تسود حالة من القلق والترقب الأوساط الشعبية والسياسية في مصر لغياب الرئيس حسني مبارك في رحلة علاجية في الخارج. ويعزو مراقبون هذه الحالة إلى عدم وجود نائب للرئيس ، باعتبار أن وجوده ربما يضمن استقرار الأمور ويكرس الانتقال السلس للسلطة كما حدث بعد الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات.
ورغم سعي الإعلام الحكومي ورجال الدولة إلى طمأنة الشعب بصورة يومية إلا أن هذا لم يكن ، في رأي مراقبين، كافيا بالنظر إلى ما جرت عليه العادة من اعتبار صحة الرئيس من "التابوهات" التي يحرم الخوض فيها. ويرى هؤلاء المراقبون أن هذا ينطبق بصورة أكبر على مبارك الذي يحكم منذ عام 1981 ، وهو ما يعني أن 71% من المصريين ولد وعاش في عهده.
ووسط حراك سياسي وإضرابات داخلية وتوترات إقليمية ، تظل أخبار تطورات الحالة الصحية للرئيس في المستشفى الذي يعالج به في جنوب ألمانيا شغلا شاغلا للمصريين كل صباح.
ومن الأشياء التي زادت من مشاعر القلق بشأن الحالة الصحية للرئيس اللقطات التلفزيونية التي بثها التلفزيون المصري وعلق عليها بالقول إن الرئيس بدا في حالة طيبة، حيث ترددت شائعات عبر مواقع الانترنت تشكك في سلامة هذه اللقطات واعتبرت أنه أجريت لها تعديلات حتى تجعل الرئيس البالغ من العمر 81 عاما يبدو في سن أصغر.
ويرى مراقبون أن ما يحدث في مصر مشهد استثنائي اتفقت عليه المعارضة والنخبة السياسية الحاكمة بالتوافق مع كل فئات الشعب المصري وهو عدم استغلال مرض وغياب الرئيس في لهجة حواراتها عن تغيير نظام الحكم، والإجماع على الدعاء له بالشفاء والصحة.
ولفت ذلك نظر الكاتب والمحلل السياسي المعروف عمرو حمزاوي فكتب :"على الرغم من الاختلاف الحاد "والمشروع" حول توجهات وسياسات النظام ، إلا أن معظم قيادات وأقلام المعارضة تسامت عن استغلال رحلة الرئيس مبارك العلاجية لأهداف سياسية. وهي في هذا عبرت عن إجماع شعبي رائع وأصيل يحترم قدسية المرض".
وليست هذه المرة الأولى التي يساور فيها المصريين حالة من القلق على رئيسهم والتعاطف معه، وربما كانت المرة التي سجلت فيها أعلى درجات القلق والتعاطف هي التي أعقبت أنباء محاولة الاغتيال التي تعرض لها في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا عام 1995 . وظهر ذلك جليا في خروج المصريين في جموع حاشدة ومن مختلف الفئات والتوجهات في حالة قل أن تتكرر من "الاستنفار الشعبي" لاستقباله والاطمئنان عليه بعد عودته سالما من أديس أبابا.
وعمت حالة من القلق على الرئيس والتعاطف معه بعد وفاة حفيده العام الماضي حتى أن بعض المعارضين رأوا أن وفاة الحفيد زادت من شعبية ليس الجد فقط وإنما الأسرة كلها.
ويعزو مؤيدون للرئيس القلق المخيم على الساحة المصرية بشأن الحالة الصحية للرئيس إلى "الدور الكبير الذي يقوم به في الحفاظ على استقرار البلاد وحفظ دماء أبنائها بانتهاجه دوما سياسة مسالمة وهادئة". وكتب واحد من هؤلاء في تعليق على الإنترنت "وحشت مصر .. البورصة عايزاك ياريس" بعد تراجعها لثلاثة أيام متواصلة هذا الأسبوع.
وكان الإعلام الرسمي المصري هذه المرة أكثر شفافية في التعامل مع أنباء تطورات حالة الرئيس الصحية كما كان الإعلام الخاص أكثر حرصا وتحفظا في التعامل مع أخبار صحة مبارك وبدا ذلك جليا في الالتزام حتى بمنطوق البيانات الرسمية في وصف مرض الرئيس.
وربما يرجع ذلك في جانب منه إلى الخوف من التعرض لما حدث للصحفي المصري إبراهيم عيسى من اعتقال ومحاكمة بتهمة نشر أخبار كاذبة عن صحة رئيس الجمهورية، وصدر ضده حكم بالسجن سنة وغرامة خففت بعد ذلك إلى الحبس شهرين قبل أن يصدر مبارك قراراً جمهورياً بالعفو عنه.