الانتخابات بين الواجب الوطني واستثمار النصر
عراق المطيري
قبل الخوض في ما انوي الحديث عنه أحاول تذكير من شاهد واحدث من لم يشاهد احتفالية أهالي منطقة الأعظمية في بغداد التي عرضتها قناة الشرقية الفضائية الساعة الحادية عشر والنصف من ليلة الأحد 7 آذار الجاري للتعبير عن شعور وطني وعن أمنية في تغيير وجوه العمالة التي باعت القطر , فقد عرض حوار مع إحدى سيدات المنطقة انتهى إلى ما نسميها هنا في العراق بالهوسة أو الأهزوجة أو الترديد الجماعي للهتاف , فقد رددت وتبعها الجميع شعار " بالروح بالدم نفديك يا صدام " وأنا اجزم إن هذا لم يكن عفوي خرج كما يخرج الهم أو تخرج الأمنيات من مكامن الصدور لا بل كان مقصودا يعبر عن إرادة المتجمهرين المحتفلين بنتائج الانتخابات ثم تحول الهتاف إلى العراق فالرئيس الشهيد يمثل العراق الحر الشامخ الذي لا يتنازل عنه كل شريف , وبنفس الجزم اقسم إن ما من غيور قد شاهد ما شاهدت إلا وسالت دموعه حارة حبا بعظمة العراق وأملا في عافيته بعد ما أصابه من ظلم وحيف وطبعا رفعت القناة هذا المقطع أثناء إعادة عرض الخبر لأني كنت انتظره وأعددت مستلزمات تسجيله ليكون الكلام مقرونا بالصورة … انتهى الخبر.
لا زلت أقول وهذا ليس بدعة أو موقف شخصي مني أو أمنية وإنما واقع حال يترجمه الفعل على الأرض وتؤكده كل البيانات والأدبيات كما تؤكده الأفعال أن كل القوى الوطنية المحبة للعراق وللحرية لا ولن تشارك فيما يسمونها العملية السياسية في ظل الظروف الحالية وان شاء الله لن اخرج أنا شخصيا عن هذا الإجماع , فأي اشتراك في حكومة تحت الاحتلال إنما هو الرضوخ إلى إرادة المحتل الأمريكي أو الفارسي ومساهمة في إذلال شعبنا وتنكر لدماء الشهداء التي سالت بكل كرم وسخاء لتروي الحرية في ارض الرافدين الكريمة الطاهرة وهو أيضا تخاذل وجبن عن أداء الواجب الوطني لتحرير القطر … ولكن لماذا أصرّ أبناء شعبنا في داخل القطر وخارجه على الإدلاء بأصواتهم في هذه الممارسة وبهذا الحجم خلافا لما سبقها ؟
بداية أرجو التفريق بين المشاركة في هذه الممارسة بصفة مرشح وبين دعم أشخاص بعينهم يشاركون فيها , فالأولى اعتراف بها وبالتالي اعتراف بالدستور الذي شرعها وينتهي إلى نتيجة هي الاعتراف بشرعية الاحتلال وما ترتب عليه, أما الحالة الثانية فهي استثمار الثغرات التي أغفلها ذلك الدستور لصالح المشروع الجهادي الذي يدعم ثوابت المقاومة والتحرير واثبات لقدرات فصائل المقاومة في فرض إرادتها التي تمثل إرادة الشارع العراقي وتوفير فرصة تساهم في إنقاذ شعبنا لا تقل في أهميتها عن دور البندقية الجهادية بل تؤازرها وتشد من عزم رجالها وتوفر لهم التغطية اللازمة لإدامتها لانجاز الهدف السامي لما يوفره هذا من اختراق وتأثير في صناعة القرار والاتجاه به لصالح مغاير لإرادة الاحتلال , ويخدم تحرير القطر .
الجميع يعلم إن الانتخابات التي يسمونها ديمقراطية في العراق لعبة ابتدعتها إدارة الاحتلال الأمريكي كتبرير أخير لغزوها لقطرنا بعد أن سقطت كل التبريرات التي سوقتها إدارة سيء الذكر بوش الصغير من امتلاك القطر لأسلحة الدمار الشامل وشخصنة الحرب وحصرها بالقيادة الوطنية العراقية وما إلى ذلك من مسوغات اتفق الجميع على بطلانها , وقد استثمر ملالي الفرس هذا المسوغ للنفاذ والتغلغل للسيطرة على شعب العراق فما استحال على إيران تحقيقه طيلة الفترة الماضية من حكم العراق الوطني وفرته أمريكا لها لتحققه مع بداية غزوها عن طريق عملاء مزدوجي الولاء وكما هو معروف أن المقاومة العراقية لم تتوقف منذ بداية الغزو الأمريكية فقد تحولت تكتيكات المعارك من المواجهة النظامية بين جيشين إلى حرب عصابات ومقاومة شعبية واستنزاف قدرات العدو المحتل بناء على ما افرزه اختلاف قدرات الآلة العسكرية التي يمتلكها طرفي القتال , فإذا كان جيش الاحتلال الأمريكي يتفوق تسليحا إلا انه يبقى يفتقد إلى أهم عنصر في القتال , يفتقد إلى الإيمان بعدالة القضية وهذا ما كان عنصر الضغط الحسام في نتائج المعارك التي دارت خلال السبع سنوات الماضية وما قبلها من سنوات الحصار الظالم ، أدى في النهاية إلى انكفاء قوات الغزو خارج المدن تمهيدا لانسحابه النهائي وهو يجر أذيال الخيبة والانكسار وهذا جانب واحد من المعارك الشرسة وعلى أهميته العظمى فهو ليس عنصر الحسم الوحيد والنهائي لان الاحتلال الأمريكي كما أسلفنا قد فرخ احتلال إيراني وكذلك عملاء يرعون مصالحهما وهؤلاء اخطر من الأمريكان لأنهم يتغلغلون تحت عناوين مختلفة بين أبناء شعبنا ويتخفون تحت لباس قذر اسمه الطائفية التي مزقت كثيرا في أحشاء شعبنا بعد أن أسسوا لها دستورا مبني على محاصصة طائفية واثنية وأصبحنا بحاجة للحفاظ على بناءنا الحضاري إلى القضاء عليها كجزء من الواجب الوطني بانتهاج كل الوسائل المتاحة قبل أن يستفحل أمرها وتقضي على وجود شعبنا .
في العراق اليوم الكثير من المشاريع التي طرحتها تحالفات قوى الاحتلال جميعها تطرح من خلال فعلها وممارساتها ثقافة تبتعد إلى أقصى حد عن الوطنية والولاء للوطن وتتركز في بناءها ضمنا على إثارة الفوضى الطائفية والعرقية أدت إلى اقتتال وتناحر يتجه بالقطر بشكل خطير نحو الهاوية وسائله القتل والتهجير كمرحلة أولى ثم الاجتثاث والإبعاد وقطع الأرزاق بعد أن استغاثت السجون وضاقت بسكانها قسرا من الشاب الوطني الرافض للاحتلال كمرحلة تالية ناهيك عن سرقة ثروات القطر بعد تدمير ركائز اقتصاده وهنا أصبحنا نقف على مفترق طرق يؤدي باتجاهين بين أن نكون أو لا نكون , بين انتهاج شتى الوسائل المشروعة ضمن ثوابتنا في الجهاد والتحرير واستثمار كل الفرص لتحقيق كينونتنا أو أن نقف عند البندقية وحدها فنكون في زاوية محددة على امتداد مرحلة استمرت لما يقارب القرنين بين الحصار والاحتلال المباشر وهنا ينبغي ملاحظة الموقف الرسمي العربي من الاحتلال والمتمثل باعترافه بالحكومة الحالية من خلال الزيارات التي قامت بها رؤوسه إلى العراق وإعادة فتح سفارات لهم في بغداد باستثناء الموقف السعودي المشرف أي بمعنى مقاومة محاولات تجفيف منابع المقاومة بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية وعدم قبول الدعم المشروط والعزم بعد الاتكال على الله بالاستمرار حتى يأذن بنصره .
أن المعركة الحقيقة هنا والصمود الحقيقي هو هنا وتحدي العدو الحقيقي هو هنا على ارض العراق وضمن حدوده الإقليمية والبطل الحقيقي من يصبر على لهيب المعارك اليومية على تعدد اتجاهاتها ومن يقتسم خبز أطفاله على شحته بين يتيم وبين رصاصة تديم زخم المعركة ويربط الحزام على بطنه ليقاوم جوعها مثله الأكبر في هذا شيخ الجهاد والمجاهدين المجاهد عزة الدوري وهو وحده فقط من حقه أن يقرر الوسيلة التي تعجل من التحرير .
وفقا لما تقدم فان شعبنا فهم الدرس واستجاب لمشروع زرع نماذج وطنية تمتلك قابلية عالية من الحصانة والمبدئية في برلمان الاحتلال ودعم محاولة إيصالها إلى الأغلبية لتعمل على تغيير القوانين والتشريعات التي سنها المحتل وتوقف المزيد من الانزلاق الأعمى في أحضان الاحتلال الأمريكي الفارسي وترعى مصالح شعبنا وتساعد في إنقاذ ضحايا الاحتلال في الوقت الذي توفر غطاءا مناسبا ودعما للمقاومة الوطنية وذلك واجب وطني لا يقل في أهميته عن دور البندقية المقاومة وذلك ما نجحنا به لحد الآن من خلال تتبع مسار الأحداث الجارية في القطر رغم كل جهود المحتل وعملائه في الاجتثاث والاعتقالات ومحاولات التهميش والإبعاد وهو السر الأعظم في الإصرار على التصويت وهو سر الفرح الكبير بهذا النصر ولازلنا نؤكد إن هناك فارق كبير بين المشاركة في الانتخابات وبين دعمها وان غدا لناظره قريب .