تدفع استحالة وجود "لغة تنازل" بين رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، وبين رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي إلى اتجاه المحللين السياسيين نحو التفكير بتهميش فرصة "شراكة حكومية" بين تحالفي "العراقية" و"دولة القانون". ويعني ذلك بالنسبة لهم أن الأمور ستتجه أيضاً الى تهميش آخر للسُنّة في الحكومة. ولهذا تقول صحيفة الغارديان البريطانية إن العراق الذي ترك الأوقات المظلمة لـ"الجهاديين الأجانب"، لا يريد أن يتوقـّع عودة السُنّة الى "النمط التمرّدي". والمشكلة الحقيقية، هي أنّ المالكي، وصل الى مرحلة لا يستطيع فيها "التنازل" لأحد عن عرش يدافع عنه بضراوة، فيما لا يستطيع علاوي أيضاً أن يتنازل للمالكي، بأنْ يعمل "ثانياً" في حكومة يشكلها، ليس لأنه وحده يرفض ذلك، إنما لأن كل الفئات العلمانية والسُنّية التي اختارت التحالف معه، كانت تنتظر "رئيس حكومة غير مسيس دينياً"، لأنها تعتقد أن ذلك هو الذي يضر بمسيرة تحولات العراق الديمقراطية والسياسية. وينظر المحللون في لندن الى أنّ الديمقراطية ليست "فوضى" –برغم أن التحولات الديمقراطية في العراق لحد الآن ملفتة للانتباه العالمي- لكنهم يعتقدون أن المقصود من هذه الفوضى، إبقاء المناخ متوفراً لهيمنة "الطائفية" برغم أنها تهدّد بدفع العراق الى "الانتحار الذاتي". ويشير المحللون من طرف آخر إلى أن القاعدة وكل المجموعات المرتبطة بها والرافضة للتعامل مع الوضع السياسي الحالي في العراق، تتمنّى اندحار حالة "العمل الجدّي لتغييب بقايا الصراع الطائفي"، لأنها تجد أنْ "المناخ الطائفي" هو الذي يخلق لها مبرّر أن تحظى بالمزيد من "الملاذات" التي تسمح لها بالتحرك "الضخم" ثانية من خلال تنفيذ هجمات إرهابية واسعة تعيد العراقيين الى مربع مذابح سنتي 2005-2006.إن الظهور القويّ الآن لتحالف "العراقية" أمام "دولة القانون"، سواء جاءت في المرتبة الأولى، أو بعدها بهامش مسافة ضيقة –كما يعتقد المحللون السياسيون- حقق للسُنّة نسبة "تمثيل فعال" في برلمان لا يتوفّر على كتلة شيعية كبيرة موحدة، إنما كتل قوية ووسط وضعيفة، الأمر الذي يمهّد لبناء حكومة شراكة وطنية وليست "حكومة محاصصات طائفية أو إثنية"، فإذا لم يحصل ذلك، فليس من المستبعد أن يندفع كثيرون من السُنّة باتجاه العنف، لأنهم –ومنذ حادثة إقصاء المرشحين الـ500 يرون أنّ الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، مصممة على تهميشهم، وعدم التعاون معهم إلا على أساس أنهم تابعون، مثلما كان الشيعة تابعين لسلطة السُنّة لمراحل ما قبل 2005. ويؤكد المحللون السياسيون أن الذين يفكرون بهذا المنطق، مازالوا منساقين للغة الثأر والانتقام، والقراءة الخاطئة للتاريخ وتحولاته.وبارتياب –بل بخوف حقيقي من النتائج- ينظر السُنّة –كما تقول الغارديان- الى احتمالية تطبيق ما أسمته السيناريو البسيط، بعودة "الائتلاف الشيعي السابق لسنة 2005"، أي بانضمام تحالف المالكي الى تحالف الائتلاف الوطني الذي يضم الصدريين والمجلس الأعلى الإسلامي والجعفري والفضيلة، وغيرهم، ثم يشكلون تحالفاً حكومياً مع الأكراد. لكنّ ما يعيق ذلك هو أن الاكراد والصدريين على حد سواء، يكرهون التعامل ثانية مع المالكي، ولهذا فإنهم ينتظرون "تنازلات" كل من علاوي والمالكي، ليحسموا قرارهم "مع من سيقفون" إذا راق لهم الأمر.
ومع أن كل التحالفات تعاني من "تململ يميل الى انقسامات داخلية"، فإنّ المشكلة الأساسية في هذا المسار –يؤكد المحللون- هي أن "العراقية" تعاني من مشاكل داخلية و"بداية انقسامات"، ربما يستغلها المالكي للتحالف معها خارج إطار "العراقية" بهدف واحد هو التخلص من منافسه الرئيس أياد علاوي.وبعد أن تم التعرف على الكثير من الأحداث التي وقعت بعد الانتخابات العراقية الأخيرة في السابع من الشهر الحالي ، فان الجدال المجحف سيجد أيضا طريقه الى النقاش الواسع النطاق حول العملية الديمقراطية العراقية: إنها –بحسب صحيفة الغارديان- فاشلة والهيمنة الطائفية، قد تدفع العراق الى الانتحار الذاتي. ولكن هذا جدال عرضي والذي ابتلى العراق بالمزيد من العنف والهجمات الإرهابية ، والذي هو غالبا غير مرتبط بحقيقته بالأرض التي يسود فيها.وتشير الغارديان الى أن العراق ترك الأوقات المظلمة التي أعقبت سنة 2003. و"الجهاديون الأجانب" وهم المجرمون الأساسيون لفظاعات تلك الأيام قد تم التخلص منهم بقليل أو كثير من العراق، والأمر مدين بشكل كبير للجهود الاستثنائية للقوات الخاصة للولايات المتحدة وبريطانيا، بحسب زعم الغارديان. وتؤكد على القول: لا يجب أن نتوقع عودة السنة الى النمط التمردي. وقد تم خوض النزاع الان في صناديق الاقتراع وليس في ارض المعارك، وبالنظر الى الظهور القوي لقائمة أياد علاوي، زعيم تحالف "العراقية" –والذي إما انه سيفوز أو يأتي ثانيا بعدد هامشي من المقاعد– فانه يبدو أن هناك حصة للسنة أيضا لانه ستكون لهم الان نسبة من التمثيل الفعال وقد اثبتوا أنفسهم بأنهم قادرون على التكتل مع الائتلاف أو أي من تحالفات المرشحين. والظهور القوي لعلاوي بمجيء تسلسله قبل أو بعد المالكي ، يعني بان الرابح الحالي سيكون لديه تفوق هامشي ، بحيث أن التنافس بين الاثنين سيعني بالأخير اختلافا طفيفا حول من هو الفائز، وما هي بالتالي المواضيع الحقيقية التي يمكن لاحدهما أن يشكل على أساسها الائتلاف الحكومي الذي يضعه في السلطة. وتقول الغارديان: المهم الآن، أنه يمكن –ديمقراطيا وسياسياً- قراءة النجاح، نجاح ديمقراطية حقيقية، برغم فوضويتها، ويمكن أن تنحدر الأمور الى الكثير من المشاكل إذا لم يتم اختيار الائتلاف الحاكم بسرعة، والدستور يشترط بان الكتلة الأكبر يجب أن تشكل الحكومة، بالرغم من عدم وضوح ما إذا كانت الكتلة المشار اليها في الدستور يجب أن تكون من قبل الانتخاب أو كتلة ما بعد الانتخابات، وهو غموض قد يكون نقطة الخلاف خلال الأسابيع المقبلة. ومع افتراض انه ربما يكون الخلاف الأخير الذي يسبق تشكيل الحكومة، فان السيناريو البسيط سيتضمن نوعا من الائتلاف الذي يقوده المالكي والذي يشمل المجلس الأعلى الإسلامي والصدريين الذين يهيمنون على الائتلاف الوطني العراقي بالإضافة الى الأكراد، وهذا الائتلاف الحكومي يهمش في الحقيقة فرص الشراكة بين المالكي وعلاوي والتي هي مستحيلة تقريبا، لان كلا منهما يريد منصب رئيس الوزراء، ولديهما اختلافات شخصية ولن يكونوا سعيدين بان يلعبا الدور الثانوي أحدهما للآخر.ولكن مثل معظم الأشياء في السياسات العراقية –تضيف الصحيفة- ليس هناك شيء بسيط ، فابقاء ائتلاف مهم على الخط الجانبي مثل تحالف "العراقية" سوف يثير النزاعات ويبدو في الجوهر تهميشاً للسنة. وما يطرح بالتالي للتساؤل هو فيما إذا كان الأكراد والائتلاف الوطني العراقي يفضلون حكومة المالكي أو حكومة علاوي. والائتلاف الوطني العراقي يتناوب الان الصدريين والذين مع 40 مقعدا باسمهم سوف يظهرون مثل الأكراد كصانعي الملوك. ومن المعروف أن الصدريين يستبعدون المالكي، وسيكونون ضد رئاسة أخرى للوزراء للمالكي وقد عرضوا خيارهم الخاص للموقف، ولكن قولهم ذلك لا يعني بأنهم لن يدعموا دولة القانون بدون المالكي كرئيسه والذي بدوره يعتبر موضوعا مهما ويمكن أن يهيج توترات داخلية مع دولة القانون وحزبه الرئيس ، حزب الدعوة الإسلامية. والصدريون وعلاوي بينهما نفور وعنف سابق ، وبالنتيجة ، فان كل شيء قد يتعلق بالتنازلات المتعلقة التي يمكن أن يقدمها المالكي أو علاوي للصدريين، وفي الحقيقة للأكراد أيضاً.وتؤكد الغارديان أن الأكراد بمعية الصدريين والمجلس الأعلى الإسلامي قد يندمجون جيدا ويسعون الى إسقاط المالكي من منصبه (والمجلس الأعلى بمعية الائتلاف الوطني كان في الماضي على وشك إقامة تحالف مع علاوي).وترى الصحيفة أن الانقسامات داخل تحالف "العراقية" قد تجعل الأمور اسهل بالنسبة لعلاوي طالما أن كتلته تتضمن (سمات نابية) بشأن الأكراد والشيعة، ولكن ذلك قد يضعفه أيضا إذا لم يبق له إلا القليل الذي يساوم به. ومع الانقسامات في القائمة العراقية (وهناك تقارير عن مشاكل داخلية) وهذا يعني أن المالكي يمكن أن يكون ائتلافا لا يتضمن علاوي وانما أعضاء ممثلين آخرين من قائمة علاوي. والمتغيرات الحالية تعرض بان المالكي وعلاوي كليهما بحوالي 91 – 92 مقعدا يمكن أن يشكلا الحكومة بدعم كتلة واحدة كبيرة أخرى (مثل الأكراد الذين لديهم اكثر من 40 مقعدا) ، الى جانب دعم مجموعات صغيرة أخرى وأية مجموعة منشقة عن العراقية. وفي كل الأحوال ، ولغاية أن يصبح واضحا كم من المقاعد الفردية كسبتها كل كتلة ، فسيكون من الصعب التنبؤ بشكل مناسب عن الحكومة المقبلة. وبالتسليم بان الموضوع برمته فوضوي ويمر بأوقات معقدة، وهو بالنسبة للعراقيين، أمر محبط ، لابد من تأكيد أنه ليس هناك حزب واحد – سواء أكان شيعياً أو سنياً أو علمانياً – لديه توجه مهم عابر للطائفية.ومع ذلك –تشدّد صحيفة الغارديان- دعونا لا نطلب كثيرا من العراقيين الان. وما هو مهم هو وجود تقدم في الديمقراطية والسياسات العراقية .ولدينا الان تشظ في الأصوات الشيعية والسنية والكردية ، وكذلك نظام القائمة المفتوحة التي عاقبت المسؤولين غير المؤهلين ، مثل هؤلاء الذين يعملون في وزارتي الداخلية والدفاع . وبالامتزاج معا ، فان الجميع ارسوا عملية ديمقراطية عراقية ، متقدمة بأميال عن جيرانهم وتفوقوا على التوقعات المشرفة للمجتمع الدولي . والعراق لا يملك الديمقراطية المتكاملة، ولكنها ديمقراطية وظيفية وحقيقية.