صدام حسين ابتكر ( شيوخ التسعين ) وبوش ( شيوخ الصحوات ) .. تحولات لقب شيخ بين الوسط والجنوب قبل الاحتلال وبعده
احمد العسافي
يروى ان احد شيوخ الناصرية الكبار قال ذات يوم انه كان في الناصرية ستة من الشيوخ الذين يطلق عليهم ( شيوخ عموم ) لكن صدام حسين جعل منهم ( 600 شيخ عموم ) . ظاهرة الشيوخ بالطريقة التي حصلت فيها بعد عام 1990 عندما احتاج النظام السابق الى حشد العشائر وبعد ذلك بالطريقة التي بدات تحصل بها الان بعد المتغيرات التي حصلت في الوسط الاجتماعي ــ العشائري العراقي لاسيما في مناطق الوسط وغرب العراق على اثر ظهور القاعدة ومن ثم ظهور ( شيوخ الصحوات ) باتت من المسائل التي تحتاج الى وقفة وتساؤلات نظرا لاهميتها على البنية الاجتماعية للمجتمع العراقي .. هذا المجتمع الذي يتميز بكونه مجتمعاً ذا تكوين عشائري متجانس بكافة أطيافه وقومياته وأديانه .
ويعتز العراقي بجذوره وانتمائه العشائري ، وبنشأته في هذه البيئة التي تشبّع فيها بالقيم والتقاليد العشائرية الأصلية ، وعلى مرّ التاريخ كانت للعشائر العراقية أيام ووقائع مشهودة يذكرها التاريخ إلى يومنا هذا وخاصة في مقارعته الاحتلال وتمسكها بتراب العراق ووحدته، وخير دليل (ثورة العراق الكبرى "ثورة العشرين")، والتي سجلت فيها هذه العشائر أروع الملاحم وصور الجهاد البطولي والمواقف الأصيلة، ولقّنتْ المحتلّ الدروس في الفدائية والتمسك بأرض الوطن والذود عنها مهما كلفها من تضحيات، وكانت لشيوخ العشائر الوقفات الأصيلة التي توجّوا بها ذلك التاريخ .. ولم يقتصر دور العشائر في منطقة واحدة وإنما شملت العراق كله من جنوبه الذي انطلقت منه الشرارة الأولى إلى الوسط الذي لقّن المحتل البريطاني الدرس القاسي إلى الشمال، ليجسّد مدى التلاحم والأخوة بين أطياف الشعب العراقي الواحد الموحّد. وطيلة فترة الحكم الملكي للعراق كان للعشائر دور كبير في واقع ومستقبل الشأن العراقي حيث كان هناك مجلس أعيان العراق في العهد الملكي الذي ضمّ أغلب شيوخ العشائر العراقية المعروفة .
كما كانت للعشائر امتدادات في محافظات العراق كافة وكان شيوخها يعدون على (عدد الأصابع) في كل محافظة، واستمر هذا الوضع إلى أن قامت الجمهورية وانتهى العهد الملكي ، حيث بدأ دور العشائر ينحسر شيئاً فشيئاً وخاصة بعد صدور (قانون الإصلاح الزراعي) ، وذهاب أغلب الأراضي الزراعية التي كانت تحت سيطرة الشيوخ إلى الفلاحين وعند تسلّم حزب البعث السلطة في العراق وخلال فترة السبعينات ونهاية الثمانينات انحسر دور العشائر العراقية تقريباً عن الساحة ….
شيوخ التسعين
لكن وبعد الحرب على العراق، وأحداث عام 1991 بدأت الحكومة العراقية بالاهتمام بالدور العشائري، وبدأ صدام حسين باستقبال شيوخ العشائر وتم تشكيل مكتب خاص لشؤون العشائر مرتبط برئاسة الدولة . وفي هذه الفترة بدأ ظهور طبقة جديدة من شيوخ العشائر، بحيث أصبحت العشيرة الواحدة تضم عدداً من الشيوخ، وبدأت الهدايا (الرئاسية) تقدم في المناسبات إلى الشيوخ، والتي أطلق عليهم (شيوخ التسعين) ويقصد بهم الذين ظهروا في فترة التسعينات، والقسم منهم يعمل في التجارة أو المقاولات، وتم استغلال علاقاته ونفوذه من أجل حصوله على (لقب شيخ) والتي كانت من بين هدايا الرئيس صدام (العباءة) لقسم من هؤلاء الشيوخ مع المكافأة المادية في المناسبات الوطنية.
وشيوخ الصحوة
بوش من جانبه لم يكذب خبرا ففي الوقت الذي كان فيه العراقيون موعودين بالعولمة والاقتصاد الحر والتقدم العلمي والحضاري لكي يكون نموذجا يحتذى لما كان يسميه ( الشرق الاوسط الجديد ) واذا به بعد المتغيرات التي حصلت في العراق وخاصة في المنطقة الغربية يبدا بتطبيق سياسة ( التشييخ ) اذا صح التعبير . واذا كان صدام حسين قد اوجد مصطلح شيوخ التسعين فان بوش هو مبتكر شيوخ الصحوات . فبعد احتلال العراق في التاسع من أبريل 2003 وما جرى من أحداث شهدتها الساحة العراقية وظهور المقاومة المسلحة لقوات الاحتلال وتصاعد العمليات العسكرية واستهداف المدن العراقية المدينة بعد الأخرى وفي ظل هذا الوضع المضطرب الذي عاشته المدن العراقية وخاصة في المناطق الساخنة والتي كانت تتواصل فيها عمليات استهداف القوات الأمريكية الأمر الذي دفع بالقوات الأمريكية بالاستعانة بشيوخ العشائر في هذه المناطق للمساعدة في حماية المسلحين للسيطرة على هذه المدن ، وبالفعل فقد نجحت هذه التجربة والتي أطلق عليها (الصحوة) والتي أعطت لشيوخ العشائر دوراً مهماً في الساحة السياسية والأمنية العراقية وحتى على الصعيد الإقليمي والدولي حيث نرى الزيارات التي يقوم بها شيوخ العشائر إلى البلدان المجاورة الإقليمية وأيضاً زيارة وفد شيوخ عشائر الأنبار إلى واشنطن ولقاؤهم بالرئيس الأمريكي بوش في البيت الأبيض، وقبلها الزيارة التي قام بها الرئيس بوش إلى الأنبار ولقاؤه بالشيخ عبد الستار أبو ريشة مؤسس الصحوة.
أما المضايف الخاصة بالعشائر العراقية والتي كانت المكان الرئيس للقاءات العشائرية الصميمة وإشاعة القِيَم الاجتماعية وحلّ النزاعات الخاصة بالعشيرة وتسيير أمور كثيرة ورعاية الشيخ لشؤون عشيرته ومصالحها فقد أصبحت الآن (مضايف الشيوخ) مقراً لاستقبال قادة وجنود الأمريكان الذين تعلموا على شرب (القهوة العربية) وأصبحوا يتدخلون في حل النزاعات بين العشائر كما أصبح الجنرال الأمريكي (عارفاً) في شؤون العشيرة (فريضة) يهتدي إليه (الشيوخ) لغرض فض النزاعات بينهم وخاصة (المكاسب المادية) وحصصهم من المشاريع والمقاولات