نصيحتي للسيد خالد مشعل
بقلم: زياد ابوشاويش
قبل أيام سجلت نصيحتي للرئيس الفلسطيني محمود عباس دون تمهيد أو بحث في خلفيات ما رأيته نافعاً لإصلاح الحال آملين أن تتوفر لديه النية الصادقة والشجاعة الكافية لإحداث التغيير المطلوب بعد أن وصلت أمورنا للحضيض وبات الإرباك سيد الموقف داخل الساحة الفلسطينية.
اليوم أقدم النصيحة للطرف الآخر في معادلة الصراع الداخلي التي أعادت قضيتنا سنوات طويلة للوراء والتي قسمتنا طولاً وعرضاً، وقصمت ظهورنا.
وكما بدأت مباشرة مع سيادة الرئيس أبو مازن سأبدأ مباشرة مع الأخ مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس دونما تقعير أو تحديب للكلام والجمل، وقبل أن أبدأ أعيد تأكيد ما قلته في مقالي للرئيس بأن حماس وفتح تتحملان المسؤولية شبه الكاملة عن أزمتنا، وغني عن القول أن قادة هذين الفصيلين والرئيس ومشعل على وجه الخصوص يتحملان مسؤولية أكبر من الجميع وعليهما فهم ذلك واستيعابه.
إن إقران الأقوال بالأفعال يجب أن يراه الناس في التقدم للأمام تجاه المصالحة الداخلية مع حركة فتح دون خوف أو تردد وعليكم في حماس الذهاب لتوقيع الورقة المصرية بعد أن تسجلوا تحفظكم على البنود غير المريحة فيها مع فهمنا وجماهير شعبنا أن مصر لا يمكن إلا أن تكون منحازة للسلطة في رام الله، لكن المصالحة لن تبدأ بدون هذا التوقيع.
إن صدق حماس وهمتها في تنفيذ بنود الورقة المصرية يجب أن يظهر بوضوح في البدء الفوري في تخفيف معاناة الناس بقطاع غزة والاتفاق مع فتح على تنظيم شؤون المعابر وخاصة رفح ونزع الذرائع من يد أي طرف يعرقل رفع الحصار عن غزة بدعوى الانقسام، وهذا سيضعه الناس في خانة الفعل الايجابي السديد لحماس وسيعدل قليلاً الصورة السلبية لممارسات وقعت فيها الحركة بقصد أو بدون قصد.
على حماس أن تدرك أن العدو الإسرائيلي لا يبني سياساته على مواقف ونوايا الآخرين أياً تكن قوتهم وما يمثلون وأن إسرائيل لا تلتزم أو تحترم أية تعهدات مهما كانت ضماناتها وضامنيها وعليه نرى أن تأخذ حماس قراراً بوقف التهدئة والعودة للعمليات الاستشهادية داخل الخط الأخضر وخارجه ومن كل مكان تستطيع الانطلاق منه للعمل، ومراجعة برنامجها الانتخابي القائم على تصعيد المقاومة، فهذه ستكون أهم عوامل نجاح المصالحة وعودة الوحدة الوطنية.
نرى أن حماس قد انغمست أكثر مما يجب في شؤون الناس وحياتهم ونصبت نفسها وصياً على إدارة قطاع غزة منفردة كما على ضمائر الناس أحياناً، وهنا فإن النصيحة للإخوة في حماس ضرورية بأن تكف عن هذا الآن وتعود للاهتمام بالتعبئة الوطنية لصالح المقاومة وتخفيف هذا الانغماس لتتفرغ لما هو أهم وما سخرت نفسها له في البدء، وهذا سيجعلها تتوقف عن تجاوزات أساءت لسمعتها وألحقت بها أفدح الأضرار.
يجب أن تدعو حماس للانتخابات المبكرة ولا تتردد وتسجل على نفسها الخوف من شعبها أو من تزوير الانتخابات حتى لو أدت هذه الانتخابات لفقدان الأغلبية التي تتمتع بها اليوم في مجلس تشريعي انتهت ولايته، أو من نتائج قد تعيد عجلة التاريخ للوراء يوم كانت قيادات حماس تعتقل ويمارس بحقها أسوأ أنواع الإهانة والتحقير، وربما خسارة مؤقتة لحماس يمكن تعويضها وتحمل آثارها اليوم أفضل من خسارة استراتيجية تلحق ليس بها فقط بل بكل قضيتنا الوطنية لاحقاً.
المنطقة تعيش الآن على وقع ضجيج الحرب حيث تقرع إسرائيل طبولها بشدة، والملف الإيراني يتم تسخينه من جانب أمريكا، وهناك تفاعلات ودعوات لعودة مفاوضات السلام، وباختصار الفترة القادمة حبلى بشتى الاحتمالات والأمور توضع على نار ساخنة بالاتجاهين ولذلك لابد من وقفة تقييمية وخطوات استباقية وقائية حتى لا نذهب وتذهب حقوقنا (فرق عملة) كما يقولون.
إن وعود حماس بالرد في قضية المبحوح يجب أن تتحقق وبطريقة مدروسة وعلى من وضع الجمل على المئذنة أن ينزله، وبدون رد مؤلم ستستمر إسرائيل في العبث بأرواح خيرة مناضلينا وقادتنا.
إن ما تقدم لا يعني استبدال ساحة الصراع الرئيسية بغيرها ولكن هناك مجال لأعمال تضغط على أصابع العدو دون أن تلحق بنا الضرر، وفي هذا يجب أن نتعلم من العدو.
وأخيراً وهذا هو الأهم: أرجو من الإخوة في حركة حماس وعلى رأسهم السيد خالد مشعل أن يدركوا أن نجاحهم في انتخابات التشريعي وتشكيلهم الحكومة كان كارثة بكل المقاييس وليس كما يظنون وأنه كان أجدى لنا ولهم عدم خوض هذه الانتخابات أو أن يكتفوا بالمجلس التشريعي، وهنا لابد من الرد على ما قاله الأخ أبو الوليد ذات يوم قبل كارثة الحسم العسكري في غزة من أن نجاحهم وتشكيلهم الحكومة بات تكليفاً شرعياً وأنهم لا يتخلون عن تكليف شرعي، وهو أن نجاحهم كان تكليفاً شعبياً يمكن أن يتغير وأن الله لا يكلف أحداً بقيادة الناس بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، واستطراداً يجب أن يدرك الإخوة في حماس أن قضيتنا الوطنية لا تتحمل أعباء مشروع عالمي كالذي تسعى إليه حماس وحركة الإخوان العالمية وأن القسم الذي ألقاه الأستاذ عبد الفتاح دخان أمام مهرجان حماس وردده آلاف الحمساويين في غزة والذي يؤكد الولاء والإخلاص لحركة الإخوان المسلمين كان خطأً فادحاً يجب العودة عنه، لأنه لا ولاء لنا إلا لفلسطين والأمة العربية وفي العقيدة لله الواحد الأحد، ولايمكن أن يكون لمشروع لا تتحمله أكتافنا على رحابتها.
المجد للشهداء والنصر للثورة
دمشق في 3 / 3 / 2010