خيري حمدان
سألته ما بالك صمتّ والقدس يحتضر؟ قال وأنت صمتّ طويلاً، وهل يفيد الكلام على أية حال؟
قلت له دعنا نتناسى خلافاتنا الآن ونحاول إنقاذ ماء الوجه!
أجاب بحيرة، ماء الوجه أم القدس تريد أن ننقذ؟
صحيح .. لا يمكننا أن نشعر بالفرح والنشوة حين نجلد تسعون جلدة بدل من المائة.
هل ننهي هذا الحوار عند هذا الحدّ؟
قلت له، بل قُلْ كلّ ما لديك، لا تستحِ .. انفتق غشاء البكارة. لا عودة عن المضي في هذا الطريق حتى نهايته.
والعرب؟
لا أدري من طرح السؤال أولاً، على أية حال صحت حزينًا.
هناك من سلخ جلد العربيّ عند مدخل مصنع أو مسلخ للحوم، العربي الذي ما زال يحاول أن يطعم أولاده نوى الحياة، وعند المساء يغمى عليه من شدة الإرهاق والتعب، تأتي الابنة تطلب منه حسنة لتأكل فطيرة في المدرسة، وتهمس: يا أبي ساعدني في حلّ مسألة الحساب لحظات قبل أن يشخر في نومه كالمذبوح.
لا أريد من هذا العربي أن ينتحر مجددًا من أجل قضية خاسرة!
قلت له بأننا نسينا خلال الخمسمائة عامٍ الماضية أن نبني إنسانًا قويمًا معافى، فكيف تريدني اليوم أن أنفخ في الصور لأحضر هياكل عظمية للذود عن نموذجٍ للقدسية! القدسية أن يكبر الفتى في بيت دافئ أيضًا. ما نفع الردح الآن يا صاحبي؟ نحن نعرف جيدًا بأن تحت الأقصى ملاعب للغولف وكرة القدم ومراقص. نعرف ذلك منذ عقود طويلة! لكننا صمتنا وظننا بأن أمواجًا بشرية ستنطلق نحو القدس لحمايته ومنعه من السقوط! نسينا يا عزيزي قوانين الجاذبية الأرضية. هل يمكن أن تبقى الحجارة معلقة فوق سذاجتنا وخشيتنا من الريح إذا اشتدت، في الوقت الذي نسينا أن نغرز الأوتاد في الأرض لمنع انهيار خيامنا، ولكننا رضخنا حين زُرعت الأوتاد في مؤخراتنا عنوة! حتى أن بعضنا شعر بالحبور وطالب فيما بعد بالمزيد من الأوتاد لزرعها في المؤخرة. طالبوا بأوتاد أعرض وأطول.
نحن الذين رفضنا فهم قوانين الجاذبية فسقطنا من ارتفاع شاهق، نحن العابثون بجينات المواطن العربي حتى بدا مسخًا، يأكل الأرز ويستلقي على ظهره لينظف أسنانه بسواكٍ ألماني!
قال لي أرجوك .. اصمت! لا أريد من أحدٍ الدفاع عن القدس الآن. لا بدّ أولاً من نزع الأوتاد من مؤخراتنا ومضى مبتعدًا نحو دورات المياه.