أرشيف - غير مصنف

احترس ..قد تكون هو !!

بقلم الأديبة / دينا سعيد عاصم

 

كان فنانا عظيما..نحت تمثالا هو آية فى الجمال ورآه خاليا من النقائص واشتد تعلقه به وهام حبا بما صنعت يداه فقد كان يجسد فى عينيه عبقريته والكمال على الارض بل لقد أشعره انه فى مصاف الالهة التى كان يعبدها فى الاسطورة..فما كان منه الا ان توسل للآلهة ان تنفخ فيها الروح لتصير مثالا  حيا على عبقريته..وقد كان

 

عاش بيجماليون اسعد الاوقات مع المرأة التى صنعها بيده وابتكر كل تفاصيلها واحب فيها نفسه وغروره بعبقريته..كان يختار لها ملابسها بل وحتى ماتأكله ونسى انها لم تعد تمثالا بل هى انسان دبت فيه الروح التى تهفو للحرية والخلاص من أى قيد حتى لوكان ذهبيا…

 

تمردت..ثارت.. تركته الى حيث حياة أخرى لارب  ولا سيد  لها بل هى سيده نفسها وربة نفسها واختياراتها…جن جنونه..

طاردها وحبسها ..

 

ثم طالب الالهة ان يعيدوها له تمثالا لترجع ملكا خالصا  له..فلما عادت تمثالا…حطمها حتى لا يستمتع بها احد غيره!! وجلس يبكى حبه وصنيعته وعبقريته التى حطمتها الأنانية وحب التملك..كانت تلك هى الأسطورة…

 

 فانظروا حولكم وقولوا لى كم بيجماليون تعج بهم حياتنا..؟!

 

هل بيجامليون هو الأب الذى يصر ان يعيش ابنه تحت عباءته ويمتهن ما يريده هو..  بل ويدرس ماكان يتمناه هو..يسرق أحلام ابنه ويستبدلها بأحلامه هو..يستغل أبوته لتحقيق مالم يحققه هو شخصيا فى ابنه من منطلق انه ادرى بمصلحته!! فيحاول ان يكفيه عناء التجربة طالما هو قد جرب…يريد ان يبدأ ابنه من حيث انتهى هو

والحقيقة  التي نساها ..أو تناساها أن ابنه لابد ان يحيا تجاربه بنفسه وان يعيدها ليتعلم فليس هناك علما بلا ثمن..

 

هل بيجامليون تلك الام التى تعتبر ان ابنائها إرثا خالصا لها من حقها ان تختار لهما حياتهم بل وشريك الحياة نفسه ..

 

وتتدخل فى شئونهم ليس بالنصيحة والتوجيه فحسب وانما بالقهر والاجبار والتهديد بالمقاطعة..

 

هل بيجامليون تلك  الزوجة التى شاركت زوجها حياته وساعدته وترى انه ليس فقط من حقها مشاركته النجاح ولكن تجثم على انفاسه وتعد عليه سكناته وحركاته وتذكره دوما بأفضالها واموالها وانه لولاها ماكان …لذا..فعليه الطاعة العمياء والا مصيره التحطيم كتمثال بيجماليون…

 

فتأخذ بسيف الحياء هى وامثالها مالا يحق لهم وما اخذ بسيف الحياء فهو باطل "حديث شريف" فإن تمرد المسكين وازاح "برقع الحياء" كان التحطيم مصيره!!

 

لقد نسى هؤلاء وغيرهم الكثيرون  ان مايفرق الانسان عن اى مخلوق هو حقه فى الاختيار ولا احسب الامانة التى عرضها الله سبحانه وتعالى على السماوات والارض والجبال وجميع المخلوقات وحملها الانسان الا الاختيار.. فالاختيار هو قمة الانسانية وقمة التقدير من الله سبحانه وتعالى للانسان.فقد اعطاه ربه الحق فى اختيار حتى "من يعبده " ..

 

فكفل له اختياراته .. فكفر من كفر .. وأشرك من أشرك .. ورغم ذلك لم يحرمهم من نعمه وهو القادر والأجدر بجبر مخلوقاته والاحق بالعبادة فامتلأت الارض بالكفرة الذين آتاهم الله من فضله!..اونعرف نحن الخطأ والصواب اكثر من رب العزة سبحانه!! انكون ملكيون اكثر من الملك العدل !!!

 

 لانه حكم عدل حكم فيهم بقانون لكل مجتهد نصيب فأعطاهم حسب اجتهادهم رغم كفرهم به سبحانه والزمهم بتحمل نتيجة اختياراتهم فى الاخرة دون ان يظلمهم..

 

فكيف بالانسان ان يجبر الاخرين على اختياراتهم وليس له عليهم الا النصيحة حتى الانبياء ليس لهم الا النصيحة..كيف نجبر انسانا مهما كانت درجة قرابته وخوفنا عليه ان نلزمه بأن يتبنى آراءنا واختياراتنا  ونهدده بالتحطيم لو خالف الامر!!

 

صديقى.. صديقتي ..احذروا وجود بيجماليون حولكم وفى حياتكم.. أنا واثقة بأنكم سـتجدون حتما مثالا له…فإن لم تجدوه فاحترسوا أكثر…فغالبا ربما يكمن فيكم  …بيجماليون.. دون ان تدروا !!

 

دينا سعيد عاصم

كاتبة وأديبة مصرية
 

زر الذهاب إلى الأعلى