حماس ولعبة المصالحة والمعابر!
بقلم: زياد ابوشاويش
قبل عام ونيف وفي اجتماع ضم عدداً من فصائل العمل الوطني بدمشق وجلهم من معارضي السلطة في رام الله توجه أحد الأمناء العامين لفصيل نحترمه بالكلام للأخ خالد مشعل قائلاً: " كان عرفات يشغلنا عنده ولكن كنا نحصل منه على مقابل ذلك، أنتم في حماس تريدوننا أن نشتغل عندكم ولكن بلا مقابل ".
أردت بهذه المقدمة أن أشير لأمر يتجاهله إخوتنا في حماس وهو أن أقرب حلفاءهم يرون في سلوكهم السياسي والسلطوي في غزة وغيرها ما يستحق النقد، وأنا أضيف بأن هناك ما يستحق اللوم والإدانة العلنية، فلست فصيلاً يراعي متطلبات العلاقة وغير ذلك من مجاملات أودت بنا سابقاً وستودي بنا لاحقاً إن لم نتوقف عنها ونصارح بعضنا البعض بالحقيقة.
حرصت في الفترة السابقة أن أتجنب نقد حماس إلا من رسالة واجب للسيد خالد مشعل ضمنتها نصيحتي له، وعلى ما يبدو أن لدى قادة حماس من العصمة ما يقيهم شرور نصائح العباد.
اليوم أرى لزاماً أن أتناول حركة حماس بالنقد في جملة مسائل سأركز على اثنين منها هما المصالحة والمعابر. وقبل أن أبدأ يجب أن يعلم القارىء الكريم أن نقدنا لحماس ليس من باب التأييد أو الاصطفاف مع طرف آخر أو مع السلطة في رام الله فهؤلاء تلقوا منا سيلاً هائلاً من النقد واللوم والتقريع وهم يمارسون سلوكاً في الشأن الوطني وفي المواجهة مع العدو يخالف كثيراً من قيم المقاومة وبرنامج التحرير الذي يحمله اسم منظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح".
الوقت مناسب لتوجيه النقد فربما يستجيب قادة حماس ويقدموا للشعب الفلسطيني المظلوم فسحة من أمل بمستقبل يحققون فيه بعضاً من آمالهم في وطنهم، ولن يعفيهم من هذا كل ما يقومون به من نشاطات شكلية لدعم معركة الأقصى التي تستحق خطوات جدية وعملية ووازنة كالعودة للمقاومة وإيلام العدو في عقر كيانه أو التوجه مباشرة للوحدة الوطنية ولو على حساب الذات أو التوقف عن ممارسة السلطة بذات الطريقة التي انتقدت عليها حركة فتح والرئاسة في السابق. أو بشيء من التضحية ببعض موازنتهم للقدس وللحفاظ على ممتلكات الناس هناك وخاصة أن حماس تلقت ملايين الدولارات تحت عنوان الدين الإسلامي والمقدسات التي تقاتل من أجل استرجاعها أو حمايتها.
الكل يعرف أن حماس أوقفت المقاومة منذ انخرطت في اللعبة السياسية الناجمة عن اتفاق أوسلو التفريطي وأن تشكيلها لحكومة تحت الاحتلال ينزع عنها صفة المقاومة وقد حذرها كل من أيد حقها في المشاركة بالقرار السياسي الفلسطيني وأيد عملياتها العسكرية العظيمة والمؤلمة للعدو من نزول انتخابات لن تكون سوى أحد إفرازات أوسلو، ولكن كان هناك قرار من الإخوان المسلمين بخوض تجربة شبيهة بتجربة مصر والجزائر لإثبات وجود ثقل وازن للحركة وليس للتفوق الذي فاجأهم كثيراً بشهادة قادة حماس أنفسهم الذين لم يعلموا أن نجاحهم هذا كان أسوأ مصيدة لنا ولقضيتنا ولهم، واليوم حماس تمنع المقاتلين من التوجه لساحات الوغى تحت ذريعة التهدئة أو الهدنة كما ترغب في تسميتها، وقد سمعنا إطراءً من السيد محمد دحلان عضو اللجنة المركزية لفتح ومسئول الإعلام فيها لسلوك حماس بمنع الناس من إطلاق الصواريخ واعتقال من تصلهم أخبار عن نيتهم في عمل ذلك. طبعاً المعلومات ليست من إعلام فتح فقط بل من أخوة مقاتلين في قطاع غزة وبالعشرات، وشهادتهم لا غبار عليها حول ذلك، وهم مقاتلون في فصائل حليفة جداً لحماس، ولا أظن حماس تنكر هذا بل تتهم من يقومون بالمقاومة بأنهم عملاء للاحتلال ويريدون تدمير القطاع الصامد. هذا الحديث قصدت منه نزع الذريعة من حماس حول أنها مقاومة والآخرين مستسلمون.
يمكن لحماس أن تنتقد رئيس السلطة أبو مازن كل ساعة على مواقفه الخاطئة من جملة من المسائل الجوهرية والثانوية وبالخصوص موقفه الغريب من اعتبار المفاوضات الطريق الوحيد للحصول على حقوقنا في تناقض تام مع كل تجارب الشعوب والدول ونحن سنكون مع حماس في هذا وأكثر، لكن الرئيس الفلسطيني الذي يجاهر بأنه لم يتنازل حتى اللحظة عن أي قضية رئيسية من قضايا الحل النهائي يتخذ مواقف عملية تجاه المصالحة والوحدة الوطنية ومن خلفية الاعتراف بثقل حماس وشرعيتها الوطنية، بل وبادر الرجل بتوقيع الورقة المصرية التي لنا كما لفتح وحماس ملاحظات جدية عليها، غير أن ذلك يصغر أمام هدف المصالحة والوحدة في إطار الرؤية الحالية لمعركة شرسة وقاسية فتحها علينا الإرهابي بنيامين نتنياهو وحكومته العنصرية المتطرفة. نعرف كغيرنا أن هناك قسماً من حماس يتطلع بشوق لإنهاء هذا القطوع المؤلم من تاريخ الثورة الفلسطينية وحماس وهؤلاء يشعرون بنبض أشقائهم وعلى الأخص في غزة التي تذوقت طعم المرارة من الانقسام والتي دفع أهلها ثمناً باهظاً لتفوق حماس وتذبذبها بين أطماع السلطة والنفوذ وبين أدبياتها ومنطلقاتها الدينية والوطنية.
وحتى يتضح لمن لا يعرف التجربة على صعيد الجبهات الوطنية والتحالفات المؤقتة والدائمة نعيد تأكيد ما يلي: في إطار معركة التحرر الوطني وبناء جبهوي للمقاومة وحركة التحرر المعنية فإن البقاء ضمن إطار الجبهة برغم وجود تعارضات بل وتناقضات هو أكثر جدوى لعملية التحرر من الانقسام والخروج، كما أن لجم التوجهات الوسطية والتنازلات المجانية يصبح أكثر فعالية بوجود الجميع داخل الإطار العام للجبهة الوطنية وهو ما ينطبق على منظمة التحرير الفلسطينية في الحالة الفلسطينية.
إن حماس ملزمة بكل المعاني في الذهاب مباشرة لتوقيع ورقة المصالحة وليس فقط لأن الظرف صعب والهجمة الصهيونية الأمريكية عاتية ومدمرة بل لأن مصلحة حماس بالذات تقتضي ذلك قبل أن يفوت الوقت، وكما ذكرنا في نصيحتنا للسيد مشعل بأن خسارة طفيفة اليوم أفضل من ربح مؤقت ينتج خسارة فادحة في المستقبل.
إن لعبة الشد والرخي في قضية المصالحة خطرة وعلى حماس التوقف عنها الآن ولن يلومها أحد لو وضعت ألف تحفظ على بعض بنود ورقة المصالحة لأن كثيرين غيرها لهم نفس الملاحظات وأكثر وأنضج على الورقة وليس من زاوية مكاسب لحماس أو لغيرها تنجم عن تطبيق الورقة كما يريد المحاصصون.
إن اتهامات تصدر عن عدة جهات فلسطينية وعربية ودولية تقول أن حماس تنصاع في موقفها الرافض للتوقيع لإملاءات من دول إقليمية نافذة كإيران وأن الأمر يرتبط بالتمويل وبحسابات خارج نطاق القضية الفلسطينية، بل يذهب البعض للقول أن حماس تضع نفسها ورقة في ملف المعضلة النووية التي تتتالى فصولاً بين الغرب وأمريكا خصوصاً من جهة والجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة أخرى؟ فهل هذا معقول وهل تقبل حماس أن يقال عنها ذلك في ظل رغبة عارمة من الشعب الفلسطيني لإنهاء الخلاف والتوحد لمجابهة العدو ولعودة الجميع لمواقعهم الطبيعية في إطار الجبهة الفلسطينية المقاومة؟.
وحول موضوع المعابر كأحد عناوين النقد الذي يوجه لحماس في ممارستها لسلطة حصرية تضعها بيدها للأسف وتسخرها لخدمة الحركة قبل القضية الفلسطينية نورد لها ملاحظات سمعناها من كثيرين وتقول أن سلطات حماس التنفيذية تمارس تمييزاً بين الناس للخروج والدخول من معبري رفح وايريز وهذا التمييز يأخذ أشكالاً مختلفة وتتنوع أساليبه ولا داعي للشرح هنا، كما وتعطي الأولوية لأعضائها ومناصريها بطرق مختلفة وملتوية والنماذج كثيرة وقد لمستها بنفسي وأطليت عليها شخصياً ولا أرغب هنا في ذكر وقائع وأسماء حرصاً على عدم إخراج الموضوع من إطاره العام لخصوصية تضر بنا جميعاً. وباختصار نتمنى على حماس في غزة وفي كل مكان أن تنتبه لممارسات محازبيها ومناصريها، فالفساد ليس حكراً على جهة معينة في فلسطين ومهما كانت درجته يجب محاربته وعلى رأس محاربة الفساد إقامة العدل بين الناس وتطبيق القانون والنظام على الجميع.
وفي الختام أتمنى أن يتفهم الإخوة في حركة حماس وقيادتها على وجه الخصوص أن من يحرص على المصلحة الوطنية العامة ومصلحة حماس ضمناً لابد أن يقول كلمة حق لهم ونحن قد قلناها اليوم قبل أن تصبح بلا قيمة في الغد وليسامحني الله إن جانبني الصواب هنا أو هناك….المجد للشهداء.