أرشيف - غير مصنف
السعودية: الاسلاميون والليبراليون بين الشيعة والمرأة … بقلم: د. مضاوي الرشيد
بعد ان كبر سوق الفضائيات العربية واصبح فضفاضا نراه اليوم يستوعب مبادرات جديدة منها احدى الفضائيات اليانعة والتي ظهرت وبرزت بحواراتها التقريبية بين ما يسمى بالاسلاميين والليبراليين حيث يتوسط مقدم البرنامج بين شخصيتين اولاهما من التيار الاول والاخرى من الثاني.
ويطعم البرنامج بأصوات تستحضر اما لتؤجج الحوار او لتخفف من حدته. في بعض هذه الحوارات نجد ان المقدم يقدم صوتا نسائيا بين الحين والحين من مبدأ اشراك العنصر الضعيف كما وصفه في احدى هذه الحلقات. ويتبع البرنامج نمطا معروفا مسبقا حيث يبدأ بتثبيت الولاء للسلطة والمصلحة العامة ويبشر بحسن النيات والخاتمة. ما يلفت الانتباه هو منطلقات الحوار والتي قرر القائمون على هذه البرامج الحوارية ان يحصروها في موضوعين اولا موضوع الشيعة وتباين الموقف الاسلامي والليبرالي منها وثانيا موضوع المرأة حيث يؤكد البرنامج على ان هذين المحورين هما اصل الاختلاق والفرقة ومن ثم يصل الى النتيجة ان بالحوار سيقرب بين الاتجاهين المعاكسين ويعود المجتمعون الى مراكزهم بعد حلقة ساخنة يتبادل فيها المحاورون الاتهامات فهذا يصف الآخر بأصحاب فكر الكوابيس ويقوم ويرد الثاني بأن الخصم من زوار السفارات الى ما هنالك من سلسلة طويلة من الاتهامات والاتهامات المضادة التي تعكس تخلف الحوار وخطابه المتبذل رغم ان المجتمعين معروفون بثقافتهم وانجازاتهم وعلمهم. تتدحرج مثل هذه الحوارات عادة الى مساحات ضيقة ولكن اهم من ذلك ان المحاورين قد ينحدرون الى متاهات منها مثلا ان مرجعية بعض الاسلاميين لم تعد الكتاب والسنة كما كان معهودا في خطابهم بل اصبحت مرجعيتهم الجديدة هي ما قاله الملك المؤسس ويتبرأ الليبرالي من ليبراليته فيلتقي مع الاسلامي في نفس المرجعية. وبما ان الجميع يؤكد ان الاصلاح همه والولاء للسلطة دينه نجدهم يتفقون ان موضوع الشيعة في المملكة وخارجها وموضوع المرأة وحاضرها ومستقبلها هي نقاط الاختلاف ولا بد لنا ان نطرح سؤالا بسيطا: لماذا تحول المشروع الاسلامي الى موضوع محصور بالمرأة والشيعة اليوم؟ ولماذا انحسرت المسماة الليبرالية السعودية الى هذين الحيزين الضيقين. لم نسمع في حوارات الاسلاميين والليبراليين المتلفزة ولو همسة عن مشروع اكبر من هذين المحورين. هل هذا التحول نتيجة حتمية لتيارات فقدت قدرتها على تغيير المجال السياسي من خلال خطاباتها السابقة والتي واجهت الرفض والسجن والتهميش واصبح ظهورها وبروزها اعلاميا اليوم مرهونا بتجنب الكلمة المحرمة ‘السياسة’ وكيفية ادارتها ومجالاتها المفتوحة والمغلقة. وما هو دور السلطة في الانحدار الى موضوعين اصبحا محورين مفتوحين؟ لا نقلل من اهمية التطرق للاقليات وحقوقها وواجباتها ولا مركزية المرأة في اي مشروع اصلاحي لكن نستغرب ان يحصر الخلاف والتلاقي في هذين الموضوعين. ونتساءل لماذا تغيب وجوه يعرفها الجميع لم تحصر نشاطها وجهدها الفكري في موضوع الشيعة والمرأة وربما هذا هو سبب حجبها واذكر هنا شخصيات مثل عبدالله الحامد ومتروك الفالح التي لم ينذرا نفسيهما (حتى هذه اللحظة) لمشروعين لن يحلا الا باصلاح شامل يطال نظام الحكم ومعضلة التمثيل السياسي العالقة واختها قضية الدستور الى ما هنالك من مسائل شاملة تتطلب نقلة نوعية وقفزة بهلوانية فوق الكيان الحالي.
لقد غابت الوجوه والاقلام التي سطرت مسيرة مستقبلية لم تلق سوى التهميش والاقصاء والحجر على الحريات الفردية ومصادرة جوازات السفر بعد السجن وافسح المجال لمن اعتقد ان معضلات السعودية الحالية تقلصت وانحصرت في كيفية التعامل مع الاقلية الشيعية والمرأة وتحولت هذه المحاور الى اختلاف وتباين حسب اطار الحوارات الحالية. يعرف المتحاورون ان هذه المحاور لا تقصم ظهر الحكم التسلطي ولا تقلص من استمرارية الممارسات القمعية بل هي محاور لالهاء شخصيات التيارين لتتناحر وتتحارب على موضوعات لا يمكن ان تحسم كجزئية ضيقة بل هي معلقة بسبب تعليق الاصلاح السياسي الشامل واستمرارية اجترارها على شاشات الفضائيات وسيلة فعالة في تثبيت مركزية مزيفة تعتمد على حل الجزئيات ضمن اطار عام لا يزال مرهونا بالاقصاء السياسي الشامل للمجتمع وفعالياته المتنوعة والمتباينة. ان يحصر التيار الاسلامي قضيته في محور الاختلاف على مسألة الشيعة والمرأة هو تقليص واضح وصريح للخطاب الشامل والمرجعية الاولى لهذا الاتجاه الفكري والسياسي. فيضع هذا التيار نفسه مدافعا عن حقوق المرأة وهي خانة محددة كان مشروعه في السابق اكبر واعم منها. فهو يبدو في الحوارات الحالية وكأنه اصبح حارسا للفضيلة مقابل التيار الآخر الموصوف بالتغريب وافساد المجتمع فاندحرت خطابات التغيير السياسي وسلطة الامة وتمثيلها وهوية الدولة وسياستها الداخلية والخارجية وتقلصت حدود حراكه السياسي حتى اصبحت لا تتعدى فتاوى المنع والتحريم والشجب والادانة. اما في موضوع الشيعة وحقوقهم فيأخذ هذا التيار نفس المنحى عندما يتصدى لموضوع الاقليات المسلمة وتصبح عملية التعاطي معه عملية هجومية او دفاعية من باب المصلحة العامة والحفاظ على صفاء ونقاء العقيدة والمكان.
وفي الاتجاه الآخر يسوق التيار الليبرالي نفسه وكأنه ايضا هو المدافع عن الاقليات من باب المواطنة بالاضافة الى اعتبار نفسه المنقذ من كوابيس الآخرين وسوء ظنهم بالطبيعة البشرية التي تفسد علاقة المرأة بالرجل. فتتقلص الليبرالية على الطريقة السعودية الى حدود ضيقة وتركب الموجة الاعلامية التي بدأت مشغولة الى حد الانهاك بالجزئيات التي روجتها خطابات معولمة اكبر بكثير من الحدود الضيقة للتيار الليبرالي السعودي وان كانت مرجعيتهم فولتير ولوك كما يعتقد البعض فنجدهم تطاولوا على مرجعياتهم والتي لم تكن يوما ما مرجعيات معنية بالشأن النسوي والذي اصبح قضية بعد عشرات السنين في بيئات تختلف تماما عن البيئة السعودية الحالية. وان كانت مرجعية الاسلاميين القرآن والسنة فسنجد ان موضوع المرأة لم يكن ابدا الموضوع الرئيسي لدين رسالته عالمية شاملة بل هو جزء من الكل هذا بالاضافة الى ان الشيعة واسلوب التعامل معهم لم يكن مطروحا ابدا في العصور الاولى للاسلام اذ ان الدولة والمجتمع انشغلا بأمر الاقليات غير المسلمة حينها وليس بالتيارات التي نمت وظهرت بعد عقود طويلة من اكتمال الدعوة.
ان تحصر محاور الاختلاف بين التيارين المتناحرين في السعودية في موضوعات ثانوية هو عملية تسطيح واختزال لمشاريع كبيرة اجهضتها الدولة في مسيرة تغييب التعاطي مع الاولويات الملحة العالقة فكما غابت الاقلام الجادة صاحبة الرؤية الشاملة نجد ان الحوار القيم والجاد الذي يتجاوز التصنيفات السطحية التي تعمق الهوة بدل ان تردمها قد غاب هو ايضا. هذا بالاضافة الى وجود تيارات ترفض التسميات التي يلصقها الآخرون بها ويحجمون طموحها في مجالات او تسميات فارغة هي ايضا محكوم عليها بالتغييب. وطالما ظلت الساحة مفتوحة للتسطيح والاختزال لن تتقدم عجلة الاصلاح السياسي الشامل وان وجدت برلمانات منتخبة في المستقبل ستتحول هذه ايضا الى حلبات صراع تنشغل بالجزئيات ولا تجرؤ على التعاطي مع مفاصل الحياة السياسية وتجاوزات الحقوق المدنية والفردية وموضوع فصل السلطات والرقابة المؤسساتية المستقلة للممارسة السياسية.
فقبل ان نجعل الشيعة والمرأة قضيتين لحوار مسدود يجب ان يفتح الحيز العام لحوارات تتعاطى مع الامور الجوهرية التي تحت اطارها تحسم كل الجزئيات والامور العالقة. وطالما ان هناك انسدادا في الحوار السياسي المفتوح سنظل نعتقد ان اغلاق حسينية هنا وهناك او تحول المرأة الى سائق ماهر انجازات عصرية وكأننا في ملعب كرة قدم تنتهي المباراة باصابة هدف ومن ثم تتعالى اصوات الجماهير لتصفق للاعبين الاشاوس.
ومن هنا نشكك في قدرة المتحاورين على شاشات الفضائيات ان يكونوا قادرين على تجاوز الجزئي في معاركهم الاعلامية لانهم يتقيدون بأصول اللعبة السياسية الحالية والتي فرضتها عليهم سياسة تحريم السياسة الا على اقلية قليلة هي ادرى بالمصلحة العامة ولهم فقط حرية الحديث والنقاش في موضوعات معينة لا تشكل خطرا على التوجه العام لسياسة الدولة ومن هنا نستطيع ان نفهم لماذا هذا التركيز المستمر على موضوع الاقليات والتي استوعبتها السلطة اصلا وموضوع المرأة والذي هو محسوم ايضا حيث انه اصبح مقياسا لمدى الاصلاح المزعوم الذي تبنته القيادة تحت ضغط عوامل كثيرة. سيظل الاسلاميون والليبراليون منغمسين في شجون الشيعة والمرأة حتى يأتي ضوء اخضر على موضوعات جديدة ويبقى الاصلاح السياسي معلقا يحتاج لارادة اخرى وجولة قادمة لتفتح ملفاته القديمة نخبة جديدة لها رؤيا شاملة لمفهوم الاصلاح الحقيقي وليس الجزئي الذي لا يصلح الا لشاشات التلفاز والحوارات العقيمة.
‘ كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية