يتجه الرئيس سعد الحريري إلى دمشق مطلع الشهر المقبل في زيارة جدول أعمالها متصل أساساً بما اتفق على متابعته بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد في زيارته الأولى، وفي المسألة شقان: الأول، يتعلق بالعلاقة الشخصية بينه وبين الأسد. والثاني يتصل بالعلاقة بين البلدين، حيث يفترض أن يرافق الحريري وفد وزاري يناقش مع نظرائه السوريين في ملفات التعاون على مختلف الصعد.
ومع أن الحريري مهتم، كما سوريا، بالشق الثاني، إلا أن الشق الأول سيظل مسيطراً على المناخ العام. ويبدو أن الحريري في أجواء منع تدهور العلاقات، وخصوصاً أنه مطالَب بذلك من السوريين أنفسهم ومن السعوديين أيضاً. وهو أمر حاول مقربون منه أو عاملون لديه التفلت من ضوابطه بأشكال مختلفة.
على صعيد الحكومة، طلب الحريري من أبرز مساعديه الأمنيين، اللواء أشرف ريفي والعقيد وسام الحسن، تولي ترميم الصورة وإنتاج آلية تواصل مع نظرائهم في سوريا، والعمل على بناء مناخات الثقة بطريقة تمنع أي تدهور في العلاقة، وذلك ربطاً بمراجعات جرت في الأسابيع الماضية، وتضمّنت ملاحظات سورية على مدى التزام فريق الحريري ما تعهد به الرجل لناحية وقف الحملات الإعلامية المباشرة وغير المباشرة من جهة، وعلى صعيد خلق مناخ دافع لبناء هذه العلاقة داخل تيار المستقبل وداخل المؤسسات الحكومية التي للحريري تأثيره الكبير فيها.
ويبدو أن حصيلة الملاحظات السلبية لم تعطِ علامة ناجحة، الأمر الذي تطلب تدخل الوسيط السعودي، الأمير عبد العزيز بن عبد الله. وعندما قام الأخير بزيارة معلنة لدمشق قبل مدة، تبيّن أنها بطلب سوري، وأن الرئيس الأسد حرص على وضعه في الأجواء الفعلية، وحمّله بشكل أو بآخر المسؤولية عن عدم وجود التزام جدي من الحريري، مع عرض من النوع الذي أقنع المسؤول السعودي الذي سارع إلى عقد اجتماع لاحق مع الحريري. وتضمّن الاجتماع مراجعة من النوع الذي يقول بعض المطلعين إنها شددت على أن الأسباب التي كانت خلف التفاهم السعودي ـــــ السوري لا تزال قائمة، ولم يحصل أي متغير يدفع إلى إعادة النظر بالأمر. كذلك فإن تاريخ التعهدات السعودية يؤكد الالتزام الدائم من دون أي مواربة.
إلا أن اللافت في الأمر هو أن ما سُمّي «التنبيه» السعودي للحريري لم يقتصر على الجانب الشفهي، بل بادرت الرياض إلى خطوات عملية من النوع الذي يجعل الحريري مضطراً لأن يلتزم التعهد، وهو أمر ترجم خلال مراحل مختلفة على أمور عديدة منها:
أولاً: وقف تمويل أي نوع من الأنشطة التي توحي أن تيار «المستقبل» يسعى إلى بناء ميليشيا، ما ترجم انفراط مجموعة من التركيبات الأمنية التي أنشئت تحت عناوين شركات الأمن الخاصة وعناصر الحماية وغير ذلك.
ثانياً: لفت انتباه جميع الشخصيات المنضوية في تيار «المستقبل» أو كتلة «لبنان أولاً»، التي تربطها بالسعودية علاقات خاصة، أو كانت السعودية قد سعت إلى تمثيل هذه الشخصيات في الندوة البرلمانية، إلى أن الموقف السعودي جدي، وأنه يجب عدم التعامل معه بخفة، بما فيه عدم الدخول في سجال مع النائب وليد جنبلاط بسبب قرار الأخير التوجّه نحو علاقة خاصة بسوريا. وهو أمر ترجمه الحريري بأن طلب من مساعديه ترك ملف جنبلاط له.
ثالثاً: التعامل بخصوصية مع الملف الإعلامي، وهو الملف الأكثر حساسية، ولا سيما أن دمشق أبلغت الحريري والوسيط السعودي كمية ملاحظات مدققة حول ما عرف بـ«مخالفة الحريري» للتفاهم الذي جرى في دمشق بينه وبين الأسد، والذي التزمت به دمشق كلياً، رغم أن الحريري حاول توريطها منذ اليوم الأول بتحمّل مسؤولية ما يصدر عن وسائل إعلامية محسوبة على المعارضة، لأجل التدخل وإلزامها وقف ما يسمّيه رئيس الحكومة «الحملة المبرمجة عليه وعلى مؤسساته والشخصيات المحسوبة عليه». وقد تبيّن أن الحريري أثار مرات عديدة الأمر، وسمّى «قناة الجديد» وجريدة «الأخبار».
❞السعودية نبّهته إلى ضرورة الالتزام بتفاهمه مع الأسد وجمّدت أموالاً للاختبار ❝ومع أن الحريري أبلغ معاونيه أنه معني بوقف أي نوع من الحملات على سوريا، إلا أنه لم يجر التقيّد بالأمر تماماً. وكان قريبون منه يعمدون بين الوقت والآخر إلى التفلت من التعهد والقيام بما يرونه مناسباً لصدّ حملات الطرف الآخر. لكن الحريري كان يشعر بأنه مضغوط يومياً، إلى أن طلب قبل أيام من مساعديه ترتيب لقاء بينه وبين نحو 30 من كوادر مؤسساته الإعلامية كافة، وقال لهم كلاماً صريحاً وصل حد التبليغ الإداري، أو ما يسمّى «الإنذار». فقد أوضح لهم: «لقد اتخذت أنا قرار بناء علاقة خاصة مع سوريا، ومثلما ممنوع التعرض للسعودية في كل وسائل إعلامنا، فاعلموا أنّه من الآن فصاعداً لن يكون مقبولاً التعرض لسوريا بأي شكل من الأشكال». ولما حصل نقاش دل على وجود ممانعة لدى بعض العاملين لديه، وجد الحريري نفسه مضطراً لأن يصوغ موقفه على نحو أكثر حدة ووضوحاً: «هذا قراري، ومن لا يرد الالتزام به، فعليه المغادرة ونقطة على السطر».
إلا أن الجديد في هذا الأمر ما تردّد عن الصعوبات المالية التي تواجه وسائل إعلام الحريري، والتي تنعكس تأخيراً في دفع الرواتب والامتناع عن دفع فواتير مستحقة لموردين ومتعاونين، وذلك يعود إلى نقص في السيولة مصدره السعودية التي قررت إعطاء إشارة عملية إلى انزعاجها من عدم الالتزام بالتعهد الخاص بالعلاقة مع سوريا.