الرئيسيةأرشيف - غير مصنفعبد الرحمن يوسف القرضاوي يخرج من جلباب أبيه!

عبد الرحمن يوسف القرضاوي يخرج من جلباب أبيه!

مهما حاول حذف اسم عائلته، فإنه سيظل في نظر الجميع ابن الشيخ يوسف القرضاوي أكبر علماء الأمة وواحد من أهم المجددين في العصر الحالي.  إنه الشاعر الجامح عبد الرحمن يوسف الذي لايتفق مع أبيه إلا في معارضة النظام المصري، وتأييد قوى المقاومة، ولكن يختلف معه في الحدة، فالأب تلجمه حكمة رجال الدين، وخبرات السنين حتى لو اندفع في آرائه السياسية بدافع الخوف على الأمة والحرص على مصالحها.
 
       أما الابن فقد ورث جرأة أبيه مضاعفة، كما ورث موهبته الشعرية التي توارت عند الأب وراء الفقه، أما عبد الرحمن يوسف فموهبته برزت بعد أن تخلت عن وقار الدين، وإن كان الاندفاع يجعلها مباشرة أكثر مما يحتمل الشعر، حتى لو أعجب الساسة المعارضون بحدتها.
 
فرض عبد الرحمن يوسف المولود في عام 1970 نفسه على الساحة السياسية والثقافية المصرية، ساعدته شهرة والده بالتأكيد؛ اختصرت له زمنا وجهدا كبيرا مقارنة بأقرانه، ولكنه بالتأكيد حقق جزءا كبيرا من هذه الشهرة نتيجة شخصيته الفذة في جرأتها إلى درجة الجموح، وموهبته التي أجبرت الجميع على الاستماع إليه حتى لو انتقدوه.
 
يتعامل عبد الرحمن مع أبيه كعبء عليه، فهو كشاب عصامي لا يريد أن يعيش في جلباب أبيه، يريد أن يكون نجاحه محصلة خام لجهده وشخصيته، ولذلك احتد بشدة على مقدم برنامج" مانشيت" في قناة " أون تي" جابر القرموطي عندما تطرق لهذا الأمر، فطبائع الأمور تجعل الأب حاضرا في حياته مهما حاول الابتعاد عن تاريخه الذي يضيف إليه ولا ينقص منه شيئا، كما أن من حق الإعلام والجمهور تناول الأمور الخاصة للشخصية العامة مادام الأمر ليس فيه إساءة أو تجريح، وعبد الرحمن أصبح شخصية عامة، وهو من اختار ذلك.
 
وإذا كان يرفض أن يذكر أحد أنه ابن الشيخ يوسف القرضاوي باعتباره مسألة شخصية، فإنه تناول هنا رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف على زواجه بطريقة تحمل قدرا من التهكم، وهو أمر أكثر خصوصية.
 
       الابن في حقيقة الأمر هو العبء على الأب وليس العكس، فمهما كانت أخطاء الأب وتحالفاته، فإن رصيده المعنوي الهائل، وفر لعبد الرحمن ثقلا وشهرة بل وحماية من بطش الخصوم، أما الابن الذي مازال فتيا فكل تصرف يقوم به يحسب على والده، بدءا من ابتعاده عن الحركات الإسلامية واقترابه من اليسار القومي، فالعالم الذي يدعو للحل الإسلامي في كتب هي الأكثر تأصيلا, أخفق في إقناع الابن بجدوى هذا الحل، كما أن أي تصرف من قبل الشاعر الشاب الذي يهوي الجيتار يحاسب عليه من منظور ديني مهما نأى بنفسه عن التوجه الإسلامي.
 
فعندما بالغ عبد الرحمن في امتداح الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في إحدى قصائده، اتهمته المنديات السلفية بالتشيع، وهو ابن أحد رموز المذهب السني، ورئيس اتحاد علماء المسلمين، ووالده من دعاة الحوار والتعايش بين السنة والشيعة، ومثلت هذه الشائعة طعنة نجلاء في ظهر العالم الكبير، وقد تكون هي أحد دوافعه في الهجوم على الشيعة واتهامهم بنشر التشيع في الدول العربية، مما أثار أزمة بين القرضاوي والشيعة بل بينه وبين أقرب حوارييه مثل محمد سليم العوا، وفهمي هويدي.
 
آخر مغامرات القرضاوي الابن توليه منصب المقرر العام للحملة الشعبية لترشيح محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبذلك دخل عبد الرحمن يوسف مرحلة المعارضة الراديكالية التي تمثل ذروة الصدام مع النظام المصري، وهو ما قد يحدث رد فعل من قبل الدولة المصرية، الأمر الذي قد يدخل القرضاوي في مزيد من الخلاف مع مصر قد تتدخل فيه دولة قطر ليضاف إلى الملفات الشائكة بين البلدين.
 
ترؤس عبد الرحمن لحملة ترشيح البرادعي نابع من أمور كثيرة منها اليأس من الأوضاع الحالية، ولكن الأهم أن هناك افتتانا مصريا وعربيا بالدبلوماسيين، ويسود افتراض أن رجل الدولة النموذجي هو الدبلوماسي بلباقته وأناقته، والواقع أن الدبلوماسي يمارس جزءا صغيرا جدا من مهام رجل دولة، هو التفاوض والحديث، والوصول غالبا لحلول وسط.
 
       فالدبلوماسي ليس عادة رجل إصلاح لأنه تعود على البحث عن وسائل لتسكين للأزمات، وليس البحث عن الحلول الجذرية للمشكلات، كما أن الدبلوماسيين دائما، خاصة هؤلاء العاملين في المنظمات الدولية، أكفاء في التعامل مع الرؤساء ووزراء الخارجية وممثلي الدول الكبرى والصغرى على السواء، حيث يكونون في موقف الأضعف في مواجهتهم، وهو ما يضمن لمصر أن يتعامل البرادعي- إذا أصبح رئيسا- بمهارة مع القوى العظمى والإقليمية بخبرته الدبلوماسية، ولكن الرئيس هو قائد للدولة يتعامل أيضا مع آلاف المرؤوسين الذين قد ينافقونه، وعليه أن يختار من بينهم الأصلح، ويقودهم للعمل، ويكون صارما مع المخطئ وهي مهمة أصعب كثيرا مما تبدو، فالدبلوماسي الكفء قد يكون ماهرا في التعامل مع الأعلى مرتبة، ولكنه فاشل في التعامل مع الأدنى، وبينما قد ينجح الدبلوماسي في إقناع الزعيم المهاب باقتراحه لحل أزمة دولية، ولكن مرؤوسه قد يخدعه في نقل المعلومات الحقيقة له، وتنفيذ قراراته.
 
المفارقة الأكبر تظهر في الفجوة بين البرادعي وبين القوى المعارضة المصرية التي تميل لتأييده، فأغلب القوى المعارضة المصرية ومنها عبد الرحمن يوسف ذات توجهات يسارية قومية وإسلامية، بينما البرادعي يبدو ليبراليا معتدلا، وإذا كانوا يتفقون معه في قضايا مثل الديمقراطية والحرية والفصل بين السلطات، فإن نقاط الخلاف كثيرة، ولا تقل عن الخلاف بينهم وبين النظام، فهي تبدأ من العلاقة مع إسرائيل التي زارها البرادعي وهو مدير للوكالة الذرية، مرورا بالعلاقة مع الغرب، وصولا لقضايا، مثل إلغاء الدعم، ومجانية التعليم، والخصخصة، كما يثار تساؤل: ما هو موقف الإسلاميين ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي من رؤى البرادعي الليبرالية في مجال العلاقة بين الدين والدولة، وتلميحه إلى ضرورة إلغاء المادة الثانية من الدستور المصري التي تجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع وإطلاق الحريات الدينية بما فيها أقلية مثل البهائيين.
 
       وهي نقاط خلاف تظهر لدى كل النجوم المصرية القادمة من الغرب بليبراليته، وبين نخب المعارضة المصرية التي لم تتطور أيدولوجيتها كثيرا، نتيجة جمودها الفكري من ناحية، والركود السياسي والفكري الذي تعاني منه مصر والدول العربية جميعها، مما جعل نفس الشعارات مطروحة من 58 عاما دون محاولة لاختبار مدى فاعليتها، لأن من طرحوها لم يخرجوا من شرفة المعارضة إلى شارع الحكم حتى ولو في المجالس المحلية.
 
       يرد عبد الرحمن يوسف بشكل مباشر على هذه التساؤلات بأن البرادعي مرشح توافقي ومرحلي، وهذا يعفيه وهو أنصاره من الخوض في هذه القضايا الخلافية، ولكن حجم هذه القضايا وتعددها يجعل هذا افتراضا غير واقعي، ويجعل الرئيس المرحلي المقترح مغلول اليد لأنه لن ينفذ سوى الإصلاحات المجمع عليها، وهو أمر صعب للغاية.
 
الفجوة بين البرادعي وبين مؤيديه، وعلى رأسهم عبد الرحمن يوسف، لاتظهر فقط في الأيديولوجيا، بل في المنهج نفسه، فبينما يخوض البرادعي معركته السياسية الداخلية، بنفس طريقة الدبلوماسي الهادئة، فإن المعارضين المصريين الملتفين حوله، ورغم اعتصامهم الكامل بسلمية نضالهم، فإنهم يميلون للتصعيد والمواجهة، ولذلك لم يكن غريبا أن يقول عبد الرحمن يوسف قبل وصول البرادعي إن نجاح الأخير في تغيير الدستور يتطلب معركة من أجل تحقيق هذا الهدف، وهو لفظ لم يذكره البرادعي على الإطلاق في كل أحاديثه.
 
في كل الأحوال، فإن البحث المصري المستعر عن زعيم، يعبر عن أزمة حقيقية في المجتمع المصري، سببها الجمود الذي تعاني منه الساحة السياسية المصرية، فلن يطور مصر شخصية عظيمة يلتف حولها نشطاء تعرف عليهم الزعيم الجديد في المطار أو عبر الإنترنت، بل يطورها ظهور أحزاب سياسية تنبثق من الطبقات والقوى الاجتماعية الحية، تخوض غمار السياسة أولا في المستويات الدنيا بدءا من النقابات والمجالس المحلية للقرى والمدن، وتمارس السياسة الحقيقة وهي ليست النضال فقط على سلالم نقابة الصحفيين أو صفحات الفيس بوك، بل تمارس السياسة من خلال حل مشكلات الجماهير البسيطة فتتعلم منها كيفية حل مشاكل الوطن الكبيرة، والتجربة الواضحة لذلك هي حزب العدالة والتنمية في تركيا، الذي تعلم فن السياسة في بلدية أسطنبول قبل أن يمارسها في العاصمة أنقرة وفي منتديات دافوس.
حسن فتحي القشاوي (السياسي)
اقرأ أيضاً
- Advertisment -spot_img

أحدث الأخبار

منوعات