الرئيسيةأرشيف - غير مصنفأوباما والتغيير: وعود غير ناجزة!

أوباما والتغيير: وعود غير ناجزة!

جيمس زغبي

في إبريل الماضي أجرينا استطلاعا للرأي عبر العالم
العربي لمعرفة ما يرى العرب أنه أكثر القرارات إيجابيةً اتخذها أوباما في بداية
رئاسته سعياً لتحسين العلاقات الأميركية العربية… فجاء على رأس القائمة تعهدُه
بإغلاق سجن جوانتانامو وحظر التعذيب. لكن حقيقة أن هذا الموضوع اكتسى أهمية أكبر
بالنسبة للعرب من الموضوعات الأخرى التي حققها أوباما في اتجاه إحلال السلام في
الشرق الأوسط أو التقرب من العالم الإسلامي، ينبغي ألا تكون مفاجئة.

لقد بات لدى العرب تشكك وارتياب في قدرة الرؤساء
الأميركيين ورغبتهم في الوفاء بما يقطعونه على أنفسهم من وعود بتحقيق السلام
الإسرائيلي الفلسطيني، لكنهم مستعدون لتصديق أن الولايات المتحدة تستطيع تغيير
الاتجاه وتغيير سلوكها حول مسألة لا تتعلق بإسرائيل. فمواضيع التعذيب والاعتقال
الممدد للسجناء في جوانتانامو وسجون أخرى عبر العالم، كان يُنظر إليها كسياسة مقلقة
للغاية يستطيع الرؤساء الأميركيون تغييرها. وعلى مدى سنوات قبل الآن، اكتشفت
استطلاعاتُنا إلى أي مدى تُغضب معاملةُ أميركا للسجناء العرب والمسلمين الرأيَ
العام العربي. ومثلا، إذا كانت صور أبو غريب قد اختفت في الولايات المتحدة، فإنها
مازالت حاضرة في أذهان العرب. وبالتالي، فمن ناحية يمكن القول إن الأمر كله يبدو
شبيها بجريمة كراهية، وذلك على اعتبار أنه إذا كان من تعرضوا للمعاملة المسيئة
والمحِطة أفرادا، فإن تأثير ذلك والشعور بالإذلال كان سائداً عبر المنطقة
بكاملها.

- Advertisement -spot_img

 

ومما زاد الطين بلة أن جوانتانامو،
وسجون "المواقع السوداء" السرية التابعة لـ"سي آي إيه"، وعمليات "الترحيل
الاستثنائي"… لم تؤد إلا إلى مضاعفة هذا الشعور بالعار والإذلال، مما يُظهر نفاق
القوة وعجرفتها. فأميركا قد تدعي تحليها بقيم رفيعة والانتصار لحقوق الإنسان وحكم
القانون، لكن تصرفنا كان يقول للعرب إن "حقوق لإنسان" لا تنطبق عليهم، وإن "حكم
القانون" لا ينطبق علينا، عندما قررنا أننا فوق القانون.

 

وعلى هذه الخلفية، استُقبلت تعهدات أوباما بإغلاق
جوانتانامو وحظر التعذيب، بترحيب كبير ونُظر إليها كمؤشر على القطيعة مع سياسات
بوش. لذلك، فمن المثير للقلق ألا يكون جوانتانامو قد أُغلق، وأن تكون ممارسات مسيئة
أخرى مازالت مستمرة رغم مرور عام. وتضاف إلى خيبة الأمل هذه حقيقةُ أنه إذا كان
الضوء قد سُلط على معلومات جديدة بخصوص الاستعمال المرخص وواسع النطاق للتعذيب ضد
سجناء معتقلين في جوانتانامو و"مواقع سوداء" أميركية أخرى عبر العالم، فلا أحد من
المسؤولين عن ذلك خضع للمحاسبة بسبب تصرفه.

 

فأمام المعارضة الشرسة التي يواجهها من قبل الجمهوريين
وبعض أعضاء حزبه، استقر رأي الرئيس على مخطط يقوم على نقل جوانتانامو إلى موقع جديد
-سجن شديد الحراسة في ولاية إيلينوي- بدلا من إغلاقه. ومن أجل تسهيل هذه الخطوة
والاستمرار في اعتقال السجناء، تفيد بعض التقارير بأن البيت الأبيض يعمل حاليا مع
سيناتور جمهوري على صياغة تشريع يجيز "الاعتقال الممدد بدون توجيه التهم للمعتقلين
أو محاكمتهم"- وهي معاملة طالما استعملتها إسرائيل وانتقدتها الولاياتُ المتحدة
ومنظمات حقوق الإنسان باعتبارها خرقا للقانون الدولي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه
إذا لم تتم إضافة أي سجناء جدد إلى جوانتانامو خلال الآونة الأخيرة، فذلك لأن سجن
باجرام في أفغانستان بات يقوم مقام جوانتانامو حيث يتم نقل السجناء الذين يُعتقلون
في بلدان أخرى إليه من أجل استنطاقهم واعتقالهم.

والحق أن حظر التعذيب قد ترسخ، لكن خطايا الماضي
مازالت تطارد جهود إدارة أوباما. فثمة المشاكل المرتبطة بمحاكمة السجناء الذين
تعرضوا للتعذيب؛ حيث سيُنظر إلى الأدلة ضدهم والتي انتُزعت منهم في الاستنطاقات،
باعتبارها أدلة معيبة وغير مقبولة قانونيا، إضافة إلى إمكانية أن تؤدي المحاكمات
إلى إلقاء الضوء على تقنيات التعذيب المستعمَلة.

وعندما أفرج وزير العدل إيريك هولدر عن "مذكرات
التعذيب" التي كتبها محامو إدارة بوش لإيجاد "تبرير قانوني" لقائمة من "تقنيات
الاستنطاق المطوَّرة" البشعة، لم يتوان الجمهوريون، وفي مقدمتهم نائب الرئيس
السابق، عن شن هجوم شرس على إدارة أوباما. وحرصا منه على ألا يصرف هذا النقاش عن
أجندته التشريعية الأوسع، تراجع الرئيس قائلاً إنه يريد "النظر إلى الأمام، وليس
إلى الخلف"، مشيراً إلى أنه ستكون ثمة شفافية، لكن بدون محاسبة المسؤولين عن
الجرائم التي ارتُكبت سابقاً. والحال أن ذلك لم يؤد إلا إلى تقوية الجمهوريين، حيث
اعترف نائب الرئيس السابق مفتخراً بأنه أيد استعمال تقنية "الإيهام بالغرق" ضد
السجناء.

وفي هذه الأثناء، مازال المزيد من المعلومات حول
التعذيب وحالات أخرى من سوء معاملة السجناء في جوانتانامو وباجرام و"المواقع
السوداء" يظهر في الصحف والمجلات الأميركية، مما يصعب على أوباما القول بأن الموضوع
قد "طُوي وأُغلق".

ويبدو أن هذه المشاكل العويصة التي ورثها أوباما ليست
أقل صعوبة من تركات أخرى تعود إلى عهد بوش: حربان متواصلتان، وعملية سلام متجمدة،
واقتصاد متعثر، وعدد من التحديات الداخلية الأخرى. وعندما تضاف البئر المسمومة التي
أفرزها الانقسام الحزبي إلى الصورة القاتمة، فإن الطريق إلى الأمام تبدو شاقة
ووعرة. لذلك، فلئن كانت الإشادة بنوايا الرئيس الحسنة واجبة، فقد بات من الواضح
الآن أن إصلاح أضرار السنوات الثماني الماضية يتطلب أكثر مما هو متوفر
حالياً.

اقرأ أيضاً
- Advertisment -spot_img

أحدث الأخبار

منوعات