أرشيف - غير مصنف

الجزائر وفرنسا.. حب مجنون ظاهره مر وباطنه عسل

كشفت فرنسا عن نواياها إزاء الجزائر بصفة علانية و مباشرة خلال الرحلة الطبية للرئيس الجزائري ذات يوم الى باريس، من خلال الحملة الإعلامية الكبيرة التي شنتها الصحف اليمينية الفرنسية ضده، معتبرة وجوده على التراب الفرنسي غير مرغوب فيه، في واحدة من ردود أفعال باريس على الجزائر التي تصر على ضرورة اعتراف فرنسا بما ارتكبته من همجية إبان الاحتلال الذي دام أكثر من 130 سنة، كحق من حقوق الجزائريين، و قد تحول الغضب إلى حملة مضادة أيضا ضد فرنسا، و إن اعتبر العديد من الملاحظين الأمر أشبه بلعبة القط و الفأر بين الجزائر و باريس، إلا أن التناقض ظل سيد الموقف، لا لشيء سوى لأن الحملة التي شنتها الجزائر كانت تفتقد لمبادرات حقيقية .

ما يثير الاستغراب في تعاطي الايليزي مع الاحتلال هو نظرة الرسميين الفرنسيين إلى الحقبة الكلونيالية، خاصة مع صدور قانون يلزم النظام المدرسي على غرس في نفوس التلاميذ الفرنسيين قناعة مفادها أن الوجود الفرنسي في مختلف بقاع العالم، إيجابيا و إنسانيا، و أن الاحتلال الفرنسي للعديد من الدول شمال الإفريقية يجب أن يوضع في خانة " الإنساني و الايجابي"،   و قد صادق عليه البرلمان الفرنسي و بشكل قاطع، و تحولت النظرة الكلونيالية الاحتلالية إلى سياق "حضاري" في مخيلة الفرنسيين الذين دافعوا عن تلك المادة و اعتبروها واجبا وطنيا.
 
إن فرنسا التي تمجد الاستعمار تحت سقف " المسئولية السياسية "، والحق الحضاري في التعامل مع الحقب التاريخية، هي ذاتها فرنسا التي رفضت الاعتراف بجرائمها في الجزائر، بكل الجرائم التي خلفت الملايين من القتلى أيضا. ربما لأن الفرنسيين أنفسهم رفضوا مجرد تذكر تواريخ المجازر المرتكبة باسم الحضارة كالثامن ماي 1945 الذي سجل في جبين فرنسا أكثر من 48 ألف قتيل من الأطفال و من النساء.
 
من جهة أخرى، يتحدث المؤرخون عن سر تفجير فرنسا لقضية الأرمن مقابل رفضها الاعتراف و التعويض عن جرائمها ضد شعوب مستعمراتها السابقة، و راحت بالعكس تمجد الحقبة الاستعمارية، موضحين أن فرنسا و بموجب مادة برلمانية رسمية أعلنت أن الأتراك أبادوا ملايين الأرمن إبان العشرينيات من القرن الماضي و بأخرى مجدت استعمارها للجزائر و مختلف الدول، و قالوا" أن فرنسا المتباكية على الأرمن تحاول نسيان مجازرها الرهيبة المرتكبة في العديد من الدول إبان حقب الاحتلال الكلونيالي" كاشفين عن أسباب تهرب فرنسا من كل مطالب الاعتراف و التعويض،" من الصعب طي الصفحة من دون مساءلة و البحث عن الحقيقة". مضيفين أن فرنسا بتمجيدها لجرائمها دونما حياء واستمرارها في جرح مشاعر الجزائريين،بإعادة الاعتبار للخونة والحركي و تمجيد سنوات استعمارها، تريد إيصال رسالة سياسية واضحة المعالم للسلطات الجزائرية باطنها يقول أن فرنسا الأمس هي فرنسا اليوم، و ظاهرها صداقة مستدامة بين الشعبين.
و يقسم الباحثون المهتمون بملف العلاقات الجزائرية الفرنسية، السياسة الفرنسية إلى قسمين،الأول رسمي يندرج ضمن ما يقدم باسم الايليزي، و الثاني غير رسمي يقوده غير السياسيين بصفة رسمية، و تصب عامة في اتجاه واحد يخدم مصالح فرنسا، داعين السلطات الجزائرية الى التعاطي الجيد و الصارم مع تحرشات النظام الرسمي الفرنسي، لدفعه الى الاعتراف بجرائمه،و الاعتذار و تقديم الفاتورة الرسمية، كما قدمتها سنة 1984 أمام القرية السويسرية.

زر الذهاب إلى الأعلى