انقلاب النيجر رسالة لمن؟

سيدي محمد بن جعفر

عرفت النيجر أول محاولة انقلاب فاشلة في 3/4/1965 تلاه انقلاب بقيادة العقيد/ سينو كونتي في 15/4/1974 انهي به 14 سنة من حكم الرئيس حماني جوري لينجو بدوره من محاولتين فاشلتين في 15/ مارس 1976 و 16/10/1983 وظل كونتي رجل النيجر القوي حتى عام 1987 تاريخ وفاته.

 

مع مطالع تسعينيات القرن الماضي نحت الغرب لشعوبنا وهما طالما تغني الطيبون منا به أسموه "الديمقراطية" مكفرين به عن ما لحق بقارتنا بأيد من نصبوهم قيمين علينا ،اختلفت رقصاتنا على أنغام تلك السيمفونية المجيدة، ثأر الكثير منا من التاريخ الذي ظلمه أو ظلم قوميته، فغمرت الدماء كل الحقول ولم تنج كثبان صحراء إفريقيا الكبرى، فانتشر الرعب بين الحكام والمحكومين،  واهتزت عروش كل الجلادين ، كل قياصرة القارة السمر
ارتعدت فرائصهم، وحده شمال إفريقيا الأبيض العصي على سنة التغيير ظل فراعنته جاثمون على كواهل مواطنيهم ، وظلت سياطهم تدمي ظهور الرافضين ،دخلت منظمات حقوق الإنسان الأبيض على الخط فترة وجيزة قدر ما تصفي الحكومات البيضاء حساباتها مع المارقين السابقين ، وتحدد للقادمين مصالحها وطريقة تلبيتها، قدمت تلك المنظمات عونا شحيحا ودروسا سطحية من اجل  تأقلم نخب إفريقيا التي برهنت التجربة على أنهم في الغالب نخب متخلفين جدا ، لم يستطيعوا استيعاب الدرس ولا فهم المتاح من الوهم (الديمقراطية) الذي يروج له علنا ولا يراد له
النجاح سرا بدأ حلمنا الإفريقي ينحصر وعاد أصحاب النياشين إلى الواجهة ، أنجزت موريتانيا معجزة انتخابية سنة 2008 عجز عنها كل البيض في القارة ، وما إن اقتربت من تفنيد نبوءة حسنين هيكل (قال إن الجيش لن يترك الحكم) حتى امتشق جنرالاتها صهوات دباباتهم فأيقظت سنابكها موريتانيا من الحلم ، فهبت فرنسا التي تدرك أنها لم تعد شيئا مذكورا في عالم اليوم ،عادت لاستعراض عضلاتها وكأنها فاعل على المسرح الدولي وخلطت جميع الأوراق في المنطقة وعدنا إلى نقطة البداية.

 

 كانت النيجر كغيرها من دول القارة على أبواب المرحلة الجديدة  التي أريدت لها فدخلت بوابات الديمقراطية "بالطريق العسكرية" مقاسات خاصة ، ورتوش معينة تُطلي بتزكية من حكام الضفة اليمني للمتوسط الأوصياء الفعلين على من يحكم قارتنا ، كان العقيد ابراهيما مينسارى  على موعد مع الدبابات فأقلته إلى سدة حكم بلاد العبث في قارة العبث عام 1996 ليخر مدرجا في دمائه عام 1999
بالطريقة الإفريقية للتناوب على الحكم، فسح  ذلك المنطق الطريق أمام  ممدو تنجا في انتخابات نوفمبر 1999 لينقلب بدوره على الدستور الذي مكنه من الفوز بمأموريتين لم يحقق خلالهما ما يجعل الشعب النيجيري  "يفديه بالدم" مثل الشعوب العربية مع زعمائها الفاشلين ،اقتحمت الدبابات ضحى وعلى مرآي من كل من يهمه الأمر قصر الخلد في عاصمة البائسين نيامي ، معلنين أن الأمر ليس سرا، وظهر شباب بين الثلاثينيات والعشرينيات على شاشات التلفزة وبنبرة معبرة عن الثقة أعلنوا على الملء وضع
حد لسلطات الرئيس تنجا ومؤسساته الدستورية، التي لم يحترمها هو نفسه، مسلمين قيادة البلاد للعقيد جبريل حاميدو حيما ، وبنفس الوقاحة المعهودة دعت باريس مواطنيها لتوخي الحذر،!!أما العم سام المحكوم من طرف بن مهاجر من هذه القارة فقد اكتفي بالدعوة إلى انتخابات حرة -إذا اعتراف ضمني من الكبار-بادر نادي الضعفاء (الاتحاد الإفريقي ) إلى تعليق عضوية النيجر وهو تقليد درج عليه منذ أن غير اسمه ومضمونه.

 

 

 

عودة الانقلابات؟

 

في السادس من أغسطس 2008 انقلب الموريتانيون على رئيسهم وفي23 نوفمبر حاول البيساويون انقلابا دمويا وفي 23 ديسمبر من نفس العالم انقلب الغينيون على جنازة رئيسهم وفي الثاني من مارس 2009 عاد البيساويون للعنف السياسي فقتلوا رئيسهم ،وفي نفس الشهر انقلب المدغشقريون على رئيسهم.

 

بين أغسطس 2008- وفبراير 2010 عرفت القارة انقلابا في موريتانيا وبيساو وغينيا ومدغشقر والنيجر، ناهيك عن الانقلابات على الدساتير وصناديق الاقتراع في أكثر من بلد، ووسط صمت من العالم الحر! هل في الأمر سر؟ هل أدرك الغرب أن العسكريين أدرى بمصالحه وأقدر على حمايتها  من المدنيين؟ هل أدركوا أن العنف السياسي هو وسيلة من وسائل التنمية؟ كيف يقبل أوباما الذي منحته الديمقراطية أن يكون سيد العالم أن يحرم بني قومه من هذه
المكرمة ؟ لم لا يعطي الأوامر للمدمرة أيزنهاور العائمة فوق سطح المحيطات بتوجيه صواريخ كروز ولو لمرة واحدة من اجل الديمقراطية حتى ولو كان ممدو تنجا خان دستور بلاده، قد نفهم الصمت عن موغابي الذي يتقاسم مع مندلا الشموخ والصمود في السجون العنصرية، ولأن موضوعه حساس بالنسبة لنا كأفارقة لأنه يتعلق بالفصل العنصري بطريقة (سالزبوري) المقيتة التي عرفتها بلاده  لكن لا نفهم أن يقبل بن القارة بأن تظل قارتنا  لعبة في أيد الجلادين والمستعمرين من أمثال سركوزي وبراون وهو يتربع على عرش إمبراطورية
العالم.

 

لاشك أن الانقلابات نذير شؤم وعائق للتنمية ودعامة للتخلف ومشجعة على الهجرة والحروب الأهلية وهي أمور مرفوضة ومدانة حتى ولو كان المنقلب عليه غير ديمقراطي مثل تانجا إن  المتابع لشأن منطقتها في هذه الفترة الأخيرة يخرج باستنتاج مفاده أن كل الأمور تسير في الاتجاه الكارثي ، ففي ساحل العاج نذر انقلاب أو عودة إلى مربع  الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب بسبب تراجع الأستاذ الجامعي!! الرئيس
لوران باغببو عن شروط المصالحة، وغينيا تمر بمخاط عسير من الصعب أن تنجو منها، وموريتانيا مرتبكة إلى درجة الشلل.

 

ترى هل الكبار تخلو عن كل الوعود بعد الأزمة المالية وتركونا وشأننا؟ هل هذه هي الرسالة التي ينبغي على نخب إفريقيا معرفتها؟ انقلاب النيجر مر بسلام وآخرون في الطريق قد نستيقظ يوما ما على انقلاب يشمل المنطقة كلها.
 

Exit mobile version