هل هي جامعة للدول العربية .. أم لمصر !؟

عبدالرحمن محمد
ما أن يُثار موضوع تدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية حتى تثور ثائرة النظام المصري وإعلامه وسياسيه وكأن ذلك الموقع  في نظرهم يجب أن يبقى حكرا على المصريين دون غيرهم من العرب ولا تنازل عنه ، ولعل أغرب حجة يتحججون بها هي أنهم حريصون على الجامعة العربية لأنها ستنهار إذا تولّى أمانتها عربي غير مصري ، وهذا الإدعاء المجحف والمهين لكل العرب من غير المصريين جاء على لسان أحد أعضاء مجلس الشعب المصري عند مشاركته في برنامج على إحدى الفضائيات حول موضوع تدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية بين الدول الأعضاء ، وفي هذا السياق قلل وزير الخارجية المصري أبو الغيط من محاولات بعض الدول العربية تدوير منصب الأمين العام ، مؤكدا أن " هذه المسألة محسومة بالنسبة لمصر .. وقال في عجرفة واضحة : إذا كنا نسعى إلى عمل عربي إلى الأمام دعونا نرى أمينا عاما قادرا على العمل في مقر الجامعة في القاهرة .. وأوضح أبو الغيط ، في حديث مع الإذاعة المرئية المصرية أن " الامين العام المقبل للجامعة العربية سيكون مصريا وأن العرب متفقون على هذا المنهج " ، وأضاف أبوالغيط أن " إن إختيار منصب الأمين العام للجامعة العربية يكون من البلد التي يوجد فيها مقر المنظمة العربية وهو أمر يسهل من قيامه بمهام عمله "، مؤكدا على وجود "إجماع عربي على هذا الأمر" ، تصريح الوزير المصري يبدأ وينتهي بتناقضات ومغالطات لا تنطلي على أحد ولا يمكن أن تزيل ما يتضمنه من إستعلاء وإستخفاف بقدرات غير المصريين من أعضاء الجامعة التي هي جامعة للدول العربية ولا تخص مصر وحدها ، وأولى تلك التناقضات قوله إن هناك إجماعا عربيا على هذا الأمر ، والإجماع يعني أنه : ما يتيقن أنه لا خلاف حوله بين الدول الأعضاء في الجامعة ، بينما يعترف في تصريحه أن بعض الدول العربية تحاول تدوير منصب الأمين العام ، فأين الإجماع وأين الإتفاق على المنهج بين العرب الذي يتحدث عنه ، ثم حتى وإن كانت الجزائر وحدها التي جاهرت برأيها حول أهمية وضرورة تدوير المنصب إنطلاقا من أن ميثاق الجامعة لا ينص على أن أمينها يكون من مواطني بلد المقر فإن ذلك يؤكد أن المسألة ليست محسومة كما يدعي في تصريحه ، إن  السيد الوزير أغاظ ويغيظ  الكثيرين إن لم نقل كل من يستمع إليه بتصريحاته المريبة حول مختلف القضايا العربية وليس أشهرها أو آخرها تصريحه الذي أطلقه في أعقاب اقتحام الفلسطينيين المحاصرين صهيونيا ومصريا في غزة معبر رفح للحصول على ما يقيم أودهم وينقذهم من الموت جوعا ومرضا ، وتوعد فيه بكسر رجل كل من يعبر الحدود المصرية ، وأبو الغيط يعلم هو نظامه علم اليقين أن اقتحام المعبر كان خطوة اضطراريه من أهالي القطاع بعد أن فاض الكيل بهم أخذا  فى الاعتبار أن الاقتحام جاء بعد 8 أشهر من الحصار والاغلاق التام للقطاع والذي أوصل الأطفال والنساء والشيوخ إلى مرحلة أنهم ينامون الليالى الطوال جوعى وأن الكثيرين منهم يموتون بسبب عدم وجود الغذاء والدواء .. ويبدو أنه يرى أنه بسبب ما بين مصر والجزائر من خلاف حول كرة القدم ينفي عن الجزائر عروبتها ويُفقد رأيها حول منصب أمين الجامعة قيمته أو يجعله كأن لم يكن ، ثم ما معنى أن يتبجح بقوله : إذا كنا نسعى إلى عمل عربي إلى الأمام دعونا نرى أمينا عاما قادرا على العمل في مقر الجامعة في القاهرة " وهو يقصد بذلك كما هو واضح أن الأمين العام المصري الجنسية هو الوحيد القادر على أداء عمل عربي يسير بالأمة الى الأمام ، ومن الواضح أيضا أن السير إلى الأمام هو بالنسبة له الإستمرار في الإتجاه الذي يتوافق مع سياسة وتوجيهات النظام المصري حول مختلف القضايا العربية وفي مقدمتها قضية العرب الأولى فلسطين والتي فرط فيها النظام المصري بإعترافه بالكيان الصهيوني الذي أقامه مغتصبوها على أشلاء الشعب الفلسطيني ، ويمارس ضغوطا وحصارا خانقا على من بقي من الفلسطينيين متمسكين بحقوقهم في مقاومة الإحتلال وإستعادة وطنهم وحقوقهم المشروعة التي تكفلها لهم القوانين والشرائع السماوية والوضعية ، في الوقت الذي يساند وينحاز إلى الطرف الفلسطيني الذي إستسلم للإحتلال وإنصاع لهيمنته ، ومن بين مغالطات أبو الغيط قوله : إن إختيار منصب الأمين العام للجامعة العربية يكون من البلد التي يتواجد بها مقر المنظمة العربية وهو أمر يسهل من قيامه بمهام عمله " ، فهل جميع المنظمات العربية والدولية المشابهة للجامعة العربية يتم إختيار أمينها أو رئيسها من بلد المقر لتسهيل مهامه ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، هل أمين منظمة الأمم المتحدة أمريكي ، وهل رئيس منظمة الدول المنتجة للنفط نمساوي ، ألا يعلم أبو الغيط أن تدوير المنصب على جميع الدول العربية الأعضاء يتماشى مع طبيعة المنظمات الإقليمية والدولية عندما تضم أطرافا متعددة ، حيث يكون هناك تداول عن طريق التصويت أو الإقتراع أو عن طريق التوافق أو عن طريق التزكية في مناصب المسؤولية ، وهو ما يحدث في الاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وفي منظمة الأمم المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي وفي منظمة الأمن والتعاون الأوروبي ، وفي كل التجمعات الدولية ، فلماذا لا يحدث في الجامعة العربية ؟ . . إن السؤال المحير الذي لا بد أن يُطرح هو: عن أي جهة في المؤسسة السياسية المصرية ولمصلحة من يعبر ذلك الخطاب الدبلوماسي والإعلامي المصري المتعجرف والمتعالي علي العرب  والذي لا يترك أبو الغيط ، وبعض أزلام النظام في وسائل الإعلام المصرية مناسبة أو فرصة إلا ويخرجون على صفحات الصحف والفضائيات ليزيدوا  من خلاله الأجواء العربية تعكيرا ؟
عبدالرحمن محمد
13/3/2010

 

 

 

Exit mobile version