أرشيف - غير مصنف

العجز العربي و إرهاصات الانتفاضة الثالثة !!

أ / محمد خليل مصلح

من المؤكد أن حكومة اليمين الإسرائيلي التي يقودها نتنياهو تفرض علينا الآن معركة أخرى – وان كانت على جبهة واحدة – تتعلق بالمقدسات الدينية تتجاوز موضوع القدس الشريف ؛ وهذا  في إطار إستراتيجية المؤسسة السياسية والأمنية ؛ تشتت فيها جهود القوى الإقليمية والدولية  وتربك الموقف والرؤية الفلسطينية ؛ يثقل العبء على فريق المفاوضات ، المؤسسة السياسية العبرية تطبق سياسة الهرب إلى الأمام على عادتها ؛ بحرف الأنظار من التركيز على ملف القدس وتهويد المدينة وملف الاستيطان ، بفتح حرب القرارات السياسية الدينية على ضم الأماكن المقدسة في معركة ذات أبعاد إستراتيجية تغير الحقائق فيها والواقع معركة التهويد حرب إستباقية تفرضها علينا .
إستراتيجية العدو الصهيوني مبنية  لتكون هي صاحبة المبادرة والإمساك بزمام المبادرات ، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري ؛ وذلك  لإدراكها أن هذه الإستراتيجية  تعمل في مصلحتها ، و لتحول دون فرض حلول أو مبادرات سياسية لحل الصراع ؛ لا تلبي احتياجاتها السياسية والأمنية وقبل ذلك الدينية .
لاشك أن المؤسسة السياسية في الدولة العبرية نجحت في اغلب الأحيان بالالتفاف على المبادرات؛ بإفراغ محتواها؛ بإغراقها بالملاحظات والاعتراضات و الهروب إلى الإمام؛ بطرح رؤية أخرى تعيدنا إلى النقطة التي بدئنا منها.
العجز العربي تعكسه المواقف الهزيلة السياسية من القرارات الخطيرة التي تحسم فيها القضايا والملفات المرحّلة للتفاوض عليها مثل القدس والأماكن المقدسة الأخرى) ؛ فالموقف العربي في أحط درجاته بل أسوء أوقاته ؛ الاستنكار الخجول لا يرتقى لخطورة الموقف وأبعاده ، الدولة العبرية ترسل رسالة لكل الأطراف أن إسرائيل لن تستسلم للضغوط لتغيير موقفها ، ولا حتى على أساس حسن النوايا ؛ لجر جماعة عباس والنظام العربي للعودة إلى طاولة المفاوضات ،  إسرائيل لا ترغب بالمفاوضات لأنها غير مستعدة للسلام ولا لتقديم تنازلات سياسية للفلسطينيين ؛ الدبلوماسية الإسرائيلية في نفس الوقت لا تستسلم بعد فشل خطتها اثر زيارة نتنياهو لموسكو في الملف النووي الإيراني ، وفشل وزيرة الخارجية بتغيير الموقف الصيني ؛ بفرض عقوبات اقتصادية شديدة على إيران لوقف تخصيب اليورانيوم ، إسرائيل تعالج أزماتها بافتعال أزمات اشد خطورة لتجاوز تلك ألازمات التي تفتعلها لتحقيق أهداف مرحلية كاغتيال المبحوح وقبله مغنية ، وسوف تسوق استراتيجيه الاغتيال تلك ؛ على أنها تخدم مسار المفاوضات وتذلل العقبات أمام فريق المفاوضات الفلسطيني في عملية خداع  لكل الأطراف .
الدولة العبرية تعبرن المعركة بمعنى آخر تفرض علينا طبيعة المعركة تضعها في إطارها العقائدي دون تحسس لرد فعل الشركاء جميعا ؛ و تجد في نهاية المطاف تناغم ومظلة سياسية من الشريك الاستراتيجي الولايات المتحدة ؛ بتطبيع موقف جميع الأطراف لقبول الرؤية الإسرائيلية ، والضغط على الطرف الفلسطيني لتقبل هذا التعريف السياسي العبري لحل الصراع .
الموقف الفلسطيني والثوابت الوطنية  تتآكل تدريجيا تحت ضغط عوامل الزمن و المناورات السياسية وسياسة فرض الأمر الواقع " النهج الاستعماري" في تغيير الواقع والقبول بالمتغيرات الجيو سياسية والرؤية الاستعمارية .
الموقف الفلسطيني لم يتغير ما زال يسير في الإطار السياسي المبني على إمكانية الحل عبر المفاوضات والتمني بتغير الموقف الأوروبي أو كسب العطف الأمريكي ؛ دون تغير أو تطور في الموقف الفلسطيني والعربي وطنيا – إستراتجية الاستجداء – خلل عميق يكمن في الرؤية العاجزة  للأطراف الشريكة في مسار المفاوضات ؛ برغم الإقرار بفشلها بعد ثمانية عشر عاما ؛ إلا أن آلياتنا وخطابنا السياسي استجدائي  وطرحنا ما زال على ما هو لم يخضع للتقييم ، وتجديده باستيعاب المستجدات السياسية اليمينية داخل الدولة العبرية والمتغيرات التي أحدثتها حكومة اليمين الإسرائيلي نحن نقاتل بأدواتنا السياسية البالية لم نحدثها بل نصر على إستراتيجية المفاوضات دون اعتبار للموقف الإسرائيلي المتصلب بل المتجه نحو اليمين واليمين أكثر من أي يوم مضي على قيام الدولة العبرية على ارض فلسطين .     
الجمود السياسي والفشل يولد الخوف من الانفجار وتجدد انتفاضة بل ثورة ، والتحسب من امتداده إقليميا في إطار تحرك شعبي مسلح  يخيم شبحه على المنطقة ، وينبأ بفشل كل المحاولات الخبيثة التي حاولت أن توظف حالة الانقسام لصالح طرف على حساب المقاومة بحرف البوصلة عن الاتجاه الصحيح في المواجهة وتحديد الأولويات وتشخيص العدو في هذه المرحلة ، لذلك جماعة المفاوضات تتخوف من خروج الوضع عن السيطرة حيث ظواهر الانفلات بدأت تنعكس على الرأي العام في الضفة الغربية وعموم الأراضي المحتلة .
الإقرار بخطورة القرار الإسرائيلي ؛ من المؤسسة الفلسطينية سلام فياض ، مصيره كمصير الإقرار بفشل المفاوضات ما زلنا نؤمن بالمفاوضات ، رؤية عبثية وفلسفة عقيمة تعكس درجة العجز السياسي للطرف العربي والفلسطيني ،  جماعة عباس ترتكب خطأ استراتيجيا قاتلا برهنها الموقف الفلسطيني من العودة إلى المفاوضات بالموقف العربي بالدول الخاضعة للهيمنة الأمريكية ومصالحها في المنطقة وبالضمانات الأمريكية .
التحرك المرتقب في الضفة نار تحت الرماد سيفاجأ الجميع لن ننتظره كثيرا ؛ ثورة ستنقلب على بقايا الثورة التي تعفنت ؛ وستقلب الوضع رأسا على عقب .
المعركة المتوقعة في الشمال والجنوب ستتعانق في خطة واحدة ،  تعكس الاستفادة من التجربة السابقة للمعركة التي خاضتها المقاومة في لبنان وغزة ، هذا الهاجس يقلق المؤسسة السياسية والأمنية ؛ الخوف من التقدير السيئ للمتغيرات والنتائج ،  المؤسسة السياسية تتخوف من الخيارات الأحادية ، العودة إلى الاحتلال الكامل جغرافيا لغزة ، والعودة إلى جنوب لبنان وإعادة جيش عميل في الشمال والجنوب أو إقرار خطة الانسحاب الأحادي من الضفة وهذا لن ينهي الصراع بل سيضاعف الخطر الأمني ، وسينكشف ظهر الحليف السياسي عباس – فياض  ما يعني انهيار الوضع السياسي وهذا ما يقلق المؤسسة السياسية والأمنية للكيان الصهيوني .
نتنياهو يجند كل الأطياف السياسية الحزبية لخطته ، ولقد نجح في ذلك ؛ جند اليسار والوسط العلماني الإسرائيلي ؛ غيب صوت المعارضة بل شل نشاطها السياسي ، حالة من الإرباك يصيب رئيسة المعارضة تسيفي لفني ، و المشهد الآخر العربي  ما زال غير قادر على الخروج من أزمته وعجزه ؛ فشل ملف المصالحة فالموقف العربي لا يساعد الأطراف للخروج من الأزمة ، لغة الضغط تمارس لفرض مصالحة تستوعب شروط الرباعية وإسقاط المقاومة والتطبيع  والتهويد !!
الطرف القوي هو الذي يحدد هوية الصراع !!  هل الدولة العبرية بهذه القوة حتى تحدد لنا هوية الصراع وطبيعته، وهل نحن بهذا العجز لنهرب من ذلك ؟ .
 

زر الذهاب إلى الأعلى