أرشيف - غير مصنف

نص مسرحية مساكن الخريف

تأليف قاسم مطرود

المعالجة الثالثة لمسرحية الحاوية التي كتبت عام 1998

 

الشخصيات
الرجل
المرأة
المدير
الملثم
صوت صاحب الأرزاق
وشخصيات أخرى تبنيها الضرورات
عناصر البيئة الافتراضية:
عشرة إطارات بعرض 90 سنتيمتر وطول 180 سنتيمتر اصغر أو اكبر الأمر متروك لصانعي السينوغرافيا،بعضها مغلف بقماش والبعض الآخر على ما هو عليه ومن هذه الإطارات سنشكل سينوغرافيا العرض، حيث سنبني معسكرات المهجرين، والسجون، والمستشفيات، بالإضافة إلى الإكسسوارات كمجرفة وفأس وحاوية لنقل التراب، وساترك لصانعي العرض حرية الخلق والإبداع في دمع الإطارات أو فرزها حسبما يروه مناسبا من الناحية الجمالية والفكرية، وسأعنون المشاهد مع الإشارة إلى بعض الملاحظات
-1-
المكان:معسكر المهجرين، المكان محاط بأكوام من التراب والنفايات وخيم بالية أو سقائف من أعمدة الخشب وبعض البطانيات الممزقة التي تحركها الريح
الوقت: الفجر..ضوء خافت وكأن الشمس تختبئ خلف سحابة
صوت صاحب الأرزاق:( نسمع صوت سيارات تروم الوقوف قرب مكان التهجير ثم ضربات على طبل يعقبه صوت بعيد )
الأرزاق
لا تتأخروا
الأرزاق
وقت السيارات محدود ستغادر بعد قليل
الأرزاق يا جماعة
(تقال الكلمة الأخيرة وكأنها سقطت في بحر)
صوت الرجل:(كشف بسيط إلى بيئة العرض..نسمع صوته من داخل الحاوية)
إنها المحنة، محنة الليالي الموجعة وألم السنين العجاف، أنا وحدي الذي يسمع صوتي(يطل برأسه)أتراني سأجيب؟(يتلفت يمينا وشمالا)يبدو أن الجميع ذهبوا إلى الأرزاق
الرجل:(يخرج من الحاوية وهو يجر خطاه بصعوبة وبيده مجرفة وفأس..وما أن يخرج يدخل رأسه إلى الحاوية ثانية ومن الداخل)
لا بد من حسم القرار
(يخرج رأسه ويتوسط خشبة المسرح..يحاول الحفر في الأرض أو يهيل التراب على حفرة قديمة)
لم اترك شبرا واحدا من الأرض إلا وأدخلت مجرفتي فيه، تراب يملأ الأرض ومياه وبرك آسنة، سأستمر بالحفر حتى ينتهي الأمر.
(برهة)من يحصي ما أحدثته مجرفتي من أخاديد على ظهر الأرض لحزن على الجهد الذي يتلاشى.
(يلتفت إلى الحاوية ويصرخ)
سأدفنك، وانهي كل العذاب، لكل شيء نهاية
(يضرب الأرض بمجرفته بقوة)
يجب أن لا اسمح للمياه الآسنة التسلل إلى قبرك.
(بحزن بعد أن يجلس على الأرض..يخرج كيس تبغ من جيبه.. يلف سيجارته وأثناء هذا يتحدث)
استعطفت جميع المسؤولين هنا عن هذا المخيم بالسماح لي بدفنك في مقبرتنا التي جمعت رفات أجدادنا وآبائنا.
 (يدخن ينفث الدخان إلى الأعلى.. بحسرة وبهدوء يلفظ كلماته)
إلا أنهم اعتذروا، أو لنقل خافوا علينا وعلى أنفسهم.

 

– 2-
المكان:ينقسم إلى جزئيين مكتب مدير معسكر المهجرين والمكان ذاته الذي يقف عليه الرجل
المدير:(ينفث دخان سيجارته ولا يعبئ بشي وكأنه لا يستمع إلى ما يقوله الرجل)
يبدو انك لا تفهم، ألف مرة قلت لك ممنوع
الرجل:انك ترى الحال ولا داعي للشرح، ولا أريد الذهاب للتنزه، فقط ادفنها في مقبرة الأجداد……
المدير:هل تعرف كم مرة شرحت لي هذه القصة؟
الرجل:لم اعد اعرف الليل من النهار
المدير:اعلم أيها الرجل باني أمنعك لأجلك، اعرف إن زوجتك ماتت، وهذا قدرها وان قررت دفنها هناك، ستموت أنت أيضا
الرجل:ربما ارحم
المدير:(يصرخ به) لا استطيع توفير حماية لكم
الرجل:سأموت إن بقت هنا
المدير:إن لم تصمت سأرميك خارج المعسكر
الرجل: وما هو جرمي كي………..
المدير:انك تسخر مني
الرجل:مستحيل
المدير:حتما تعرف الذين ينتظرونكم خارج المعسكر حال وصولك……..
الرجل:أشكرك (بحزن) اعرف البقية
المدير:إذا عليك أن تتعقل وتعود إلى حاويتك
الرجل:حرام ماذا أقول لها
(يتم عزل المدير عن المشهد ويعود الرجل إلى ما كان عليه.. يقلد صوت المسؤول)
– : سيذبحونكم في الطريق، ( يعود إلى ما كان عليه) هذا هو رد مدير مخيماتنا،
(يخاطب المدير الغير موجود كما كان في المشهد السابق وبصوت عال)
-:نحن أموات كيف يذبحون أموات. قلت له (بحزن) لكنه لم يمنعني
معه حق فان طريق المقبرة خطر للغاية، فقد تعرضت جثة احد الأموات إلى أبشع ما يكون
(يمكن هنا الاعتماد على الفلكلور بحمل تابوت من قبل جماعة متجهين به إلى العمق مع ترديدهم جملة)
-: لا الله إلا الله
(أو أية جمل أو أصوات غير مفهومة وكأنها طقوس افريقية وخلال هذا المشهد يبقى الرجل يتحدث وكأنه يروي المشهد)
بقروا بطنه وفجروا المسكين بعد أن وضعوا ببطنه المتفجرات, مات أكثر من ميتة ولا يعرف لماذا
(هنا يختفي التابوت ويعود التركيز على الرجل فقط) لهذا اقتنعت بالحفر هنا عسى أن تضمك الأرض بأمان
 (ينهض..يدخل في أحدى الحفر ومن داخل الحفرة يرمي علب الصفيح أو خرق بالية إلى خارج خشبة المسرح )
وأخيرا ستشعرين بالدفء بعد أن هدت جسدك الحاوية الباردة كالثلج.
(يخرج رأسه بهدوء وهو يتحدث)كنا نمتد فيها، يلتصق احدنا بالآخر لينعم ببعض من حرارة الجسد، نتحدث عن أيامنا الجميلة والبرد يتوغل حتى يصل الروح، حلمنا بمجيء اليوم الذي نتخلص فيه من الحاوية.
– 3 –
المكان:داخل الحاوية
الرجل:يديك باردتين كالثلج
المرأة:اشعر أن جسدي سينهار وإنني سأموت من البرد
الرجل:اعتذر
المرأة:عن أي شيء؟
الرجل:الحال الذي يلفك
المرأة:حالي كحالك وأنت…..
الرجل:انأ المسؤول عن كل هذا
المرأة:كلا إنني أشاهد واعرف الظلم الذي وزع على الجميع
الرجل:لم أفي لك بأي وعد من وعودي
المرأة:كلا، كنت في أحسن حال يوم كنا في بيتنا وبوجودك لم ينقصنا شيئا
الرجل:والآن أنت في الحاوية
المرأة:حال مؤقت سينتهي حتما وأنت فعلت كل ما تستطيع، سنعود إلى أيامنا والى بيتنا
الرجل:كم أنت نبيلة، حتى في ساعات الموت تمنحيني الحياة
المرأة:صدقني سنكون معا خارج هذا المكان وستبقى رفيق دربي إلى الأبد
الرجل:لكنك (يبكي بتنهد..تختفي المرأة )لم تتوقعي أن يكون خلاصك بحثا عن قبر على هذه البسيطة
(فترة صمت قصيرة، وكأنه يتذكر) كان علي أن لا أتوقف عن الحفر( يحفر في مكان ما)كنت أتمنى أن أوضع في موقف صعب كي اكتشف رجولتي ولكنه أصعب مما تمنيت أو توقعت
(يحفر فترتد فأسه عليه)
حتى الأرض ترفض الإصغاء إلى أحزاني
(يرمي الفأس ويجلس قرب الحاوية التي تحفظ جسد زوجته)
لم مضي عام ونصف على زواجنا حتى سقطت الأسئلة علينا كالمطر
(يجسد الشخصيات التي يتذكرها)
-: لماذا ليس لديكم أبناء
-:العائلة دون بنت جحيم
-:الولد يحمي ظهر أبيه
-:ما معنى أن تعيش وتموت دون أن يرث اسمك احد
-:عليكم مراجعة الدكتور، المستشفى
-:اعرف رجل إذا كتب لكم تعويذه سيكون لك أبناء وأحفاد
-:اعرف امرأة إذا مشت على ظهر زوجتك ستكون حامل بالحال
( يعود إلى ما كان عليه) تعبت من النصائح والأسئلة المملة والمكررة وجلست مع زوجتي وسألتها
-:ما العمل؟ وقالت (يستدير إلى المكان الذي تظهر فيه المرأة)
-:سابقي معك ولن استمع إلى كل هؤلاء لن اذهب إلى أي دكتور ولن اعلق أية تعويذة، ودون أولاد سابقي إلى الأبد
الرجل:(يستدير كما كان قبل الحوار مع المرأة) وأجبتها
( وبالحال يستدير باتجاهها) وانأ أيضا لا ولن اذهب إلى مستشفى وسألعن من يفكر بالمشي على ظهرك وسأعيش العمر كله معك ولا أفكر بالأبناء (تختفي المرأة) وبقينا العمر كله سعداء دون أبناء، اعرف إنها تنظر بين الحين والآخر إلى أطفال الجيران ولكنها تسارع بإخفاء شعورها(بطبقة صوتية مختلفة) وانأ أيضا كان قلبي ينبض مسرعا إذا شاهدت أو سمعت طفلا يضحك ولكني اهرب دائما وقبل أن تراني، (فترة صمت قصيرة) ودون أن نتفق اخترعنا أبناء لنا وصرنا نحبهم ونشتاق لهم ونتذكرهم دائما
(يدخل إحدى الحفر ويخرج منها بعض التراب وأثناء الحفر يتحدث)
كنتِ معي كائنا اسمعه ويسمعني انظر إليه إذا تحدث وعيونه تتفرس وجهي
(وهو يخرج تماما من الحفرة..يجر خطاه بصعوبة)
هل تذكرين؟
(يطوف على خشبة المسرح وكأنه يبحث عن شيء) هل تذكرين ؟
(يكرر هذه الجملة حتى تظهر المرأة له)
المرأة:ماذا؟
الرجل:يوم حصلنا على هذا البيت أعني الحاوية
المرأة:وكيف أنسى
الرجل:كانت تسكنها امرأة عجوز
المرأة:ليس هنالك من يملك طيبتها
الرجل:ذهب زوجها ليستلم الأرزاق ولم يعد
المرأة:ليلتها ذهبت إليها واحتضنتها وهي تبكي كالأطفال وطلبت مني البقاء إلى جوارها لأنها تخاف
الرجل:اجل تخاف،جميعنا نخاف،لو لا الخوف لما سكنا هذه السقائف ورمينا عزل خارج بيوتنا، الخوف وحده هو الذي أهاننا وأذل آدميتنا، أفكر أحيانا بقلع جذور الخوف من أعماق روحي وأخاف التحول إلى وحش، الخوف معي حتى بفكرة التخلص من الخوف
المرأة:وحال سؤالها بالبقاء والنوم ليلتها في حاويتها، وافقتَ على فكرتها، بل حملت أغطيتي وبيديك دثرتنا، ثم ذهبت
الرجل:لم انم ليلتها كانت الوحدة كابوس، لم يقل لي احد، تصبح على خير، أو يمسك بيدي وينام
المرأة:هي الأخرى لم تنم، كنتُ ابكي لبكائها، وما أن طلع الفجر خرجت تبحث عن زوجها، ولثلاثة أيام تطوف كالمجنونة دون أكل وشرب
(تختفي الإضاءة شيئا فشيئا سوى بقعة مركزة على الحاوية..يستمر هذا المشهد لدقيقة أو أكثر.. صوت السيارات المسرعة على الشارع العام ويتداخل مع الأصوات الأخرى ثم صوت ارتطام سيارة بشخص..تختفي الأصوات جميعا إلا صوت الصحن على شارع الإسفلت)
الرجل:هذه نهايتها
المرأة:لم يفكر بها احد ولم يسال عنها الأهل أو الأقارب
الرجل:(برهة..يقترب ثانية من الحاوية)
لا ادري هل ارثي لحالها أم ارثي لحالنا
(فترة صمت)كثيرا ما تحدثنا عنها وتعاطفنا معها لأنها تشبهنا أو نشبهها ورغم حبنا لها كنا نحسدها على الحاوية التي تقيها البرد والريح والتراب الذي نبتلعه مع كل تنفس، كنتِ تقولين:
(وهو يعد سيجارة أخرى..يقلد زوجته بحزن)
-:إنها متينة لا تتحرك من مكانها، قوية، يمكنني النوم فيها دون خوف
(يعود إلى ما كان عليه.يدخن. ..يدخن)لكن عجوزنا تركت الحاوية وإلى الأبد وبسرعة هجرنا بيتنا ودخلنا الحاوية وصرنا المالكين الحقيقيين لها،
المرأة:اشعر بالخجل
الرجل:أنا مثلك، معقولة بهذه السرعة نأخذ بيتها
المرأة:هل نحن أشرار
الرجل:مستحيل ولكن حالنا ليس سويا
المرأة:تعني ولهذا تصرفنا مثلهم
الرجل:هل تذكرين المرة الأولى التي التقيتك بها
المرأة:أتذكر ولكننا في حاوية العجوز الآن
الرجل:إنها لنا وهي بيتنا وعلينا أن نعتذر منها كلما ننام فيها ونشعر بالأمان  انظري ( يحمل صحنا وقدر)لم يكن لهذه المسكينة إلى قدر واحد وصحن واحد تتلقى فيه مساعدة الآخرين
(تختفي المرأة ويعود إلى ما كان عليه)
غادرت العالم دون أن تعرف شيئا عن زوجها ذلك الرفيق الذي تشابه معها في كل شيء ربما تلتقيه في مكان ما وربما يكون صحنه الذي اختفى ما زال معه( فترة صمت قصيرة)هي مثلي، أشبهها بقيت وحدي دون رفيقة العمر التي غادرت بصمت.
(ينهض وهو يأخذ المجرفة) سأستمر بالحفر, لم يبق أمامي سوى باطن الأرض
(يذر التراب إلى الأعلى وينظر إليه وهو يتساقط على الأرض وخلال هذا المشهد الذي يكرره يتحدث)
– لم افهم فعلتك؟
–  تموتين؟
– كيف يعني أن تموتي؟
– أليس هذا جنونا؟
 – من أين أتتك هذه الفكرة؟
 – إنها وبحق فكرة بائسة وغير محتملة؟
 لم أألفك وأنت على هذه الحالة، أنفاسكِ كانت تملأ المكان كله واليوم تحول جسدك إلى قطعة من الثلج بعد أن كان، دفئي، واحتوائي.
 ( يهم باختيار مكان آخر للحفر وبالحال يبكي بتنهد)
اليوم سأغسل ذلك الجسد الذي دفع عني الخوف ووحشة السنين(يستمر بالحفر)سأغسله بدموعي، سابكيك كثيرا عسى أن يزيل الدمع حزنك المتراكم.
 يا الله كم تحملت العذاب معي، عذاب ألف امرأة كنت تذبلين وأنتِ صابرة.
(تدخل المرأة تخاطب الرجل دون أن تقف قبالته ويمكن أن تتحدث من مرتفع ما والرجل يحاورها من مكانه كالمشهد السابق مع المدير)
المرأة:اطلب عفوك لم أجد ما اطبخه اليوم لكني أبقيت لك نصف الرغيف
الرجل:كليه أنت لست جائعا(مع نفسه وبهمس)يومها كنت سأموت من الجوع ولكن ماذا أقول لها لم يستطع زوجك توفير الخبز (يعود إلى زوجته)سأخرج الآن وأعود ليلا
المرأة:أين ستذهب عليك أن ترتاح
الرجل:(مع نفسه أيضا) الحقيقة أريد الهرب (يعود إليها) لن أتأخر
المرأة:سأنتظرك (تختفي)
(يمسك مجرفته ويحاول الحفر في وسط المسرح)
ليلتها جلست على حافة النهر وبكيت حتى خجلت من بكائي، أين رجولتي التي لم تمكنني من توفير قوت عائلتي اعرف أن الأمر ليس خاصا الملايين مثلي، ولكني وعدتها بالخير والكرامة(برهة) منذ آلاف السنين وأنا أعدك بوعود كثيرا وأحلام كبيرة، وها أنا ابحث عن قبر أدسكِ فيه بصمت وخوف عسى أن لا يرانا الآخرون يا لخيبتي.
(يجلس على حافة الحفرة.. يدخن..يخرج بعض العصي من الحفرة ويرميها خارجا)
لا أحسن شيئا غير التدخين ورثاء حالي(وكأنه يتذكر ينهض من مكانه) أين هم
(يكرر هذه الجملة وهو يطوف باحثا عن زوجته حتى تخرج إليه )
المرأة:من ؟
الرجل:أولادنا
المرأة:ليس لدينا أولاد
الرجل:كيف ونحن نتذكرهم كل يوم
المرأة:هل تعني أكبرهم
الرجل:وأشجعهم
المرأة:وما حاجتك بأولاد من الخيال؟
الرجل:عسى أن يكونوا ارحم من الواقع، سأستنجد بهم عسى أن يعاونني بدفن أمهم (تختفي المرأة)أين العصي (ينظر إلى جهة اليمين فيجدها) إنها هناك
-:(يأخذها ويهم بغرس أحدها إلى جانب الحفرة) هذه دلالة قبر كبير أولادنا، أيها الكبير نحن في محنة ونطلب عونك ليس عيبا أن يعرف أبيك ويقول باني عاجز ولم استطع الوفاء بأي شيء انتظر نهوضك ونجدتك
(ينتقل إلى حفرة أخرى ويغرس عصا جديدة)
-:وهذه شاهد لأشجعهم منذ كنت صغيرا كان كل الحكايات تتحدث عن بطولاتك ونصرتك للفقراء للضعفاء من أمثالي هذه عصاك خذها وافتح لنا الطريق إننا في ظلام
( يعود إلى أكبرهم وفي الوقت نفسه إلى أشجعهم)
لا تتأخرا علينا لأننا على حافة الموت
-:(ينتقل من حفرة إلى حفرة) وهذه العصا إلى ناصرنا، كل كتب المدارس والتاريخ تتذكرك ولا يمكنها نسيان صولاتك على الأعداء وعودتك بالنصر دائما نحن اليوم أحوج إليك من قبل معركتنا صعبة سقطنا جميعا
(من على مرتفع يخاطب القبور الثلاثة)
سأترككم تفكرون وان تأخرتم فسنصاب بالخزي إلى الأبد
-:(ينتقل إلى حفرة ويجلس إلى جانبها)
أنت احكي معك بهدوء لأنك رقيق وشفاف ولأنك تبكي لحالنا دائما لذا استعطفك وأرجوك أن تقول شيئا أو تقف إلى جانب أبيك المنهار، اعرف إنك لست المارد وانأ لا أريد المال والقصور، أرجوك يا ولدي سادني على دفنها فقط (يبكي)
-:(ينهض وهو يتنهد من البكاء يغرس عصا في حفرة قريبة)
وأنت إنني لا أنساك أبدا لأنك تذكرنا بخير دائما فهذه عصاك
(فترة صمت قصيرة يعود النظر إلى العصي وبسرعة وهستريا ينتقل من مكان إلى آخر)
-وهذه لنا
– وهذه لهم
– وهذه للجميع
– وهذه، وهذه، وهذه، وهذه..(يسقط على الأرض.. صوت خارج خشبة المسرح)
صوت من الخارج: الدقائق الأخيرة من توزيع الأرزاق، لا تنسوا صحونكم، الأكل محدود، من يتأخر لا يحصل على شيء
(ينهض الرجل وهو يضحك كالمجنون..يتجول وبسرعة بين السقائف المجاورة وكأنه يبحث عن شيء مفقود أو يبغي تنبيه الآخرين)
هل سمعتم ما سمعته، الأكل محدود وقد تموتون من الجوع في وطنكم.
(يتفحص قطع الملابس المعلقة على الحبال)
أهذه ملابسنا وهذه بيوتنا في الوطن الذي حلمنا به كثيرا، يوزعون علينا الأرزاق في مشاهد لم أر مثلها إلا في أفلام الحرب العالمية الأولى والثانية، كنت أقول
-:هذه أفلام، ولا يمكن أن يكون الواقع على هذه الحال، إنها مبالغة، كيف يمكن أن تعيش العوائل مع أولادها الصغار والرضع تحت المخيمات.
 ويبدو أنني لم أكن افهم، لان هذه المخيمات حقيقة كالعلقم نعيشها اليوم
(يدخل رأسه في إحدى السقائف وينادي)
-: هل انتم هنا؟ألا تسمعونني، انتم يا من هناك أو هنا
(مع نفسه)يبدو إنهم سارعوا لتناول الأكل قبل أن يمضي بهم الجوع ذلك الوحش الذي يذل الجميع(برهة)أنا أيضا جائع ولكن يجب أن أفي بوعدي، اليوم وهذا قراري.
(فترة صمت قصيرة جدا)بيتي ليس بعيدا عن هذا المعسكر، إلا أني أخاف الوصول إليه طرق الباب ليلا وما أن فتحته وبصوت مخيف قال الرجل المسلح الملثم
الملثم:أمامك 24 ساعة لتغادر البيت
الرجل:لماذا
الملثم:دون سبب غادر بسرعة
الرجل:لكنه بيتي وزوجتي
الملثم:نعرف عنكما كل شيء
الرجل:نحن مساكين ولا علاقة لنا بالسياسة
الملثم:لا وقت لنا إن عدنا بعد 24 ساعة ووجدناكم فمصيركم الموت
الرجل:لماذا
الملثم:يبدو انك اخترت الموت (يرحل)
الحقيقة إنني لم اختر الموت بل اخترت الحياة مع الخذلان،قبل أن تنتهي الفترة المحددة هربت مع زوجتي هربا وتركنا كل شيء خلفنا، فكيف لي تجاهل مصير جاري الذي اختار الشجاعة والذي قطعوه ورموه للكلاب لم يبق أمامي إلا أن اختار راسي
(نسمع صوت الملثم من خلف الكواليس)
-:رأسك أو البيت
(بهدوء وبالكاد تخرج منه الكلمات)فقلت:
-:رأسي ودخلت هذا المكان المخزي (بحزن)ويا ليتني أعطيتهم راسي قبل أن يأتي اليوم المشئوم، راسي لهم ارحم بكثير من هذا العذاب
(فترة صمت قصيرة)
أول يوم استلمت به المساعدات لم يكن كالأيام الأخرى، قررت الذهاب وحدي بعد إقناعها بالبقاء داخل السقيفة، عسى أن تحافظ على الباقي من الكبرياء، يكفيها إذلال، لا أسمح لنفسي طالما أتنفس هواء هذا العالم النتن.
(بحزن)وأنا اتجه إلى مركز التوزيع شعرت إن الأرض تتحرك تحت أقدامي، وحين دفع الرز في صحن وكأنه يرميه إلى كلبه المسعور، لم اعرف شعوري حينها،كان مزيجا من الصراخ والصمت والاختناق والدموع التي تنزل دون سبب، وحين عدت إلى بيتي، اعني سقيفتي كان صحن الرز أثقل من الجبل، وشعرت إن كتفي لا مستا الأرض، لم أر أي شخص من مركز التوزيع حتى دخلت سقيفتي، لأنني لم ارفع راسي، كنت محدقا إلى الأسفل وكأني ابحث عن شيء مفقود، أتذكر فقط أقدامي التي كانتا تضرب احدها بالأخرى، وهما يقطعان تلك المسافة القصيرة التي كانت حينها كرحلة الجحيم.
(فترة صمت قصيرة)اعذريني المشكلة فاقت رجولتي، اعرف إني ذليل وحزين واحسد من يموت اليوم قبل غد، ولكن هذا قدري الذي لا طاقة لي بتغيره أو تحريكه طالما هو قدر مأساوي.
(وهو متجه إلى داخل الحاوية)
سأدفن صحنك معك
(يدخل الحاوية ومن الداخل نسمع صوته)
عسى أن يكون الحال هناك ارحم والأكل غير محدود.
(فترة صمت قصيرة)يا حزني، يا للهول، وجهك شاحب، وشفتيك باردتين، أللعنة على الموت الذي غير كل الأشياء، موتك سلب المعاني ، سأخرج لا أقاوم النظر إلى هذا الوجه الذي كانت الحياة تصول وتجول فيه، بين العينين والوجنتين والشفتين سأخرج واترك هذا الظلم(يخرج)كان وجهك كقرص الشمس وأنت تضمدين جراحي
– 4 –
في مستشفى ما
المرأة:انت اليوم أفضل بكثير
الرجل:لو لاك لبترت يدي
المرأة:هذا واجبي وأنت جريح عندنا
الرجل:هل انت متزوجة
المرأة:كلا وأنت
الرجل:أفكر بالزواج من امرأة مثلك
المرأة:(ترتبك وتحاول الهرب) هذه مسكنات وان احتجت المزيد، يمكنك طلب المزيد(تختفي المرأة)
لم اتركها بحالها أول ما خرجت من المستشفى أتيتها بهدية شكرتها وطلبت الزواج منها قالت أفكر ولكننا تزوجنا وعشنا أجمل السنوات بعد أن تخلصت من موتي المحقق في الجيش وعملي معها في المستشفى نفسه كموظف استعلامات
(يدس رأسه داخل الحاوية)لا تنسي أن ترمي الصحن هناك وتصرخي، طالبي بحقك الذي ضاع عسى أن تجدين من يستمع إليك، الوقت يداهمني وعليّ إكمال الحفر(يتجه إلى إحدى الحفر)سأجرب هذه الحفرة عسى أن تكون القبر الأخير
(يدخل فيها..يظهر نصف جسده إلى الجمهور..يسحب بقوة إطار سيارات قديم..يرميه إلى الخارج)
هذه المنطقة كانت مركز لنفايات المدينة (يضحك بألم) يا للحزن بالأمس ترمى فيها القاذورات واليوم نحن.
(يصرخ)كيف أدفنك هنا والرائحة لا تطاق، حرام عليّ، من حلم بقبر مهيب في مقبرة الأجداد إلى قبر تزاحمك فيه إطارات السيارات وعلب الصفيح.
(يخرج بسرعة وباحتجاج..يقف منتصبا)
كلا ليس هذا مكانك
(يذهب إلى حفرة أكبرهم ويمسك العصا بكلتا يديه)
يبدو انك لم تسمع استغاثاتي أو سمعت وتغافلت، لا عليك سأجرب الحفر هناك
(يصل الحفرة التي يدس فيها مجرفته ليتبين له صلابتها وصعوبة إكمال الحفر)
إنها من حجر ولا يمكنني إيداعكِ فيها
(يحاول الحفر ثانية لكنه لا يستطيع أيضا)
صعب أنها وبحق صعبة، يبدو أنهم دفنوا صخورا هنا، لا عليك هناك حفرة أخرى إنها حفرة الذي بكى لحالنا.
(يستدير إلى الحاوية ويخاطبها)
سأجرب الحفر إلى جانب الذي بكى لحالنا عساه ينتفض 
(يصل الحفرة وما أن يدس مجرفته يخرج العديد من الخرق البالية وكل ما أن يخرج خرقة تتبعها أخرى، يستمر دون توقف وخلال هذا يتحدث)
الآن عرفت لماذا بكى لحالنا، لأنه عرف قصص الأموات الذين سبقونا بأحزانهم وكوابيسهم، ولم يبق منهم إلا تلك الخرق البالية (بسخرية)يا لهذه الدلالة والبقاء يا رفيقة دربي يؤسفني أن أقول لك
-:لا مكان لك بين هذه الأحزان والخرق البالية التي تميتك ألف ميتة
لأترك الباكي واذهب إلى الذي نصرنا (وهو يتجه إليها) عسى أن تحركه فروسيته ويحتويك.
(يدخل الحفرة ويحاول إكمال الحفر ولكننا نسمع صوت اصطدام المجرفة بآلات جديدة كسيف أو رمح أو سكين)
يا ناصرنا أنت أملي الأخير، ادفنها أرجوك وفر لها مثواها الأخير.
(يبحث داخل الحفرة يخرج رمحا محني )
يا ناصرنا رمحك محني
(وهو يتفحصه ومن ثم يرميه إلى الخارج)
يا ناصرنا احتاج عونك ووقوفك في محنتي.
(يخرج سكين صدئة..يتفحصها أيضا ويرميها إلى جانب الرمح)
سكين بالية يا ناصرنا أيعقل هذا؟ هل أنت هو (وأخيرا يخرج سيف مكسورا)
أرجوك لا تقل هذا سيفي.
(يخرج من الحفرة ويقف إلى جانبها)
يا ناصرنا فجيعتي الآن فجيعتين كم حفظت قصص عن بطولاتك التي ملأت البسيطة، علمونا بالمداس انك روح الشجاعة، أهذا هو سيفك؟هل كنت تخدعنا أم خدعونا بك؟
(برهة)يا ناصرنا اعذرنا على قولي لم اعد أثق بك ولا يمكنني إيداعها في قبرك وأنت دون رمح وسكين وسيف، اسمع أنت خرافة وأنا المسؤول عن تصديقها.
(يجلس القرفصاء في مقدمة خشبة المسرح..يدس يده في كيس سيجارة سجائره..يخرج..يلفها..يشعلها..يدخنها..أثناء هذا المشهد يتحدث بهدوء وكأنه يحدث نفسه)
خير لي أن لا ادفنها في قبرك
خير لي أن لا ادفنها……..
خير لي أن لا……………….
خير لي…………………….
وخير لي إعادتها إلى البيت
(ينتفض واقفا وكأنه اكتشف اكتشافا جديدا، يرمي سيجارته)
اجل سأعيدها إلى بيتها عسى أن ترضى عني.
هناك في بيتك الذي تحبين متحف أحلامك القديمة كل ركن فيه ذكريات.
 سأدفنك في حديقة الدار تلك الحديقة التي أسقيتيها وأعتنيت بها وكأنك تعلمين أنها دارك الأخير.
 هل تذكرين النخلة الباسقة سأدفنك تحت فيئها،
المرأة:(من الخلف ودون أن يلتفت إليها الرجل تتم المحاورة)
كنت اسقيها يوميا وأجمل اللحظات يوم أأكل من ثمرها
الرجل:إن مت ذات يوم أرجوك أدفنيني هنا في هذا البيت
المرأة:ومقبرة الأجداد لمن نتركها؟
الرجل:دعينا نصنع مقبرتنا مثلما صنعنا أبناءنا أتمنى أن ادفن إلى جوار هذه النخلة
المرأة:حياتي معك وموتي معك (تختفي)
الرجل: سأحملك على ظهري وسأكتب وصيتي بحفر قبري جنب قبرك عسى أن تحمينا نخلتنا وتبعدنا عن هذه التربة العفنة.
 فلم يكن أكبرهم هو الأكبر.
 وناصرنا خاذلنا.
(فرح)لماذا لم تفكر بالحديقة من قبل أنتَ ميت يا هذا.
(يصمت دون حركة وكأنه تنبه إلى شيء خطر)
ولكن كيف أصل إلى البيت؟
(برهة)رأسي أو البيت
(يقف إلى جانب الحاوية ويهمس داخلها)
اخترت نخلة البيت هذه المرة.
(يتحسس رأسه)
لماذا اخترت رأسي من قبل ما نفعي به، سأختار البيت النخلة قبري وقبرك.
(يدخل الحاوية ويخرج وعلى كتفه جثة زوجته ومعلق على رقبته صحن)
سأرمي هذا الصحن في وجوههم وأتخلص من ذلتي(يخرج)
صوت المدير:ستندم لأننا لا نستطيع توفير الحماية لكم
صوت الرجل:هذا قراراي الأخير
صوت صاحب الأرزاق: (نسمع صوت السيارات من الخارج ثم صوت صاحب الأرزاق)
انتبهوا إلى الطريق هناك مطبات
(تختفي الإضاءة شيئا فشيئا سوى بقعة مركزة على الحاوية..يستمر هذا المشهد لدقيقة أو أكثر..يزداد صوت السيارة ويتداخل مع الأصوات الأخرى ثم صوت ارتطام سيارة بشخص..تختفي الأصوات جميعا إلا صوت الصحن على شارع الإسفلت)
تمت

 

زر الذهاب إلى الأعلى