القدرات المعنوية للدولة العبرية
بقلم أمنية سالم
كل دولة بتعتمد علي قدرات ومقومات معنوية ، فالقوة تشتمل علي شقين شق مادي ُيسمي القوة الصلدة(والتي تتمثل في القوة الاقتصادية والعسكرية والطبيعية والجغرافية ) وشق معنوي يُسمي بالقوة الناعمة أو الرخوة (وهي تلك القوة التي تتمثل في القيم والمبادئ والمقومات الثقافية والحضارية والدينية والمورثات الفكرية والحضارية ).
ومهما عظمت القدرات المادية لأي دولة أو أي كيان فلا بد من امتلاكه لقدرات معنوية ،حتي تتكامل عناصر القوة المادية والمعنوية سواياً.
إسرائيل ذلك الكيان حديث النشاة ، رغم كل ماتتمتع به من قدرات مادية ، ودعم غربي ومساعدات مادية بأشكال مختلفة الأ انها تتمتع أيضا بقدرات معنوية متنوعة الأشكال ( دينية وقومية وتراثية تاريخية ) تتكامل مع العناصر المادية.
وهو مايستدعي ألقاء الضوء عليها : –
أولاً: القومية
القومية أي أنشاء وطن قومي لجميع يهود العالم ، يتجمع فيه يهود الشتات ، ومن هنا نشأت الحركة الصيهونية الداعية لانشاء وطن قومي لليهود ، وظهر في الحركة الصيهونية اتجاهين عُرف أحدهم بالصيهونية السياسية بزعامة تيدور هرتزل الذي دعا بأنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، وينظر لفلسطين من منظور سياسي ، وطن لليهود ، محل أنشاء الدولة العبرية وتجميع شتات اليهود ، أما الاتجاه الأخر الذي عرف بالصيهونية الثقافية نظر لفلسطين باعتبارها مركز روحي وثقافي لليهود ،ويري أن اليهود أوطانهم الحقيقة هي التي ولدوا وعاشوا في أكنافها وتمتعوا بخيراتها ، ودعا هذا الاتجاه الي انخراط اليهود في الحياة الاجتماعية للمجتمعات التي يعيشون في ظلالها ، وان يكون ايجابين في تلك المجتمعات ، ولكن للأسف هذا الاتجاه لم يغلب ، وكانت الغلبه للصيهونية السياسية لما له من قوة اقتصادية ، ودعم من الدول الغربية للخلاص من المسألة اليهودية ،ولتحقيق مصالحهم في الشرق الأوسط من خلال دولة وظيفية مزروعة في قلب المنطقة العربية ،تعوق تقدمها ، وتستنزف مواردها في الحروب ، وتتحول هذه الدول لأسواق لمنتجات الدول الغربية ، ومصدر رخيص للمواد الخام والأولية للصناعات المختلفة ، وهو الذي كان ، ولا تزل الصيهونية إلي الأن من أهم المرتكزات الفكرية والأيديولوجية للدولة .
ثانيا : الدين
المجتمع الإسرائيلي ليس مجتمع متدين ، بل أغلبه من العلمانين ، كما أن الدولة الإسرائيلية دولة علمانية ، وليست دولة دينية ثيرواقراطية ، ورغم ذلك فهناك تيارات دينية في إسرائيل تترواح بين المعتدلة والمتطرفة ، وهذا حال كل الدول العلمانية بالطبع بيوجد بها تيارات دينية تتروح مابين الاعتدال والتطرف ، لكن المميز في إسرائيل ، هو كون رغم المتدين في الدولة العبرية قلة ، وكون هذه التيارات قليلة العدد ، الأ أنها قوية التأـثير في إسرائيل ، ويسعي السياسين والوزراء لاسترضاء الأحزاب الدينية رغم ضالة حجمها ، وبالتالي فمحاولة استرضاء المتدين المستمرة ينعكس علي العديد من السياسيات والقرارت والبرامج الحكومية.
ومن جهة أخري رغم كون الدولة العبرية مصنفة عالمياً أنها دولة لبيرالية ديمقراطية ، الأ انها تلجأ دائما لاستخدام شعارات دينية من أجل الحشد والتعبئة الجماهرية في الداخل ( أي داخل إسر ائيل ) وفي الخارج ( يهود الشتات في كافة أنحاء العالم ) .
هذا علاوة علي أن اختلاط الدين بالقومية في إسرائيل تعد حالة فريدة علي مستوي العالم ، فإسرائيل الدولة الديمقراطية اللبيرالية يتحدد فيها معيار المواطنة للدولة علي أساس الديانة .
فالدين رغم علمانية الدولة والمواطنين بل واليهود بصفة عامة ، الأ انه بيتم توظيف سياسياً بشكل ملحوظ ، وهو مايجعله يلعب دوراً رئيسيا في الإسترايتجية والسياسية الإسرائيلية .
ثالثاً : الثقافة
جانب كبير من القدرات المعنوية لإسرائيل يعتمد علي التراث الثقافي اليهودي ، وأحيانا مايلتزم اليهود ابلتراث اليهودي أو الثقافة اليهودية ، الإشتراك في العديد من الأعياد والمواسم اليهودية ، والتقاليد أدي إلي ربد اليهود ثقافياً ، وتلجأ إسرائيل للإعتماد علي الثقافة اليهودية العامة للتغلب علي مظاهر الإنشقاق التي تعود إلي إختلاف المذاهب والفرق الدينية ، كما تعتمد إسرائيل علي الثقافة اليهودية العامة في تذويب الفوارق بين فئات وطبقات المجتمع في الداخل ، وأيضا في دعم العلاقات مع يهود الخارج .
وبهذا يتضح تعدد المصادر المعنوية مابين مصادر دينية وقومية وتراثية تاريخية ، وكل هذه المصادر هي التي تولد الطاقة المعنوية التي تكمل عناصر القوة المادية للدولة العبرية .