خرق معاهدة حقوق الإنسان قد تطيح بالرئيس البلغاري بيرفانوف
خيري حمدان
قبل أيام، دعا الصحفيان إيفان وأندريه في برنامجهم الاستعراضي الذي يحمل اسمهم وزير المالية البلغاري سيميون ديانكوف، لإجراء حوار يتراوح ما بين الفكاهة والجدّية. وكان من ضمن الأسئلة التي طرحت رأي الوزير برئيس الدولة وهل يعتبر الرئيس ملياردير شاب؟ أجاب الوزير بأن الرئيس ليس شابًا. ولم يوضّح بعد ذلك إذا كان يعني عمر الرئيس أم أنه ملياردير منذ زمن بعيد، وهذا منافٍ للحقيقة في الواقع. انتهى الحوار عند هذا الحدّ ما بين الجدّ والضحك. حاول الوزير أن يتجاوز هذه الورطة بالتحايل ولكن دون أن ينفي ما صرح به خلال اللقاء الصحفي.
في اليوم التالي طالب رئيسُ الدولة من رئيس الوزراء إقالة وزير ماليته، لأنه أقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه "كاذب". ويجب أن يعتذر ويقال من منصبه أو إثبات ما صرح به عن غنى الرئيس الفاحش. رفض الوزير ديانكوف الاعتذار، وقال بأنه لن يعتذر عن شيء لم يعنيه ولم يقله. وظن الجميع بأن شبح الفضيحة السياسية قد غاب عن ساحة الأحداث في بلغاريا، خاصة وأن الوزير ديانكوف حضر بصحبة زوجته كارولين لحفل الاستقبال الذي أقامه رئيس الدولة بمناسبة العيد الوطني لبلغاريا بتاريخ الثالث من الشهر الجاري مارس/ آذار.
طلب الوزير ديانكوف بل وأصرّ على مقابلة الرئيس لتوضيح الأمور وتصفية النفوس، قبل الرئيس مقابلة الوزير وكان هناك حشد كبير من الصحافة وعدسات الكاميرات في انتظار وزير المالية عند مدخل الرئاسة، وكانوا كذلك في انتظاره لمعرفة نتائج اللقاء. أجاب الوزير بأن اللقاء كان بنيويا، واكتفى بهذا الحدّ من التصريحات. ولكن الرئيس بيرفانوف نشر كامل الحوار بالتفاصيل المملة في الصحف ووسائل الإعلام في بلغاريا، دون أن يطلب الإذن من جليسه وزير المالية ديانكوف، وهذا يتعارض مع قوانين الدولة ودستورها وحقوق الإنسان في بلغاريا والتي تعتبر جزءًا من الاتحاد الأوروبي. المنظومة الأوروبية تمنع تسجيل الحوار ومراقبة الآخرين دون إبلاغهم مسبقًا بذلك، فما بالك بنشر الحوار كاملاً في الصحافة.
وبالرغم من عطلة نهاية الأسبوع، إلا أنّ الحزب الحاكم "غيرب" الذي صادق على مجلس الوزراء البلغاري في صيغته الحالية، سيتقدم بشكوى يوم الاثنين القادم الثامن من آذار للمحكمة الدستورية في البلاد، وسيطلب عزل رئيس الدولة من منصبه. التهمة الموجهة ضدّ الرئيس بيرفانوف جادّة، وهي تسجيل حديث مع رجل دولة آخر، وخرق قوانين حقوق الإنسان. ما يعتبر أمرًا خطيرا في أوروبا ولا يمكن التساهل معه. قد تتجاوز المؤسسات البلغارية هذه الأزمة، ولكنها ستبقى درسا في احترام القانون الدوليّ، والتعامل ما بين المؤسسات.
الأسبوع القادم سيكون حافلاً بالأحداث السياسية في بلغاريا، خاصة وأن الكثير من الأطراف السياسية ربطت هذه الفضيحة بولاءات المؤسسات الحكومية، فالرئيس محسوب على الحزب الاشتراكي البلغاري، ويدعم المصالح الروسية في مجال إنتاج الطاقة النووية في بلغاريا وإعادة تصديرها إلى الخارج، هذا ما توضح من زيارة بيرفانوف إلى بروكسل قبل أيام، حيث تناول في محادثاته مشاريع أمن الطاقة في البلقان، خاصة مشروع بناء المحطة النووية لتوليد الطاقة "بيليني" في بلغاريا، والتي تسعى روسيا لإتمام بناءه لتحصل بذلك على 80% من أسهمه، وتتمكن بذلك من امتلاك أول مفاعل نووي روسي خارج روسيا وفوق أراضي دولة عضو في المنظومة الأوروبية، في الوقت الذي يرفض وزير المالية صرف قرش واحد من ميزانيته لهذا المشروع، حتى يتم العثور على مموّلا أوروبيا لهذا المشروع. بينما يرفض رئيس الوزراء بويكو بوريسوف ورئيس ماليته ديانكوف تنفيذ المشروع بضمانات حكومية وقبل أن يتم العثور على مموّل أوروبي. الأسبوع القادم سيسلّط الأضواء على هذه القضايا، وسنرى الخطوات الأولى التي ستقوم بها المحكمة الدستورية في البلاد، وتبقى إمكانية احتواء هذه الفضيحة والصراع المؤسساتي وسط الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد مطروحة.