أرشيف - غير مصنف
الإسلاميون السعوديون والشيعة.. تعايش أم مواطنة؟
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مفهوم التعايش الطائفي في السعودية، يأتي هذا بعد مقالة للداعية السعودي المعروف عائض القرني، دعا فيها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إلى العمل على "صياغة ميثاق للتعايش الطائفي" بين المسلمين، يصوغه علماء ومفكرون من مختلف طوائف الإسلام، وينص على منع التعرض للرموز الدينية بالسب والشتم، بداية من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ونهاية برموز من السنة والشيعة وغيرهم من الطوائف.
طالع أيضا:
ميثاق التعايش الطائفي
"إسلام أون لاين.نت" حاولت تسليط الضوء على هذه القضية واستطلاع آراء النخب السعودية من مفكرين وعلماء محسوبين على التيار السني والشيعي، خاصة في ظل ما يشاع من أن آراء ومواقف الإسلاميين هي واحدة من الأسباب الرئيسية التي تقف وراء ملف التأزيم الطائفي، حيث تباينت آراؤهم بين مؤيد ومعارض لهذا الميثاق.
مواثيق متعددة
حول التعايش المجتمعي وضرورته يشير الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، المفكر والداعية الإسلامي السعودي، إلى أن مفهوم التعايش الطائفي أمر مطلوب، وهو الحل العملي الحقيقي والبديل عن مفهوم التقارب الطائفي والذي هو مفهوم خيالي، ولفت الغامدي إلى أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، لكن لابد من مراعاة حق الأغلبية، فلا تكون مطالب الأقلية مساوية لمثل حق الأكثرية، مشيرا إلى أن الأقليات أحيانًا تطالب بشيء أكثر من حقها وحجمها وتستقوي بقوى أخرى، فيكون هذا سببا لتأزّم الأمور.
ورأى الغامدي أن النظام الأساسي في الحكم في السعودية فيه ما يكفي لسد هذا المطلب للتعايش، وإعطاء المواطنين جميع الحقوق بغض النظر عن توجهاتهم الخاصة، مؤكدًا أننا لسنا بحاجة إلى صياغة ميثاق خاص للتعايش الطائفي.وشدد الغامدي على أن الميثاق إذا كان سيصدر من أجل فئة الشيعة، فستطالب الإسماعيلية والصوفية بذلك، وسيطالب أيضا الليبراليون والعلمانيون بميثاق أيضا، ناهيك عن الجماعات الإسلامية والأحزاب السياسية التي ستطالب بمثل هذا الأمر، معنى ذلك أننا نريد أن نضع 10 مواثيق، ولكل طائفة ميثاق يخصها، مؤكدا أن التعايش ليس مجرد ميثاق يكتب أو يقال، وإنما له أسس ومقومات.
من جهته، قال الدكتور علي بادحدح، المشرف العام على موقع "إسلاميات": إن العصر الحاضر يثبت أن التعايش موجود وحقيقي بشكل عام على المستوى الفردي والأسري، فالعراق مثلا، كان فيه تجانس وتعايش بين السني والشيعي، وتوجد علاقات تجارية وجوار تربطهم، وكان هناك زواج في بعض الأحيان، ونوه بادحدح إلى أنه لم تكن هناك مشكلة كبيرة في مسألة التعايش رغم أنه كانت هناك -من الناحية السياسية والتطبيقية النظامية- بعض الأمور التي تحتاج إلى تصحيح وإعادة نظر.
التعايش والمواطنة
أما الكاتب والإعلامي عبد العزيز قاسم، فقد رفض اعتبار مفهوم التعايش الطائفي والمواطنة وجهين لعملة واحدة، مؤكدا أنهما مشتركان، مشيرا إلى أننا نحتاج هذا بشكل ملح جدا وبالتحديد في منطقتنا الخليجية والسعودية، وأكد قاسم ضرورة إيجاد وثيقة للتعايش تجتمع فيها النخب الشيعية السعودية مع نخب شرعية سلفية سعودية تحت مظلة الحوار الوطني لإقرار وثيقة للتعايش، يقر فيها رموز الطائفتين باحترام الآخر.
ونوه قاسم إلى أن الشيعة في السعودية -على قلتهم- هم من أبناء هذا الوطن؛ فعددهم يربو على المليون، لكنهم في النهاية طائفة، فبدل أن نتركهم لأحضان إيران والصفويين -على حد تعبيره- من أصحاب الشعارات المغالية يجب أن نعمل على احتضانهم، فنحن أولى بهم.
أما المفكر الإسلامي الشيعي، زكي الميلاد، فقد دعا إلى أن يكون مفهوم المواطنة هو المفهوم البديل والمعبر عن الحالة المجتمعية العامة، ويغني عن استعمال أي مفهوم وأي إشارة لها صلة بالجانب الطائفي والمذهبي، وأضاف: "مفهوم المواطنة أساسا يأتي بإلغاء كل المفاهيم التي ترتبط وتتصل بالمجال الطائفي أو المجال القبلي أو ما أشبههما، بمعنى أن مفهوم المواطنة يأتي لكي يشكل نبرة واحدة مشتركة إلى جميع المواطنين بلا تمييز أو شيء آخر".
صياغة ميثاق للتعايش ليس ضرورة كما يرى الشيخ عبد المحسن العبيكان، المستشار في الديوان الملكي، الذي علل ذلك بالقول: "يعيش المواطنون مع بعضهم بعضا، فالكل سواء، فهذا موجود بالنسبة للسعودية وغيرها، فالمواطن من أي طائفة وأي مذهب يتمتع بجميع الحقوق، فلا نحتاج لصياغة ووضع ميثاق للتعايش الطائفي بين السنة والشيعة أو أي طوائف أخرى".. مضيفا: "إن الأنظمة الموجودة تكفل الحقوق لجميع المواطنين، فمفهوم التعايش الطائفي لا يتعارض مع الدين، فالرسول صلى الله عليه وسلم عاش مع اليهود في المدينة ودعوه إلى الطعام وأجابهم وزار مريضهم".
قادة الطوائف.. شحن متواصل
وفي إطار الحديث عن الأدوار التي تغذي عوامل الشحن والتوتير يرى د.سعيد الغامدي أن الشعوب في أصلها بريئة من مثل هذا الأمر، لكن قادة الطوائف هم الذين يوجهون هؤلاء الناس، فيقومون بالشحن المتواصل حول هذه القضية، معتبرا في نفس السياق أن أول فرصة قد تتاح لهم سوف ينقضون على مخالفيهم حتى لو كُتب عشرون ألف ميثاق.
وأضاف الغامدي: "التعايش ليس حلما يعلق أو وردة نلمسها ونضعها في جيوبنا، فهو عبارة عن أسس ومقومات متى ما وجدت هذه الأسس والمقومات تم التعايش، وإذا وجد في طائفة مخزون وممارسات لتأجيج الأحقاد فكيف يمكن التعايش مع هؤلاء".
كما اعتبر د.علي بادحدح أن التدخل الخارجي وبالذات الصهيو-أمريكي، هو الذي ركز في العقود الأخيرة وبالذات بعد أحداث سبتمبر على الدق في إسفين الطائفية في البلاد العربية على وجه الخصوص، مؤكدا أنه من المعروف أن أمريكا في كل دولة لديها تقرير سنوي لحريات الأديان وحقوق الإنسان وغير ذلك من التقارير، والتي تهدف فيه دائمًا إلى التركيز على الأقليات.
وأضاف بادحدح أنه "في مصر مثلا يتم التركيز على الأقباط والمسلمين، وفي مناطق أخرى يتم التركيز على السنة والشيعة، أو على عرب وأمازيغ كما في المغرب العربي، وتذكي هذه الخلافات والصراعات بدعوى هضم الحقوق، فتتم إثارة هذه الأقليات وجعل امتدادات خارجية لها".
ولم يؤيد بادحدح إنشاء وثيقة للتعايش الطائفي ونحو ذلك، لأن مثل هذه الوثيقة في نظره هي من تكرس هذه الطائفية، موضحا في نفس الوقت أنه عندما نستعرض تجربة العراق ولبنان ونتحدث عن وجود حكومة حصص طائفية، فإنه يثبت تماما أن مثل هذه الاتفاقيات الموقعة في تلك الدول حتى وإن وثقت دوليا فإنها تقوم على عنصر الطائفية، معتقدا أنها مؤهلة للتفخيخ والتفجير والانقسام.
وشدد بادحدح على أن قضية نسبة السكان تعتبر نمطا عاما في المجتمعات، فلا نستطيع أن نصوغ قانونا خاصا بفئة لا تتجاوز 5 أو 10% ، مشيرا إلى أن هذه الطريقة توافق السياسة الأمريكية التي تريد تفتيت المناطق العربية.
وبحسب رؤية بادحدح فإن مفهوم المواطنة والتعايش وجهان لعملة واحدة وهذه بديهية من البديهيات، لكنه في الوقت الحالي عندما أثار العامل الخارجي هذه القضايا سواء على المستوى السياسي أو في الإعلام المفتوح، جاء الحديث لكي نفهم الناس عموما ونوعي المجتمع بأن المواطنة والتعايش من المتطلبات الضرورية والأساسية للسلم الاجتماعي وللوحدة الوطنية وللقدرة على مسيرة المجتمع والدولة في مسار التنمية والتطوّر.
وتابع قائلا: "لدينا مذاهب سنية مختلفة، لكن ليس هناك مذهب بالمعنى الذي هو عند الشيعة بمعنى التبعية والمرجعية الكاملة، ولذلك المذهبية بحد ذاتها ليست مشكلة في المواطنة إلا إذا كانت عابرة للحدود ومرتبطة ارتباطا ذا بعد ديني اتباعي تقليدي لا يناقش ولا يجادل".
وعلى عكس الآراء التي لا تجد ضرورة لصياغة وثيقة التعايش يشير د.عبد العزيز قاسم إلى أهمية هذا الأمر الملح في المجتمعات الخليجية؛ كي يشعر أبناء هذه الطوائف أنهم مواطنون لهم مثل ما لنا وعليهم ما علينا، وإلا فسيذهبون إلى الشعارات المغالية فيبدءون في التكفير والتفجير، مشددا على أننا لم ننته من القاعدة وصبيان القاعدة حتى تخرج لنا قاعدة شيعية، فالحكمة احتواؤهم وكشف رموزهم المعتدلة لمواجهة المغالين من مشايخهم ومرجعياتهم الشيعية.
وعن جدية الطرفين في صياغة مثل هذه الوثيقة أكد قاسم أن المسألة ترتبط في نهاية الأمر بيد السياسي وهو الذي يستطيع تحريك مثل هذا الملف، وهناك تجربة نموذجية في الكويت قال عنها النائب السلفي وليد الطبطبائي إنها ساهمت في إيقاف الكثير من الشعارات والفتن الطائفية التي كادت تعصف بالكويت.
قريب من موقف قاسم يأتي موقف زكي الميلاد القائم على رؤية مفادها، أن ميثاق التعايش يأتي لكي يلفت النظر إلى وجود مشكلة بحاجة لأن تحاصر، وتعالج وتستأصل، وتهيئة المناخ المناسب لمعالجة إفرازاتها وتداعياتها تحت مظلة مفهوم المواطنة.
وأضاف الميلاد: "أنا مع ميثاق للتعايش المجتمعي المتعدد المذاهب في الإطار الوطني، انطلاقا وتأسيسا من مفهوم المواطنة، وهذا يعني أنه ليس بديلا أو نقيضا عن مفهوم المواطنة".
وقد فضل الميلاد استخدام مصطلح التعايش المذهبي وليس الطائفي، لأن المذهبي يعطي إيحاء أكثر إيجابية من مفهوم الطائفي، مهيبا بضرورة تعزيز مفهوم التعايش والذي يتمثل في دور العقلاء والحكماء من المدرستين، لإيقاف هذا الشحن الطائفي أو المذهبي أو هذه الإساءات التي تسيء للدين والوطن.
وعن اعتقاد البعض أن مفهوم التعايش يمكن أن يكون مخالفا للثوابت الدينية سواء على الطرف السني أو الشيعي، رد الميلاد قائلا: "على الإطلاق.. غير صحيح، سواء في إطار المذهب الإسلامي السني، أو الشيعي، لأن فكرة التعدد والاختلاف، والحق في الاجتهاد هي من المبادئ الثابتة في المذاهب الإسلامية بأكملها، وفكرة التعايش أساسا هي فكرة تتجلى فيها روح الإسلام، والذي هو روح التعايش والتقارب والتلاقي، والنقيض تماماً لنزعات التعصب، والتطرف".
الحوار والنوايا
وفي سياق الحديث عن الحوارات التي جرت في هذا الصدد قال د.سعيد الغامدي: إن "مشايخ وعلماء حضروا مؤتمرات للحوار، وحدث هناك نوع من الحوار، لكن لم يكن هناك أي نتيجة عملية طبّقت على أرض الواقع".
الشيخ بادحدح
من جانبه، قال بادحدح إننا معنيون في هذه الظروف، التي أثار فيها العنصر الخارجي هذه النعرات، بتفويت الفرصة عليه، وأن نحافظ على مكتسبات مجتمعنا، وألا ينساق أي طرف من الأطراف إلى إثارتها.
وحول مفهوم التقريب بين السنة والشيعة، أشار بادحدح إلى أن المطلوب هو التعايش والمواطنة، وأما قضية التقريب فمعني بها النخب من فئة العلماء وليس عموم المجتمع.
وقال بادحدح: "الحوار بين السنة والشيعة في السعودية أمر حاصل، ويتقدم ويتأخر، وأطرافه مستقلة في بعض الأحيان، وأحيانا تكون بشكل غير مباشر برعاية وتشجيع رسمي، فهو يحصل ويتوقف، وأعتقد أن العقلاء يحتاجون إليه ويدعون إليه ويأخذون ببعض أسبابه بشكل أو بآخر، وأنا أتحدث عن معلومة وليس عن تحليل أو اجتهاد"، مطالبا بعدم إقحام الإعلام في أي حوار بين طرفي السنة والشيعة.
بينما رأى قاسم عدم جدوى التقريب، معللا ذلك بفشله على الصعيد الأممي، حيث ذكر أن الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ محمد حسين فضل الله، من أوائل الناس الذين باشروا موضوع التقارب بين الطائفتين، وانتهوا في النهاية إلى استحالة هذا التقارب، فكل طائفة متمسكة بأدبياتها، نحن الآن ننادي بإيجاد وثيقة للتعايش بين الطائفتين.
وألمح قاسم إلى أن تجربة الوثيقة إذا نجحت في السعودية وأقرت من علمائها فهذا يجعل بقية البلدان العربية تحذو حذوها.
بدوره لا يرى زكي الميلاد أي تعارض أو تنافٍ بين مفهومي التعايش والتقارب على الإطلاق، معتبرا أن مفهوم التقريب ينظر بالدرجة الأولى إلى الأبعاد والجوانب الفكرية والذهنية والعقلية، أما مفهوم التعايش فينظر إلى الأبعاد الاجتماعية والإنسانية العامة.
ورفض الميلاد الذهاب إلى ما يتداوله البعض من أن مفهوم التقريب بات غير واقعي ولا يمكن تنفيذه، مشيرا إلى أن هناك بوادر ومؤشرات كبيرة جدا، حيث إن المستقبل في السعودية سيكون في صالح التفاهم والتقارب المذهبي، موضحا أن مسار الحوار الوطني جاء لتعزيز هذا المنحى ولترسيخ هذا النهج، وهو يمثل مظلة وإطارا ويشكّل المناخ المناسب لخلق هذه الروح التي تنعم بالتآلف والتعايش.
وشدد الميلاد على عدم اعتبار التعايش منحى ليبراليا-شيعيا، مشيرا إلى وجود مطالبة به من قبل أصوات داخل المدرسة الإسلامية السنية، اعتبرها واعية ومهمة من مثقفين ومن مفكرين وأكاديميين ومن كتاب أيضا، موضحا أن الصوت العالي دائماً هو الصوت الذي ينزع نحو التعصب.