أرشيف - غير مصنف

الإعلامي الفلسطيني مجرم أم ضحية؟

بقلم:ماجد هديب

 كما هو معلوم فان الإعلام بشكل عام  يشكل سلاحا ذو حدين ,فإما ان يكون  عاملا جيدا لنشر الأمن في فكر الإنسان, وإما ان يكون معول هدم وأداة  للانحراف الفكري, وبالتالي الإسهام  ليس فقط في تكريس الانحراف الاجتماعي , وإنما السياسي والاقتصادي أيضا , وهذا ما ينطبق على الإعلام الفلسطيني حيث بتنا نراه وكأنه معول هدم, وخاصة في ظل عدم تحصين
السلطة للمواطن الفلسطيني من الغزو الإعلامي  في ظل ثورة المعلومات والتكنولوجيا, وابتعاد السلطة عن غرس المبادئ الخلقية , وكذلك تقصيرها بشكل مباشر أو غير مباشر في خلق إعلام مواجه تحافظ من خلاله على امن وقيم مجتمعنا الفلسطيني , بالإضافة إلى عدم قدرتها في مسائلة إعلاميينا بفعل الانقسام وتركهم  يكتبون ويرسمون ويصورون وفق أهوائهم , ودون أية ضوابط قانونية الأمر الذي جعلهم إما مجرمون بحق مجتمعهم وقضيتهم, وإما ضحية لمراكز قوى وميليشيات.

ان المتتبع لساحة فلسطين الإعلامية وسواء كان من ذوى الشأن والاختصاص ,أو حتى على مستوى المواطن الفلسطيني البسيط ,فانه يلحظ بان الإعلام قد أصبح سيفا مسلطا على كافة فئات المجتمع الفلسطيني وطبقاته ,وان تناوب الإعلاميين للنيل من تلك الطبقات والشرائح وفقا لبرامج لا تتناقض فقط مع مشروعنا الوطني , وإنما حتى مع قيمنا الأخلاقية والاجتماعية  يجعلنا نقف مشدوهين  أمام  ما يبديه هذا
الإعلامي  من مواقف , وما ينتج عنه من أفعال, وهي نفسها التي تدفعنا لان نتساءل عن  حقيقة الإعلامي  الفلسطيني ,وهل أصبح هذا الإعلامي مجرم حقا أم ضحية؟.

 وهل هناك من ترفع عن إدخال نفسه بين هذين التصنيفين بانزوائه وانكفائه بعدم تناول الشأن الفلسطيني فيما يكتب أو يرسم أو يصور وما هي أسباب ذلك؟,وهل هذا الانكفاء يعفيه من تحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الإعلامية في فلسطين؟.

ان ما نعانيه وما نلمسه اليوم من انعدام أخلاق لبعض الإعلاميين وفق ما يصدر عنهم إما لفظا أو كتابة, أو رسما ,أو حتى نقلا لصورة يجعلنا ننظر إليهم بكل قرف واشمئزاز, لان ما ينتج عنهم في بعض الأحيان ما هو إلا تدمير لما تبقى من معالم قضية ونضال شعب, بل ان القوة التدميرية التي تحدثها أفعال  بعض هؤلاء الإعلاميين وأقوالهم  إنما هي في غالب الأحيان تفوق من حيث قوتها وحجم تدميرها قصف مدفع, أو طائرة مقاتلة  سواء كان هؤلاء من الإعلاميين الذين ينتمون إلى إعلام حزبي,أو من الذين باعوا أنفسهم وأقلامهم وحتى  كاميراتهم  إلى أجندات خارجية .

ان الأقلام المأجورة وما أكثرها هي بطبيعة الحال اشد وطأة من تلك الأقلام الحزبية, وخاصة إذا ما أراد أصحاب تلك الأقلام إثبات ولائهم لهذه الجهة أو تلك إما بحثا عن منفعة  من مسئول, أو تحقيقا لإحداث شرخ وشق في المجتمع الفلسطيني, كما ان أصحاب الكاميرا  ليس اقل من هؤلاء خطورة لما تنقل كاميراتهم من أحداث يستطيعون من خلالها ان يقلبوا الحق إلى باطل والباطل إلى حق تحقيقا لأجندة  ممولي
هذه القناة الإعلامية أو تلك , ويدكون  بذلك هجومهم العنيف على آخر ما تبقى من حصون داخلية للمجتمع الفلسطيني بعدما نجحوا في تعرية حصونه الخارجية بل وإسقاطها نهائيا.

 

المعلوم ان أصل الجرائم هي أفكار تخريبية,  فإذا ما ظل الإعلامي الفلسطيني يروج لأفكاره التخريبية عبر الوسائل الإعلامية التي ينتمي إليها على اختلاف مسمياتها وأيديولوجياتها , فانه يصر بذلك على بث الجريمة, بل وإيصالها إلى اعلي مستوى حتى ينتج عنها كوارث أمنية  تهدم ما تبقى لنا ليس فقط من سيرة قضية,وإنما حتما من قيم أخلاقية , وعليه فان أسئلة كثيرة وملحة تطرح نفسها عند النظر إلى المشهد الإعلامي
الفلسطيني والغوص فيه ,وهي بحاجة إلى إجابات نحاول الوصول إليها سواء من هؤلاء الذين انتزعوا ألقابهم الإعلامية بجدارة وإبداع , أو حتى من هؤلاء الذين انتزعوها بقوة  الميليشيات التي ينتمون إليها, أو في ظل سطوة الأحزاب التي يرتدون عباءتها .

 

لا اعلم حقا ما هي الأهداف التي يسعى بعض الإعلاميين إلى تحقيقها عند العمل على إغراق المجتمع الفلسطيني بالهموم والمشكلات كمقدمات منظمة إلى انهيار هذا المجتمع وزواله ,وهذا ليس تحليلا لأعمالهم, أو وصفا اعتباطيا لأفعالهم , أو حتى استنتاجا, وإنما  هو واقع نحن نعيشه في  خضم ما ينتج عنهم من أفعال مادية ومعنوية تتنافى مع الدستور والمصلحة الوطنية,وتهدف إلى الإخلال بأمن البلاد والنظام العام و بما يخدم
مصالح أجنبية.

أليس هؤلاء هم من يشيعون ويروجون عبر برامجهم ,أو أقلامهم ,أو رسوماتهم  بان رجال الأمن إما جهلة ومنحرفون؟, وإما ساقطون أخلاقيا وامنيا ووطنيا؟.

 أو ليس هم أنفسهم من يتسابقون لنقل تصريحات الجاهلين من الناطقين باسم أحزابهم والحركات التي ينتمون إليها, وإعطائهم المساحات الواسعة عبر الفضائيات التي يعملون بها  ليبثوا من خلالها سمومهم إلى الشعب الفلسطيني, وليصبوا أحقادهم على تاريخه النضالي؟.

 أليس  هؤلاء  هم من يغرسون مبادئ الإجرام في عقلية المواطن الفلسطيني وتحويله من مواطن مناضل وطيب إلى مواطن مجرم بتحريضه على رجل الأمن الفلسطيني, وكذلك بدعوته إلى التمرد على القانون والقائمين عليه ,وتشجيعه على ارتكاب الجرائم المخلة بأمن الدولة ,  وحثه على  التعرض لحياة الناس والاعتداء عليهم, والمساس بآدميتهم وكرامتهم تحت
حجج ومبررات واهية؟.

أليست أقوال البعض منهم فيها إثارة للبغضاء وبث روح الشقاق بين أبناء الشعب الواحد ؟ , أو ليس في مضمونها تحريض صريح ودعوة لفريق من الجمهور إلى النهب والحرق,  وكذلك المساس بكرامة الأشخاص وحرياتهم أو ابتزازهم والإضرار بسمعتهم؟ .

أليس هؤلاء هم أنفسهم من يعملون على هدم القيم الأخلاقية ويعملون على محاربة المصالح العليا للشعب الفلسطيني   وفقا لما نشاهده من برامج تلفزيونية وإذاعية قائمين عليها, ووفقا لما نشاهده ما من صور ورسومات على غلاف مجلات هم رؤساء تحريرها, وما نقراه عبر صفحات الجرائد هم كتاب لأعمدتها ؟.

 

 

ان الخروج من دائرة التساؤلات هذه بأنه إذا ما كان الإعلامي الفلسطيني مجرم  لمساهمته في بث الفتن ونشر الرذيلة وشيوع الجريمة,أو انه ضحية لميليشيا أو سطوة أحزاب , فما على الإعلاميين كافة وبمختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم,وخاصة هؤلاء الذين يدعون الاستقلالية في نقل الخبر, أو الذين انزووا جانبا إلا ان يسارعوا وفورا ورغم حالة الانقسام السياسي إلى
العودة لأصول العمل المهني ,والابتعاد عما يهدد النسيج الإعلامي الفلسطيني ، وتجنب الإثارة والتهويل في طرح القضايا  , والعودة إلى التمسك بالوضوح وصدق المعلومة ودقتها، مع ضرورة الالتزام بوقف التحريض العنصري ووقف  العمل على تضليل الجمهور وقلب الحقائق ونقل التحليل على أنها أخبار وذلك من خلال إتباع خطوات أربع لاغير تأتي بالتتالي
وليست دفعة واحدة إنجاحا لها وتجاوزا لحالة الانقسام والتردي في الساحة الفلسطينية.

 

ان وضع ميثاق شرف إعلامي لجميع العاملين في الحقل الإعلامي  يحدد وظيفة الإعلام وسلوكيات الإعلاميين ، للعودة إلى أخلاقيات المهنة،  وعدم المساهمة في تعميق الانقسام أو توتير الأوضاع, تأتي كخطوة أولى في الحفاظ على شرف المهنة وأخلاقياتها,ثم تأتي الخطوة الثانية في ذلك وهي العمل على تشكيل لجنة من كبار
الإعلاميين, وحتى فقهاء القانون ان أمكن لمحاسبة "الإعلام  التآمري" والعمل على فضح أي وسيلة إعلامية تقوم بالتحريض ونشر الفرقة النفسية والسياسية داخل المجتمع الفلسطيني, والتحقيق في كل عمل إعلامي يندرج في إطار التحريض، والتحقيق مع ممارسيه وملاحقتهم قضائيا وحتى إعلاميا .

 أما الخطوة الثالثة  فهي ضرورة دمج كافة الأجسام الإعلامية على اختلاف مسمياتها وانتماءاتها في جسم واحد, وذلك بعد الاتفاق على تحديد معايير الانتساب لهذا الجسم الإعلامي ,  على ان يتم تجاوز الاختلافات في هذا الخصوص بالاحتكام للقانون الفلسطيني  , ومن خلال توافق هذا الجسم الإعلامي  على النظام الأساسي الخاص
بالصحافة والإعلام والمستمد من وثيقة إعلان الاستقلال , ومن ثم تأتي الخطوة الرابعة والأخيرة وهي شروع هذا الجسم الإعلامي في صياغة  إستراتيجية إعلامية تساهم جنبا إلى جنب مع الإستراتيجية الأمنية في إقامة دولة المؤسسات والقانون وذلك من خلال الاتفاق على خلق إستراتيجية ما بين أجهزة الإعلام والأجهزة الأمنية, وخلق إعلام امني يهدف إلى إزالة التناقض وتوحيد العلاقة التكاملية فيما بينهما لخدمة المصلحة العليا للفرد والجماعة,وتحقيقا وتعزيزا
للأمن الإعلامي الفكري والسياسي والاجتماعي كأهم المرتكزات للأمن الإعلامي من حيث العمل والاتفاق على عدم التحريض والإساءة ووقف الترويج للمبادئ الهدامة ,وكذلك وقف التحريض على طائفة من الناس ,أو مجموعة أو الازدراء بها وعدم تكدير الرأي العام وتأليبه, مع وقف التحريض أيضا على السلطة الوطنية ورئيسها وأركانها  لما في ذلك من إضرار لمصلحة الفلسطينيين العليا وإساءة للمرتكزات الدستورية ومحاربة الآراء التي تهدد النظام العام.

 

 ان اتفاق كافة الأطر النقابية ذات العمل الإعلامي على ميثاق شرف وصولا لأصول العمل الإعلامي وفق المهنية والاحترافية خطوة صحيحة ومطلوبة على طريق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام , وإرساءا  لدولة المؤسسات والقانون جنبا إلى جنب مع الأجهزة الأمنية, وفي إطار دورها التكاملي, وعليه نكرر ما بداناه في بداية مقالنا هذا بالقول " بأنه  إذا كانت مهمة الأجهزة الأمنية هي مكافحة الجريمة في
طورها المادي ,فان على أجهزة الإعلام محاربة الجريمة في إطارها الفكري".

فهل يتجه الإعلامي إلى عالم الاحترافية والاستقلالية وأداء دوره التكاملي أو يبقى مصرا على إبقاء نفسه في إطار دوره المتناقض مع أجهزة الأمن ودولة القانون وولوجه إلى عالم الإجرام ومعه كل أدوات الجريمة اقلها  قلم يحرض على فتنة وكاميرا تشرع لها؟.

[email protected]

 
 

زر الذهاب إلى الأعلى