوما بعد يوم وتمكين هذه المجتمعات سياسيا وثقافيا وتعليميا حتى تلتحق بركب الامم المستقرة وليس المتشنجة. على ايران تجاوز عقدة الاضطهاد وعلى العرب تخطي فوبيا ايران.
 
‘ كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
اقرأ أيضاً
- Advertisment -spot_img

أحدث الأخبار

منوعات