أرشيف - غير مصنف

القدس اختبار الكرامة …

د.عادل عزام سقف الحيط

اقتحمت قوات الاحتلال باحات المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة يوم 5 آذار، واعتدت على المصلين فأصابت نحو خمسين مصلياً بالرصاص المطاطي والاختناق بالغاز المدمع. وقد كثّف المستوطنون هجماتهم الغادرة على المسجد الأقصى منذ مطلع السنة الحالية، كمحاولة تجريبية لرصد ردود الفعل الشعبية في العالم الإسلامي تجاه مخطط تهويد القدس وتدمير الأقصى والمعالم الإسلامية في المدينة بشكل نهائي. ويستهدف العدو القدس لمكانتها الدينية لدى أتباع الديانات السماوية، ولأنها رمز حي لكرامة المسلمين، وكذلك رمز دوغمائي وعقدة مركبة للحركة الصهيونية.
الهجوم الأول على الأقصى وقع عام 1967، أي بعد هزيمة الجيوش العربية في حزيران،  وقد غذى الانكسار العربي شراهة المعتدين آنذاك، حيث قام جيش العدو باحتلال حائط البراق ومصادرة جزء من أوقاف المسجد الأقصى، وفي السنتين اللاحقتين قام العدو بهدم حي المغاربة ومساجد مقدسية، وسهل إضرام النار في المسجد الأقصى مما أسفر عن تدمير منبر صلاح الدين الذي يبلغ عمره أكثر من ثمانمائة عام. وفي سنة 2000 اقتحم المجرم شارون، زعيم الليكود آنذاك، مدعوماً بعشرات المسلحين الصهاينة، المسجد الأقصى، لتندلع إثر ذلك انتفاضة الأقصى التي استشهد وأصيب فيها آلاف الفلسطينيين. ولم يحاول الصهاينة العودة مجدداً لاقتحام الأقصى وتدنيسه إلا سنة 2007، تلاها محاولتان سنة 2008، كما هاجمت العصابات الصهيونية، في يوم الغفران اليهودي، المسجد الأقصى، ومثّل ذاك العدوان الهجمة الخامسة في سنة 2009 وحدها. وفي عام 2010 لا تزال الهجمات والاقتحامات مستمرة وفق منهجية خبيثة، ولا تزال أعمال الحفريات التي تستهدف تزوير التاريخ والبحث عن الوهم والأساطير مستمرة، ولا تزال قرارات هدم منازل المقدسيين واجتثاث العرب من القدس وتوسيع المستوطنات وتهويد المقدسات الإسلامية قيد التنفيذ.
ولا يجد نتنياهو غضاضة من دعوة السلطة الفلسطينية "للنزول عن الشجرة" والجلوس إلى طاولة المفاوضات، كما صرح أثناء اجتماع للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست يوم 3 آذار 2010 طالباً رجوعهم عن مطلب "تجميد" الاستيطان. ولم يقل نتنياهو "نزولهم من الجبال" أو "إلقاء السلاح"، وبدا مستهتراً وهو يتحدث عن هذه الفئة المرجفة التي تخلت عن الكفاح المسلح طوعاً وتمارس دور شرطي الاحتلال في الضفة الغربية، وتتآمر على مصير الأمة.
إن تطاول العدو الصهيوني وغيره من أعداء الأمة في الشرق والغرب هو نتاج لضمور وجدان شعبها. فالاستعمار القديم احتل وطننا وقسّمه وعاث فيه فساداً، ثم نصّب أعوانه ومكنهم من رقاب الناس، وأوكل لهم مهمة إفساد وإذلال الشعوب حتى يسهل له استغلال مقدرات الأمة المقهورة. والقوى الغاشمة الدولية تدعي الديمقراطية وتدعم الأنظمة المستبدة؛ تعد الدراسات والمؤلفات العلمية حول حقوق الإنسان، وتنتهك هذه الحقوق في كل حروبها، وتوكل للأنظمة المستبدة أغلب المهام القذرة. والشعوب العربية والإسلامية المقهورة، تعاني من إصابة الكثير من مواليدها بجذام أخلاقي يشوه حاضرها ويسيء إلى تاريخها وحضارتها المجيدة، فمن المسلمين من يصلي لكنه لا ينتصر للإسلام عملاً ومنهجاً، ويعتنق النفاق رؤية والكذب سلوكاً، ويظلم أخاه المسلم؛ ومنهم من يصوم لكنه طبقي لا يؤمن بالمساواة أو توزيع الثروات؛ ومنهم من يَذبح أُضحية في عيد الأضحى، ليس ليفتدي اسماعيل، فاسماعيل يذبح وحيداً في غزة وبغداد وأفغانستان يومياً، ولكن ليملأ معدته الموبوءة بلحوم الحيوانات. ونماذج كثيرة مشوهة تعيش بيننا في كل بلد ومدينة…

طبيب يعمل في أحد المشافي الخاصة، أقسم اليمين على الحفاظ على شرف المهنة، أسرّ لأحد أصدقائه يوماً أنه يشعر بإثارة عارمة عند قيامه بفحص مرضاه من النساء؛ كما يعمد إلى مداعبة الممرضات العاملات في قسمه، وأنه على علاقة بالكثير منهن، ويخدعهن بإبداء الرغبة بالزواج منهن ثم لا يلبث أن يهجرهن بعد قضاء وطره، أو يبتزهن للحصول على المال. وقد تحدث متباهياً في أحد المرات فأخبره أنه يصطاد ميسوري الحال فيوهمهم بالمرض لدفعهم للقيام بفحوصات إضافية وعيادة أمثاله من المنافقين مقابل نسب من الأموال السحت المتفق عليها بينهم. وبعد عدة مراجعات يطمئنهم أنهم قد تعافوا من مرضهم بفضل الله وبفضل خبرته ومهارته، وهو يزين عيادته باللوحات القرآنية والآيات.
 
قضية منظورة لدى إحدى المحاكم، بطلتها مترجمة مقاولة، رفعت دعوى عمالية ضد الشركة التي دربتها، وأوكلت لها ورشات عمل ورزق وفير طوال ثلاث سنوات، مدعية أنها عملت في الشركة موظفة لا مقاولة، وأنها فُصلت تعسفياً؛ وقد اعتمدت في ادعائها على بيّنات كاذبة، ونصائح مارقة أسداها لها شياطين الإنس، طمعاً في المال. وفي الجلسة العاشرة غمست يمينها المتممة في جهنم، لتستفيد من مكافئة نهاية الخدمة وبدل الفصل التعسفي وأية حقوق أخرى قد تحكم بها المحكمة. ليس هذا فحسب، لكنها قامت أيضاً ببيع ترجمات الشركة وأسرارها تلك التي اختلستها للمنافسين، كما حاولت التغرير بزميلتها في العمل ودعتها للخروج معها بصحبة أحد الرجال، لبيعها له مقابل منافع وخدمات حرام. الغريب في الأمر أنها تتهم كل من يتعامل معها بسوء الخلق. 

ميكانيكي يملك متجراً لتصليح المركبات، اعتاد خداع زبائنه وتبديل قطع صالحة في المركبات زاعماً أنها تالفة، وحتى يقنع الزبائن بأمانته، يعرض عليهم قطعاً تالفةً زاعماً أنه استخرجها من سياراتهم، وهو يعرف ألا أحد يسجل رقم كل قطعة غيار في مركبته. يعمل لديه صبي صغير يتيم، يسخّره في أعمال مهينة مقابل ثمن بخس، ويقيم علاقة غير شرعية مع والدة الصبي.

كيف يعيش أمثال هؤلاء السيكوباتيين المناهضين لمجتمعنا وقيم الخير بين ظهرانينا، وهم كثر، لا يردعهم قانون أو عرف؟ هل فقد مجتمعنا انتماءه وإنسانيته؟ هل مات ضمير الأمة ونخوة أبطالها؟ في عهد رسول الحرية محمداً (ص) كان الوحي ينزل عليه ليقرئه آيات في منافقين، لم يبلغ أكثرهم مبلغ أي من النماذج السابقة؛ أما اليوم فعلماء السلاطين وإعلام المستبدين لا همّ له إلا تكفير المقاومة وتبرير الخيانات، فالمآمرة تستهدف إفراغ الموروث الروحي لأمتنا من مضمونه الثوري والإنساني، ليتحول إسلامنا وعروبتنا إلى طقوس جوفاء، وأشياء جامدة، لا مبادىء تنتصر للعدل والحرية. 

على النخب الثورية أن تؤمن بأن الخيانة والهوان صفة غير ملازمة للأنظمة فحسب، وإنما تلازم الكثيرين ممن ولدوا في أوطاننا ثم لوثتهم تلك الأنظمة وطغمتها، وأنه يتعين فيما بعد استئصالهم من رحم الأمة الطاهرة، قبل خوض معركة المصير. 

الكاتب حاصل على دكتوراة في القانون الدولي الإنساني

 [email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى