أرشيف - غير مصنف

الانتخابات السودانية إلى أين؟

   

بقلم//                         

زيد يحيى المحبشي

 

تكتسب الانتخابات العامة في السودان أهمية كبيرة, يتوقف عليها تحديد مستقبل بلد لا يزال مصيره مجهولاً ومفتوحاً على كافة الاحتمالات, لا سيما  وأنها تأتي بعد انقطاع دام 24 عاماً على إجراء اخر انتخابات في عام 1986, شهدت البلاد خلالها الكثير من المتغيرات والأحداث والتحديات والمؤامرات, كانت معها محاولات البحث عن مواقف متقاربة بين أطيافه الداخلية ومعالجات مؤتلفة ومخارج مضمونة لأزماته المتناسلة وصولاً إلى بر الأمان وتحقيقاً لسودان مستقر وموحد ومزدهر, أمر في غاية الصعوبة والتعقيد في بلدٍ لم يشهد يوماً من الاستقرار منذ استقلاله عام 1956.

ومن هنا تأتي أهمية هذه الانتخابات والتي يعلق عليها الكثير في الداخل والخارج أمالاً عريضة لترسيخ الاستقرار والتداول السلمي للسلطة بعيداً عن العنف والإعتساف, باعتبارها الآلية الناجزة لإنفاذ التحول الديمقراطي, بعد مرور 42 عاماً (1968 _ 2010) من النظم الشمولية و21 عاماً (1989 _ 2010) من القبض السلطوي وما صاحبها من ضغوط دولية على نظام البشير تركت بصماتها في تفجير العديد من الأزمات المهددة بتشظي هذا البلد أو إعادته إلى مرحلة الاستعمار, في حين لا يزال النظام يراهن على ترابط آلية المصالحات واتفاقيات السلام والتحول الديمقراطي والطفرة النفطية ووحدة كيان البلد لمواجهة الضغوط الخارجية والسيناريوهات الداخلية النازعة إلى الإنفصال.

                                        

  محطات انتخابية

خاض السودان في تاريخه الحديث خمس انتخابات رئيسية لاختيار أعضاء البرلمان الوطني وثمان انتخابات فرعية, غير أن الانتخابات الحالية مختلفة كلية عن سابقاتها من حيث الأهداف والمقاصد والتحديات والتعقيدات والتداعيات المترتبة عليها, خصوصاً وأنها تجري على ستة مستويات وبثلاثة أنظمة انتخابية مختلفة بالتزامن, يختار من خلالها الشعب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب وحكام الولايات الـ25 والبرلمان الوطني والبرلمان الجنوبي وبرلمانات الولايات, وبالتالي تصويت الناخبين البالغ عددهم 16 مليوناً في الشمال ثمان مرات وفي الجنوب 12 مرة وعلى مدى ثلاثة أيام 11-13 أبريل, وهي مسالة معقدة للغاية في الدول المتقدمة التي تكاد الأمية فيها شبه منعدمة, فكيف سيكون الحال في بلد كالسودان يعد الأكبر مساحة على مستوى أفريقيا وتصل فيها نسبة الأمية إلى 85% وسط انعدام الإمكانيات لسيطرة أجهزة الدولة على الأوضاع خلال الانتخابات, في ظل القلاقل والاضطرابات المستمرة والمتجددة في الجنوب ودارفور وكردفان, ناهيك عن الجدل المحتدم بين القوى السياسية وتقاذف الاتهامات حول نزاهة الانتخابات من عدمه بالتوازي مع تعالي أصوات المقاطعة والانسحاب بعد فشل مطالب التأجيل أو الإلغاء لهذا الاستحقاق.

فيما يتعلق بالأنظمة الانتخابية تستخدم الانتخابات النظام المختلط أي الأغلبية المطلقة 50% زائد واحد لفوز رئيس الدولة ورئيس حكومة الجنوب والأغلبية البسيطة لاختيار حكام الولايات، وبالتالي فالسودان دائرة واحدة فيما يتعلق برئيس الجمهورية والجنوب بولاياته العشر دائرة واحدة فيما يتعلق برئيس حكومته والولاية دائرة جغرافية لاختيار الوالي.

على صعيد البرلمانيات تم توزيع مقاعدها بمختلف مستوياتها بواقع60% دوائر جغرافية و25% تمثيل نسبي للمرأة و15% تمثيل نسبي لقوائم الأحزاب ومعلوم أن البرلمان الوطني مكون من 450 مقعداً منها 270 مقعداً جغرافية و112 محجوزة للنساء و68 لقوائم الأحزاب التي يتجاوز عددها 31 حزباً متنافساً, لكن الفاعلة منها لا تتجاوز الستة أحزاب, في حين يضم برلمان الجنوب 170 مقعداً بينما تم تحديد 48 مقعداً للولايات قد تزيد أو تنقص تبعاً لتعداد كل ولاية.

 واللافت هنا اكتساب هذه الانتخابات لدعم أميركا والاتحاد الأوربي لأول مرة  خارج إطار العمل الإنساني, سواء كان مادياً أو فنياً أو سياسياً, نظراً لأهمية هذه الانتخابات على صعيد تهيئة الأجواء لاستفتاء تقرير مصير الجنوب, المتوقع إجرائه في كانون الثاني/ يناير 2011, وإقرار البرلمان المنتخب لأول دستور دائم للبلاد, بعد مرور خمس سنوات من المرحلة الانتقالية وتقاسم السلطة والثروة بين المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب, بموجب اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل بين الشمال والجنوب المبرمة في 9 كانون الثاني/ يناير 2005 والتي بموجبها تم وضع حد لنحو 22 عاماً من الحرب الأهلية.

ومعلوم أن اتفاقية السلام الشامل المنجزة حينها بناءاً على  وساطة أميركية ركزت على  مسألتين هما إجراء انتخابات عامة واستفتاء الجنوب من ضمن عدة مبادئ على رأسها التحول الديمقراطي لإحلال سلام حقيقي وطوي المرحلة الانتقالية والتوصل إلى صيغة عادلة لاقتسام السلطة والثروة والتأكيد على أهمية دور الرقابة المحلية والإقليمية والدولية في ضمان نزاهة الانتخابات, على أن الأهم ربط الاتفاقية إجراء الانتخابات بإجراء الاستفتاء, ولعل هذا هو السبب الحقيقي من وراء الدعم الأميركي والإصرار الغربي على إجراء الانتخابات في موعدها وبالتالي سحب الحركة الشعبية لمرشحها الرئاسي وانقسام المعارضة على نفسها.

كما أن الأحزاب الملوحة اليوم بالمقاطعة أو الانسحاب هي ذاتها التي قاطعت انتخابات 1996 و2000 الرئاسية والبرلمانية، وفضّلت بالتالي الانكفاء على نفسها بعد أن كانت متصدرة المشهد السياسي والحكم قبل ثورة الإنقاذ التي قادتها الجبهة القومية الإسلامية بزعامة عمر البشير وحسن الترابي وذلك في عام 1989, ما جعلها تراهن اليوم على إسقاط نظام البشير الذي تصفه بالبوليسي, وهو رهان يعكس عدم ثقتها وخوفها الدائم من هذا النظام مقابل تزايد ثقة النظام بنجاحه في الانتخابات واستمراره في السلطة والحصول على التفويض الشعبي اللازم, ومن ثم عودة هذه الأحزاب إلى التخفي ثانية.

 

سيناريوهات ملغومة

بعد مرور عام من الجدل الداخلي على إجراء الانتخابات من عدمه, وبالنظر إلى جوهر الخلاف, فالملاحظ اقتصاره على الجانب الإجرائي دون التركيز على أصل المشكلة, وهي: "كيف يمكن إجراء انتخابات وطنية شاملة, دون أن يكون هناك إجماع وطني, على عمل مشترك", ذلك أن المعارضة لا تريد أن تمنح الحكومة شرعية الاستمرار من خلال التحكم في مفوضية الانتخابات والسيطرة على مراكز النفوذ والحكومة لا تريد أن تجد نفسها في وضع تهتز فيه سلطتها والإقرار بأن دورها قد انتهى.

إذن فمشكلة هذا البلد تكمن أساساً في غياب التوافق الوطني الذي يقرر فيه الجميع أنهم يريدون العيش في إطار دولة موحدة قبل التفكير في تحديد الوسائل التي يحكمون بها بلادهم.

وهو ما يجعل من المرحلة المقبلة مليئة بالكثير من الألغام والأزمات والصراعات على نتائج الانتخابات خصوصاً وأن الحراك الأميركي حتى الآن لا يزال عاجزاً عن إزالة عوامل التوتر من الأجواء السياسية رغم نجاحه في شق صفوف المعارضة, ومما يزيد الوضع تعقيداً أن اتفاق التسوية بشأن دارفور لم يدخل بعد مرحلة التنفيذ, في حين لا يزال اتفاق السلام مع الجنوب ناقصاً ومحاطاً بالكثير من التباينات السياسية, بالتوازي مع توجه الحركة الشعبية إلى تركيز كل مواردها ومناوراتها للفوز بمقاعد تقودها إلى تشكيل حكومة دولة الجنوب المستقلة.

وهذا يعني في مجمله أن الوضع السوداني مفتوح منذ الآن على انتخابات مشكوك فيها, فضلاً عن أنه مفتوح على طلاق بين الشمال والجنوب والذي سيكون هذه المرة بائناً بينونة كبرى.

وتبقى نقطة التلاقي الوحيدة بين السودانيين وهي الاقتناع بفداحة تجدد الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب إذا تجددت وهو مستبعد طبعاً, وفداحة استمرار الكارثة في دارفور, وما يترتب على الحرب والكارثة معاً من تداعيات تضع هذا البلد على أعتاب حقبة تاريخية جديدة, لن تنفع معها مساحيق التجميل, في بلد يدل كل شيء فيه على أنه يعيش في أزمة حقيقية تستدعي ضرورة العمل لتمكينه من تجاوزها بأقل الأضرار والخسائر, وفي مقدمتها انقسامه إلى شطرين بعد عهد قصير من تجربة سودان واحد بنظامين, وما لذلك من استحقاقات ومقتضيات كل واحدٍ منها كفيل بإشعال فتيل حرب جديدة قطعاً ستكون معها الحرب الأهلية المريرة التي مر بها السودان مجرد نزهة قصيرة.

وعموماً تشير التوقعات إلى فوز البشير بالأغلبية المريحة في الجولة الأولى وفشل رهانات المعارضة على إجراء جولة ثانية, تقف فيها خلف الصادق المهدي لمواجهة البشير, والذي يبدو أنه سيكون أكبر الخاسرين في الانتخابات الرئاسية.

 والملاحظ هنا أخذ الانتخابات الرئاسية طابعاً قومياً تتلاشى فيه القبيلة أو قد تزدوج فيه الانتماءات عكس انتخابات حكام الولايات في بلد لا زالت القبيلة تلعب فيه دوراً محورياً.

ومن التوقعات أيضاً تراجع شعبية حزب الأمة القومي في دارفور لصالح المؤتمر الشعبي والذي يعد في نظر الكثير من المحللين الوجه الأخر لحركة العدل والمساواة، وبالتالي استفادة الشعبي من انشقاقه عن حليفه البشير ووضوح موقفه منذ البداية حول المشاركة في الانتخابات وهو ما يجعله متصدراً لقائمة الرابحين في هذه الانتخابات على الصعيد الولائي والتشريعي مقابل خسارة المؤتمر الوطني لبعض الولايات والحصول على مقاعد مقبولة في البرلمانيات تعوض خسارته في ولاة الولايات وعدم حصوله على الأغلبية المطلقة في الرئاسيات وكل هذا سيمكن المؤتمر الوطني من الانفراد بالمشهد السياسي في الشمال والتحكم الكلي في آلية إعادة رسم المعادلة السياسية الشمالية بصورة تتيح له حرية التحرك والمناورة على صعيد استفتاء الجنوب وإكمال مشروع المصالحات واتفاقيات السلام في الشمال ومواجهة الضغوط الدولية وفي مقدمتها مذكرة الاعتقال الصادرة بحق البشير.

لكن في بلد كالسودان لا تحكمه الولاءات السياسية وحدها بل هناك الولاءات القبلية والمناطقية وولاءات المصالح وما أكثرها, كل هذا يجعل من عامل المفاجآت سيد الموقف والثابت الوحيد في هذا البلد, وهذا لا يعفي قادته من الإقرار بأن الانتخابات بكل عيوبها تظل مصلحة جماعية وضرورية لقيادة البلاد إلى مستقبل أفضل تسوده روح التفاوض والحوار الوطني والعيش المشترك وليس الصراع وما لم تستوعب قواه السياسية هذه المعادلة فإن نُذر أزمة عاصفة تلوح في الأفق, كما أن نزوع بعض أطيافه إلى الكمال على افتراض حسن النية, نزوع مشروع, لكن أين هو الكمال في تجارب العالم الديمقراطية على مدى التاريخ العريض, إذن فما يشهده السودان اليوم تجربة متقدمة وخطوة للأمام تبدو ضرورية لأهميتها في تكريس المصالحات وتعزيز الوحدة الوطنية ووضع الأمور على سكة الحلول وإعادة بناء الثقة.[email protected]

From sudaneseonline.com

 

اخر الاخبار

خلاف في ندوة بالقاهرة حول مصيرالسودان فيما بعد الإنتخابات

By

Mar 29, 2010, 19:50

 

 

 

 

خلاف في ندوة بالقاهرة حول مصيرالسودان فيما بعد الإنتخابات

26 مارس 2010 – 12:00 صباحا

مرات المشاهدة : 1014

 

نصر الدين بين كوشيب والنعيم

موسي كوشيب: فوز البشير يعني انفصال الجنوب

 

عبدالملك النعيم : الرئيس القادم سيكون مدعوما بإختيار الشعب وربط الإنفصال بفوز البشير غير موضوعي

 

القاهرة " أفريقيا اليوم "سمير بول  

 

قال نصر الدين موسى كوشيب ، رئيس مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان بمصر  ، أن فوز البشير في الإنتخابات الرئاسية القادمة يعني صراحة انفصال الجنوب عن الشمال ، معتبرا أن وحدة السودان فى يد حركته و من خلال برنامج "السودان الجديد" الذي تتبناه .

 

جاء ذلك خلال  ندوة بعنوان "السودان ما بعد الانتخابات " نظمها حزب الغد المصري في مقره بوسط القاهرة مساء الثلاثاء الماضي بحضور الملحق الإعلامي لسفارة السودان بمصر الدكتور عبد الملك النعيم  ،  والسفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق ،و موسى مصطفى موسى ، رئيس حزب الغد .

 

وانتقد الدكتور  إبراهيم نصر الدين ، نائب رئيس حزب الغد وخبيرالشئون الإفريقية ما وصفه بغياب الاهتمام المصري  بقضايا السودان ودول حوض النيل رغم كونها قضايا"مصيرية"، مضيفا :علينا نحن في مصر أن نضع السيناريوهات لما بعد الانتخابات لأن الأمر كله يتعلق بمستقبل السودان .

 

الملحق الإعلامي لسفارة السودان الدكتور عبد الملك النعيم   أشار إلي أن هناك 12 مرشح لرئاسة السودان وقال أن الترشيح   يجري على مستويات مختلفة وبذلك تكون الإنتخابات  مركبة ومعقدة مشيرا إلي أن أعداد الناخبين بلغت 16.5مليون ، وقال أن الانتخابات تعتبر استحقاقا من استحقاقات اتفاقية السلام الشامل ، ورغم الأصوات التي تنادى بإلغائها أو تأجيلها فإن الحكومة أعلنت صراحة بأنها ملتزمة بالانتخابات وأي تعديل يعنى الرجوع إلى الاتفاقية .

 

ولفت إلي أن الجديد في هذه الانتخابات هو قيام مفوضية تشرف عليها بدلا عمن الحكومة ويرأس  هذه المفوضية شخصية جنوبية معروفة باعتدالها ،وقد أعلنت المفوضية تشكيل لجنة إعلامية وان يكون خلال ال56 يوما – مر منها 4 أسابيع –  لكل حزب الفرصة لطرح برنامجه الانتخابي من خلال التلفزيون القومي ومنبر سونا .

 

أضاف  عبد الملك أنه لأول مرة تكون هناك رقابة دولية حيث وصل إلى السودان 130 فردا من الاتحاد الأوروبى وأعلنت الحكومة والمفوضية استعدادهما لاستقبال المراقبين وهذه إشارة ثقة ، موضحا أنه كانت هناك بعض المطالب من الأحزاب الأخرى بعضها كانت موضوعية واستجابت لها المفوضية مثل موضوع تنظيم المسيرات والندوات  ، حيث رأت تلك الأحزاب أن اخذ الإذن لقيام ندوة يعرقل عملها بعض الشيء وكانت  المفوضية قد رأت أن طلب الاذن  هو لتوفير الحماية والأمن ، مشيرا إلي أن بعض الأحزاب تقول أن المفوضية غير محايدة وهذا غير حقيقي ، وهنالك أحزاب عندما رأت أن الاقتراع سيأتى بنتائج ليست في صالحها طالبت بحكومة جديدة ولكننا أكدنا أن هذه الحكومة "حكومة الوحدة الوطنية" ستستمر حتى تسلم السلطة للشعب .

 

وأكد  عبد الملك أن 92% من دارفور أمنة و 80% منها ستجرى فيها الانتخابات  ، و أن الحكومة السودانية قد نفذت 95 % من بنود اتفاقية السلام وهى الآن ساعية للوحدة الجاذبة ، لافتا إلي أن العلاقة بين الشمال والجنوب متداخلة ، و أن السودان منذ أن نال الاستقلال موحد وستسعى الحكومة إلى استمرار ذلك لأن العالم يتجه إلى التكتل والتوحد ومصلحة السودان في الوحدة وليس الانفصال .

 

من جانبه قال كوشيب :  نحن كحركة شعبية ملتزمون بالانتخابات ، ولكن هناك بعضا من الاختلافات  تتمثل فى إقليم دارفور وهل هو  داخل الانتخابات أو خارجها ،  كما أن لدينا  تحفظات متمثلة في غياب  النزاهة عند تحديد الدوائر الجغرافية ، و تأجيل الانتخابات على المستوى الولائى في ولاية جنوب كرد فان.

 

واستطرد أنه  بالنسبة للحركة وفيما يتعلق بمرحلة ما بعد الانتخابات فإن فوز المؤتمر الوطني يعنى انفصال جنوب السودان وذلك لأسباب جوهرية اختلف عليها المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وهى الدين ،فالمؤتمر الوطني يصر على أن الغالبية العظمى في السودان مسلمين وهذا يثير التساؤل : ما الذي يجعل الجنوبيين يقبلون بالعيش في دولة هم فيها مواطنين من الدرجة الثانية ، مشيرا الي اضطرابات متوقعة في أماكن أخري  علي خلفية المطالب المطروحة من قبل شعب جبال النوبة و النيل الأزرق وشرق السودان ،وغرب السودان وهذه المطالب فى يد الحركة الشعبية والتي تنادى بسودان موحد قائم على أسس جديدة ومن خلال الورش التي جمعتنا بالمؤتمر الوطنى فى الخرطوم وفى جوبا وفى القاهرة طرحنا ذلك مشيرا إلي أنه سيكون هناك لقاء فى القاهرة يجمع سلفا كير وعمر البشير ومعهما الرئيس المصري لمناقشة قضية السودان

 

واكد كوشيب ان الانفصال سيتطلب من مصر التعامل مع دولتين ولذا عليها أن تتحرك وتحاول تقريب وجهات النظر بين  السودانيين خاصة النظر فى موضوع الدين والدولة ،واتفاقية السلام قد قسم كل شى اثنين فى الحكومة والجيش والثروة وهذه إشارة واضحة لتكوين دولتين ولو اقتضى الأمر تكوين دولتين لابد ان تكون العلاقة بين الدولتين جيدة حتى لا تحدث صراعات تجر فيها بقية دول المنطقة والدول المجاورة التي لها أطماع في الدولة الحديثة .

 

ولفت الدكتور ابراهيم نصر الدين إلي عدم وجود جدار اجتماعي قوى فى جنوب السودان ، مشيرا إلي أن اكثر من 100 ألف قتلوا فى الفترات الأخيرة بسبب مشاكل بين الجنوبيين بعضهم البعض  ، وهنالك جماعات صغرى مثل الزاندى والشلك لو انفصل الجنوب كيف سيكون وضعهم ، متوقعا أن تصبح دولة الجنوب مثل دولة الصومال التى اعلنت استقلالها فى 1991لكن لم تجد الاعتراف من أحد رغم ان لديها كل مقومات الدولة من ميناء وموارد ، وبالتالى سيتحول الجنوب لحالة صوملة كما فى الصومال .

 

وأضاف أن في  داخل الجنوب الكثير من الكوادر هم من شمال السودان ، والمرشح لرئاسة السودان هو من شمال السودان و الكوادر العسكرية من جبال النوبة ، والسؤال الذى يفرض نفسه هو بعد أن ينفصل الجنوب هل ستقول الحركة الشعبية :شكرا لكم على الخدمة وتستغني عنهم ؟ .

 

وتساءل ابراهيم عن مصير الجنوبيين الذين انقطعوا عن الجنوب ويعيشون في الشمال ، متوقعا حدوث حالة نزوح اكثر واكبر من حالة  النزوح التى حدثت فى دارفور ، معبرا عن اعتقاده بأن كلا من اثيوبيا واوغندا والكونغو سوف يرفضون انفصال النوب السوداني اضافة الي أن خط الحدود بين جنوب السودان وشماله " سيكون خط نار " فالعرب سيقفون مع الشمال والدول الأخري مع الجنوب و والكل سيحارب الكل ،و في النهاية ستدفع مصر الثمن من استقرارها .

 

السفير / عبدالله أكد أن السودان يتجه للتفتت   معبرا عن أسفه لقيام  الحكومة المصرية بفتح قنصلية لها فى الجنوب ، رغم انها لم تكن ذات قدر فاعل فى توقيع اتفاقية السلام مهاجما اتفاقية نيفاشا ومؤكدا أنها جاءت نتيجة   لتحالف الكنيسة الدولية مع الولايات المتحدة الامريكية . وأنها ليست سوي دعوة لفصل السودان  ، حيث اغرت هذه الاتفاقية  المتمردين بالسلطة والثروة وجعلت الجنوبيين يتدللون فى اختيار الوحدة والانفصال ، وقال : هذا إستخفاف بمصير السودان لافتا إلي أن الحركة الشعبية لديها الان 25 مكتب حول العالم واحد منها فى واشنطن والحكومة السودانية تعلم ان الجنوب سينفصل ، ولا يوجد شئ اسمه جاذبة او غير جاذبة فالمسئولية هى مسئولية وطنية .

 

  من جانبه علق كوشيب قائلا : ان مشروع السودان الجديد قام ولن يتوقف حتى لو انفصل الجنوب ، مؤكدا ان هناك فرق واضح بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وجنوب السودان ، فالحركة الشعبية ستبقى  ولو انفصل الجنوب او لم ينفصل ، صحيح ان الحركة قامت فى الجنوب لكنها قامت لكل السودان أجمع  ، و بخصوص مصير الجنوبيين الموجودين فى الشمال ما بعد الانفصال قال كوشيب أن من حقهم ان يبقوا فى الشمال او ان يعودوا الى الجنوب ، مشيرا الي أن الحركة رشحت ياسر عرمان لانه يمثل مصلحة الحزب  فى السودان الجديد الموحد والقوى  وهذا دليل على ان الحركة الشعبية لتحرير السودان هى حركة سودانية قومية   منهيا بالقول : نحن لا نعارض البشير فى شخصه فهو شخص سودانى ووطنى  لكننا نعارض برنامجه القائم على إقصاء الاخرين  . 

 

  عقب  الدكتور عبدالملك النعيم قائلا : لا أرى اى موضوعية فى القول بأنه اذا فاز فلان ستكون الانتخابات نزيهة واذا خسر فلان فإن هذه الانتخابات تكون غير نزيهة ، او مثلا لو فاز البشير سيكون الانفصال واذا خسر ستكون الوحدة ، أقول هذا الكلام غير صحيح لان الفائز سياتى عبر الشعب واى رئيس قادم سيدعمه الشعب السودانى  أجمع ، واريد ان أوضح ان هذه الانتخابات قد أمنت مقاعد فى البرلمان للأحزاب الضعيفة اذا لم تكتسح الانتخابات ، بالإضافة إلي انها أعطت للمرأة 25%  بدون النظر لاى حزب تنتمي إليه ولها الحق فى المنافسة فى بقية المقاعد ، موضحا  أنه بخصوص الدولة الدينية الموحدة فقد كان معلو

المقالات 

 أحمد منصور

 هل يتغير وجه السودان بعد الانتخابات؟ 

 

 

 

أحمد منصور..

توقفت السيارة التي كنت أركبها عند إحدى إشارات المرور في العاصمة السودانية الخرطوم، جاءت سيارة على يميننا من ماركة تويوتا لاند كروزر وفوجئت بأن نوافذها مفتوحة وأن بها أشخاصا مسلحين ينظرون تجاه السيارات التي عن يمين وشمال سيارتهم اعتقدت للوهلة الأولى أنها ربما تكون تابعة لأحد مسؤولي الأمم المتحدة الذين يزحمون شوارع الخرطوم بسياراتهم وكذلك مطار الخرطوم الذي لا يخلو عادة من طائرة أو طائرتين رابضتين من طائرات الأمم المتحدة أو ضيف رسمي من ضيوف السودان، لكن السيارة حينما تجاوزت سيارتنا ووقفت مثلنا في الإشارة الضوئية فوجئت بأن السيارة التي خلفها وهي من نفس ماركتها يجلس في كرسي المقدمة فيها إلى جوار السائق الرئيس السوداني عمر حسن البشير يرتدي الزي السوداني التقليدي، وحتى أتأكد مما رأيت سألت مرافقي … هل هو الرئيس البشير ؟ قال نعم: إنه هو، ربما يكون في طريقه لأداء واجب اجتماعي.

 

والذي لا يعرف الطبيعة الاجتماعية في السودان يفاجأ أحيانا بحجم وعدد ونوعية الواجبات الاجتماعية، فكثير من وقت السودانيين يذهب في أداء الواجبات الاجتماعية مثل مراسم العزاء في الأموات، والمشاركة في تقديم التهنئة في الأفراح، وحتى التهنئة في المواليد والذهاب للحج والعمرة وحتى السفر و القدوم وغيرها من المناسبات الاجتماعية المختلفة.

 

وأذكر أني حينما خرجت من مطار الخرطوم أثناء زيارتي الأخيرة لم أجد صديقي «المسلمي الكباشي» في انتظاري فقد أبلغني أن سيارته قد تعطلت وهو في طريقه للمطار وكان الفندق قد عرض عليّ إرسال سيارة فأبلغتهم أن هناك من ينتظرني ومن ثم تكاثر علي سائقو سيارات التاكسي حتى يقوم أحدهم بتوصيلي ولأنهم جميعا قد عرفوني فقد كنت صيدا ثمينا لمعظمهم لكني فوجئت بشاب سوداني يشق الجموع ويبعدهم ويرحب بي وقال لن تذهب إلا معي، فاعتذرت له بلباقة وأبلغته أني سأستقل «تاكسي» لكنه أصر وقال لي إن سيارته خالية والفندق قريب من بيته وأنه كان يتمنى أن يراني من قديم ومن ثم فإن قبلت صحبته في سيارته فسوف يكون ممتنا لي كثيرا.

 

قلت له هل جئت لتوصيل مسافر ؟ قال لا لقد جئت لاستقبال أحد جيراني لكني فوجئت بالكثيرين من الجيران خرجوا مثلي لاستقباله لذا فإنه يشرفني أن أقلك أنت.

 

هذه صورة وشكل من أشكال الواجبات الاجتماعية إذا جاء مسافر ربما خرج نصف جيرانه للمطار لاستقباله، وهذه الواجبات الاجتماعية يشارك فيها الجميع بدءا من الرئيس إلى عامة الناس.

 

غير أن البساطة والواجبات الاجتماعية التي يتحرك بها البشير بين الناس لا تعني تهاونا في السلطة أو إدارة الدولة فهذا أمر آخر، وربما الفترة القادمة تفرض على الرئيس البشير أن يتحرك أكثر بين الناس، فالانتخابات العامة التي ستجري في السودان في شهر إبريل القادم هي الأولى منذ انتخابات العام 1986 التي جاءت بحزب الأمة للسلطة حيث قاد الصادق المهدي السودان وسط تحالفات من أحزاب مختلفة حتى قام البشير بانقلابه عام 1989، من يومها لم تجر أية انتخابات عامة في السودان مما يعني أن هناك ثلاثة أجيال جديدة لم تشارك في أية عملية انتخابية.

 

وتكمن تعقيدات الانتخابات القادمة أنها سوف تكون شاملة لكل شيء: انتخابات رئاسية وانتخابات برلمانية، وانتخابات لاختيار الولاة ومجالس الولايات، مما يعني أن الناخب السوداني الذي لم يدخل أي مقر انتخابي منذ 25 عاما سوف يجد نفسه داخل غرفة الانتخابات يصوت أربع مرات في أربعة صناديق مختلفة وهذا أمر معقد دون شك في الدول المتقدمة التي تمارس العملية الانتخابية بشكل دائم فما بالنا ببلد مترامي الأطراف مثل السودان وشعب نسبة الأمية فيه عالية، كما أنها تأتي قبل أشهر معدودة من حق تقرير المصير للجنوب المقرر أن يتم في شهر يناير القادم 2011، حيث يتعامل كثير من السياسيين السودانيين وعلى رأسهم الصادق المهدي زعيم حزب الأمة ورئيس الوزراء الأسبق والمرشح للرئاسة في مواجهة الرئيس البشير على أنها أصبحت أمرا واقعا، فالحشد في الجنوب قائم على التصويت لصالح الانفصال مما يعني أن الخرائط التي نشرت قبل عدة عقود لسودان شمالي وآخر جنوبي ستصبح واقعا خلال أشهر مع كافة إشكالات التقسيم وتعقيداته، ومن ثم فكما قال لي الصادق المهدي يجب أن نرتب من الآن علاقات حسن الجوار مع الجار الجنوبي ونرتب لكثير من التعقيدات التي قد تنشأ مع الخيار الجنوبي حتى لا تنشب الحرب مرة أخرى.

 

من أهم التحديات التي تواجه الانتخابات القادمة القلاقل الموجودة في الجنوب ودارفور وشرق السودان كذلك، وهي عوامل سوف تؤدي إلى مشكلات لا نهاية لها، فمن أصعب الأمور إجراء انتخابات في أجواء حروب أو قلاقل أو اضطرابات.

 

كما أن مرشحي الرئاسة الذين بلغ عددهم 12 مرشحا في مواجهة الرئيس البشير سوف يواجهون تحديات كبيرة سواء في أن يجوبوا ذلك القطر المترامي الأطراف المليء بالمشكلات أو إقناع الناخب السوداني بأي منهم، ومن هذا الباب يرى بعض المراقبين أن الانتخابات القادمة لن تكون سوى تكريس للوضع الراهن في السودان وإضفاء للشرعية بعد خمسة وعشرين عاما على العسكر الذين سيطروا على السلطة عبر انقلاب عسكري.

 

وقد سألت الصادق المهدي بصراحة تامة حول الناخب السوداني الذي اختاره وحزبه عام 1986 والناخب السوداني الآن في العام 2010، فأقر أن كل شيء قد اختلف ومن ثم فإن خيارات الناس سوف تختلف أيضا ليس بالنسبة للصادق المهدي فحسب ولكن في ظل انتخابات حرة ونزيهة ـ وهذا ما تشكك فيه المعارضة ـ سوف تكون هناك إفرازات جديدة سوف تغير المشهد السياسي السوداني بشكل تام ورغم تدشين الحملة الانتخابية رسميا فإن هناك مخاوف لدى كثيرين من أن يتم إلغاء الانتخابات في أي لحظة لأسباب أمنية أو سياسية، لكن الجميع يترقب هذه الفرصة التي جاءت للسودانيين بعد 25 عاما من غيابها، وسوف يستدعي هذا من الرئيس البشير بل يضطره خلال الفترة القادمة للمشاركة في كثير من المناسبات الاجتماعية باعتباره مرشحا يريد أن يحظى بثقة الناخبين عبر صندوق الاقتراع هذه المرة، كما أنها ستكون فرصة لكثير من السودانيين لممارسة حق حرموا منه طيلة ربع قرن حرمهم منه نفس الرئيس الذي يريد أن يحظى بثقتهم.

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى