مقالة عن الماسونيّة ..The Lost Symbol
أثناء بحثي عن كتابات المفكر الروسي " اميليانوف " في غوغل ، ( تمّ اغتياله ) لأنّه فضح الماسونيّة ( طبعا لم أجد أي معلومة عنه ) تفاجأت بفتوى المجمع الفقهي الإسلامي عن " حكم الماسونيّة ، و الانتماء إليها "..كانت الفتوى حاملة في تعريفها للماسونيّة كافة التناقضات التي صنعتها الدعاية حينا ، و نظريّة المؤامرة حينا ، و عدم التوصيف الفعلي لهذه المنظمة حينا آخر بحيث ضاع الحابل بالنابل ..شيء واحد مفيد حملته في كمّ التناقضات هذا ، و هو العبارات الحاسمة التالية : ( و بذلك استطاعت " يقصدون الماسونيّة " أن تسيطر على نشاطات كثير من المسئولين في البلاد العربية ، وغيرها في موضوع قضية فلسطين، وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية المصيرية العظمى )..ثم انعطفت بما يلي : ( و إن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها ، وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله ) ..طبعا الفتوى أخرجت الحكّام العرب من الإسلام لأنّ بيدهم هم " كافة المسؤوليات " المتعلقة بمصائر أوطانهم ، و مصير القضيّة الفلسطينيّة ، و عليه فإنّه يجب الخروج عليهم ، و حرابتهم .. هذا بالإضافة إلى أنّها مثيرة للضحك ، و تعبر عن ضيق نفسي أكثر مما تعبر عن حالة واقعيّة تستدعي إصدار فتوى.. فمن هو هذا المسلم من ( ضمن مليار ، و كذا نسمة ، هذا بحسب إحصائيات الدعاة ، وليس الإحصائيات الرسميّة ) الذي سيدخل إلى المحفل الماسوني ، وحالة اامسلمين لا يعلم بها إلاّ الله ، و الراسخون بالعلم من دوائر الأمن ، و المخابرات
معظم التناقضات ، و الألغاز التي أحاطت بالماسونيّة منذ نشوئها ، و حتى يومنا الحاضر قام بحل خفاياها الكاتب الأمريكي " دان براون " في روايته الأخيرة " The Lost Symbol " (1).. متتبعا حل الرموز التي تحفل بها شعاراتها ليكتب قصيدة رائعة في مديح " الماسونيّة " ، و يقدّم رسالة شكر " للماسونيين العظماء؟! " الذين بنوا أمريكا ، و رمزها الحاضر العاصمة " واشنطن " ..و بهذه الرواية يكتشف المتابع لأعمال هذا الكاتب الهدف الحقيقي من إصداره لروايتيه السابقتين اللتان أقامتا الدنيا على الكنيسة الكاثوليكيّة ، و المسميتان " شفرة دافنشي " ، و " ملائكة ، و أبالسة "..حيث نسف في الأولى مبدأ بتوليّة المسيح ، فظهرت له زوجة ، و سلالة ، و عرّى في الثانيّة كنيسة الفاتيكان ، و مجمع الكرادلة فيها..فأظهرهما بشكل لا يختلف عن أي تنظيم مافيا في ايطاليا ..و قد كشفت دراسة حديثة عن " المحفل الماسوني " أنّ هذه الكنيسة قد وجّهت الضربة الأولى ، و القاصمة لمن يعتبر نواة تأسيس هذه المحافل ، و أقصد فرسان الهيكل ( 2 )
في روايته الحاليّة " الرمز المفقود "..و بأسلوبه الممتع ، و قدرته على جذب القارئ " لم استطع ترك الرواية حتى نهايتها " ..كان الكاتب يتغلغل في رموز الماسونيّة ، و يحلحل غموضها .. و كان في الواقع يحاول تلميع صورة المحفل الماسوني الأمريكي ..
بطل روايتي " شفرة دافينشي ، و ملائكة ، و ابالسة " هو ذاته بطل هذه الرواية الجديدة " روبرت لانغدون " وهذا تأكيد إضافي الى ما ذهبنا إليه ، و البطل هذا هو باحث ، و أكاديمي " في تحليل الرموز " وهو أستاذ من ( جامعة هارفرد ) (3).. و الميزة الرئيسة لكتابات " دان براون " هو الزمن القصير الذي تدور بها أحداث الرواية " 72 ساعة " في الروايات الثلاث .. و الرواية هذه مقسّمة إلى فصول تم ترقيمها من ( 1 حتّى 133 مع خاتمة ) ، و العنوان الوحيد الرئيس في هذه الرواية " بيت الهيكل " كان في مقدمة الرواية .. يقول الراوي :
1 – ( حدّق المبتدئ …..إلى الجمجمة البشرية التي يحتضنها بين يديه كانت الجمجمة مجوّفة كالوعاء ، و مملوءة بالشراب الأحمر القاني ….. كما تقضي العادة بدأ رحلته مرتديا الزيّ الشعائري ….. قميصه الواسع مفتوح ….. ساق بنطاله اليسرى مثنيّة حتى الركبة ، و كمّ قميصه الأيمن مثني حتى المرفق ..كان يتدلى حول عنقه حبل سميك يسميه أعضاء الأخويّة " حبل الجّر " ….. كان الأخوة المحيطون به يرتدون جميعا زيّهم الكامل من مآزر مصنوعة من جلد الحمل ، و الأحزمة ، و القفازات البيضاء ..كانت تتدلّى حول أعناقهم المجوهرات الشعائريّة …..كان الكثير من هؤلاء يحتلّون مناصب هامّة في الحياة ، لكنّ المبتدئ يعلم أنّ مناصبهم الدنيوية لاتعني شيئا بين هذه الجدران ..هنا جميع الناس متساوون ، أخوة محلّفون يتشاركون رباطا باطنيّا….. وراح يسترجع في ذهنه جميع التحذيرات المخيفة …..ذبحه من الأذن الى الأذن ..اقتلاع لسانه من جذوره ..إخراج أحشائه ، و حرقها ، و بعثرتها في جهات الأرض الأربع ..اقتلاع قلبه ، و رميه لوحوش الغابات )
2 – ( هذا البناء الضخم الواقع في 1733 الشارع السادس عشر شمال غرب العاصمة واشنطن ، هو نسخة مطابقة لهيكل بُنيَ قبل الميلاد هيكل الملك موسولوس ….. قاعة الهيكل عبارةعن مكعب تام ، و غائر ..سقفها الشاهق مرتفع 100 قدم تدعمه أعمدة منليثيّة من الغرانيت الأخضر ، و تحيط بالقاعة شرفة مدرجة من مقاعد خشب الجوز الروسي الداكن المصنوعة من جلد الخنزير .. يحتل الجدار الغربي عرش بطول 33 قدم ، و أمامه اورغن مخبأ.كانت الجدران عبارة عن مزيج من الرموز القديمة .. مصريّة .. عبريّة ..فلكيّة ..خيميائية ..و رموز أخرى غير معروفة.. كانت قاعة الهيكل مضاءة بسلسلة من الشموع المرتبة بدقة ….. أكثر محتويات الغرفة رهبة مذبح هائل مقطوع من كتلة واحدة من الرخام البلجيكي الأسود المصقول ، و موضوع وسط الغرفة تماما )
3 – ( إنّه المعلم المبجّل الأعلى ….. كان رمزا أمريكيّا ، و كان محبوبا ، و قويّا ، و فاحش الثراء …. قال المعلّم : أخي أقْسم القسم الأخير .. فليصبح هذا الشراب الذي أتناوله الآن سمّا قاتلا لي إن خنت قسمي يوما عن عمد أو معرفة )
إذا بهذه المقدمة..كان ( دان براون ) يتحدث عن طقس دخول المبتديء إلى هذه الأخويّة ، و يصف هذه العمليّة من كافّة جوانبها..وبذلك يزيح الغموض عن أوّل سرّ من أسرار الماسونيّة ، و هذا الطقس المحفلي هو طقس تمثيليّ "" انتم توقرون الحقائق القديمة ، و لكنكم جبناء ، تفهمون قوّة التضحية ، و لكنكم تبقون على مسافة آمنة من الموت .. تؤدون مسرحيات قتل مزيّفة ، و طقوس موت بلا دماء " … ينطلق الراوي بعدها في كشف الرموز الماسونيّة إن كان في دلالتها ، أو في تحوّلها إلى رمز محسوس يشرحه بناء ، أو نُصب ، أو مَعلم من معالم " واشنطن العاصمة " .. كما يصمت عن شرح رموز أخرى تحفل بها ( المآزر ، و الأحزمة الماسونيّة ) مثل : النجمة السداسيّة ، و الشمعدان اليهودي ، و رسوم النجوم المرصعة التي تخصّ فرسان الهيكل ..حيث يؤكّد في بداية الرواية أنّ : "جميع الطقوس ، و العلوم ، و الأعمال الفنيّة ، والأبنية الأثريّة في هذه الرواية حقيقيّة " .. طبعا سيصدمك الكاتب في نهاية الرواية حين يوضّح أنّ ( أسرار الماسونيّة .. واضحة للعيان ، و يمكن لأيّ شخص رؤيتها من المنظور الصحيح ) ..( و كثير من الرموز الماسونيّة يرتبط بالفيزيولوجيا البشريّة ) يمثل ذلك (هرم ، و درَجَيْن ) .. العقل يقع مثل " القمّة الذهبيّة " فوق الجسد الفيزيائي يمثله حجر الفلاسفة ( تحويل المعادن إلى ذهب ..) وعلى سلّم العمود الفقري تصعد الطاقة ، و تنزل ، و تدور بحيث يرتبط العقل السامي بالجسد لفيزيائي .. 33 فقرة تكوّن العمود الفقري .. ( درجات الماسونيّة ) ، و العُجُز تسمى باللاتينيّة " Sacrum : العظمة المبجلة " .. الجسد بالفعل "هيكل " و العلم البشري الذي يقدمه الماسونيون هو الفهم القديم لكيفيّة استعمال ذاك الهيكل …
حول الهرم الماسوني ذو الجزأين ( رأس الهرم مفصول عن هيكله ) ( تدور أسرار الرواية ) كان هناك 64 رمزا على قاعدة " هرم صغير " يحتفظ به " المعلّم المبجّل " تم ترتيبها ضمن مصفوفة " مربّع فرانكلين " ..حيث تتوسط صفّها الثاني ( المربع الخامس ، و السادس ) " دائرة منقوطة " تحت الدائرة يتوسط الصف الثالث رأس الهرم .. و على المربعات الثلاث التي على يمينه تقرأ الرموز التالية ( حرف دلتا اليوناني ، الحرف E ، الأوربوس " الأفعى التي تأكل ذنبها " ) و على المربعات الثلاث التي على يساره تقرأ الرموز التالية ( زاوية النجار ، الحرفان "Au "، رمز سيغما ) .. يتم تعريف هذه الرموز على الشكل التالي :
1 – الدائرة المنقوطة : رمز المصدر .. مصدر جميع الأشياء..رمز كوني للإله " المهندس الأعظم للكون "
2 – المثلث ( رأس الهرم ) : الرمز المصري للإنسان الذي يصعد الى السماء
3 – زاوية النجار : رمز الصدق ، و الأمانة
4 – الحرفان "Au " : الإختصار العلمي لعنصر الذهب
5 – سيغما : الرمز الرياضي لمجموع كل الأجزاء
6 – دلتا : الرمز الرياضي للتغيير
7 – الحرف E : رمز الزئبق كما صوره أقدم الرموز الخيميائية
8 – الأوربوس : رمز الكليّة ، و الوحدانيّة
بصورة بسيطة أيضا ، و نتيجة ترتيب الرموز من اليسار الى اليمين تتحول الرموز إلى لفظين يعبران عن قمّة الايمان .. زاوية النجار = L ، عنصر الذهب = Au ، سيغما = S ، دلتا = D ، الزئبق = E ، الأوربوس = O .. لتتوضح الصورة " سبحان الله = Laus Deo " … و هي العبارة المكتوبة على قمّة " نصب واشنطن "
يعرّف الراوي الماسونيّة : " تتراوح صورة الماسونيين المعاصرين من كونهم مجموعة غير مؤذية من الرجال العجائز الذين يحبّون أن يجتمعوا بملابسهم الرسميّة ..إلى كونهم جمعيّة سريّة نافذة تدير العالم ، و لا شك في أنّ الحقيقة هي في مكان ما في الوسط " …
يعرج الراوي على كتاب " لين ماك تاغرت – تجربة النيّة " ، و ذلك من خلال تفسيره للمقولة الماسونيّة الدارجة ( يولد النظام من الفوضى ) : " هناك اعتقاد روحي قديم عن وجود " وعي كوني " ..اتحاد واسع للنيّة البشريّة قادر على التفاعل مع المادة الفيزيائيّة ….. من شأن الأفكار البشريّة أن تغيّر فعلا العالم الفيزيائي ….. و هذا يقودنا إلى مقولة " العقل فوق المادّة "
يذكر الراوي محفلا ماسونيّا في واشنطن : يسمى هذا المبنى هيكل مزار ألماس ، و هو المركز الرئيس لتنظيم باطني ….. يعود هذا البناء الى مجموعة تسمّى التنظيم العربي القديم لنبلاء المزار الباطني ….. إنّهم هيئة ملحقة بالماسونيين معروفون باسم أصحاب المزار
يؤكّد الراوي أنّ جميع المتنفّذين في" مبنى الكابيتول " هم أعضاء في المحفل الماسوني
– النصوص المأخوذة من الرواية تمت كتابتها بالخط الثخين
– النقاط لطويلة تفصل بين المقاطع ، و الجمل المتسقة في نصّ الرواية
هوامش :
1 – الرمز المفقود لـ( دان براون ) – ترجمة زينة جابر ادريس – الدار العربيّة للعلوم ناشرون
2 – فرسان الهيكل ، و المحفل الماسوني – تأليف : مايكل بيجنت – ريتشارد لي
3 – عندما أسَّس البروتستانت جامعة هارفارد عام 1636م كانت (اللُّغة العبرية ) هي اللغة الرَّسمية للدِّراسة في الجامعة وفي عام 1642م نوقشت أول رسالة دكتوراه في جامعة هارفارد بعنوان) اللغة العبرية هي اللغة الأم )
رشيد السيد احمد