أرشيف - غير مصنف
حتى بوجود أوباما…لا يريدون أمريكا
بقلم:سري سمور-جنين-فلسطين
في مقال نشر مؤخرا لمرشح الرئاسة الأمريكية السابق جيسي جاكسون،وهو ديموقراطي بالمناسبة،حول التغيرات في السياسة الأمريكية ،توصل السيد جاكسون إلى نتيجة خاطئة وفرية كبيرة،اعتدنا على سماعها من المسئولين والمنظرين الأمريكيين،وهي أن الغضب من أمريكا ليس بسبب أفعالها بل بسبب ما تحمله من قيم الحرية الفردية و السوق الحرة…ولست هنا بصدد الرد على هذه الكذبة الكبيرة لأن هناك من رد ويرد عليها ،كما أن الشواهد على الأرض تدحضها.
ما يلفت النظر في مقال السيد جاكسون هو ما أورده من حقائق ومعلومات عن أوباما وعن الولايات المتحدة ؛فقد وصف خطابات أوباما بالأفلاطونية وأنها تثير سأم الجمهور ،وأضاف جاكسون بأن الولايات المتحدة باتت مدينة للدول «التافهة والبغيضة» كما سماها ،وأن العجز في الميزانية بلغ 2 تريليون دولار ،كما اتهم الصين بالسعي للإطاحة «بعرش الدولار» كعملة عالمية ،وهو ليس أول من يوجه للصينيين هذا الاتهام.
العصر الإمبراطوري للولايات المتحدة،كما تؤكد الحقائق والأرقام ،آخذ بالأفول ،وهذه سنة الله في الأرض والخلق،ولن ينفع لا أوباما ولا غيره في إطالة عمر الهيمنة الأمريكية وسياسة القطب الواحد على الساحة الدولية،ورغم أن أوباما بخطاباته حاول اتباع سياسة جديدة هدفها الإبقاء على معادلة التفرد الأمريكي في العالم ،ولكن بنبرة متصالحة وودية لا سيما مع المسلمين،وخالية من أسلوب من ليس معي فهو ضدي،وخفف من رسائل التهديد ،رغم أنه لم يتراجع أو يتوقف عنها،ولعل هذا ما جعل العديد من المتابعين يتحدث بنوع من الحماسة الزائدة عن سياسة أمريكية جديدة ،بدل اتباع الدقة والحديث عن خطاب أمريكي جديد!
المتربصون والمتضررون والطامحون والحالمون في هذا العالم قرروا ضمنا إنهاء تفرد أمريكا بالكرة الأرضية ،هذا بغض النظر عمن يجلس في المكتب البيضاوي سواء أكان جمهوريا أم ديموقراطيا،أكان أشقر اللون أم أسمره !
هناك قوى صاعدة ،وهناك قوى تسعى للحفاظ على هويتها الثقافية ،وهناك قوى ترغب في الانتقام،وهناك قوى ترغب بالتغيير ؛هؤلاء مختلفون في أيديولوجياتهم وجغرافياتهم ومستواهم العلمي والتقني وحتى في تصورهم للكون والحياة؛لكن شيئا واحدا يجمعهم وهو الخلاص من الهيمنة الأمريكية بشتى أشكالها وصورها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية ،ومن البديهي القول بأنه لا تنسيق –حاليا- بينهم ولا خطط توحد جهودهم ،ولكن وبالتأكيد فإن كل نشاط أو جهد يقوم به كل واحد منهم كدول ومجموعات وحتى كأفراد يصب في اتجاه تحقيق الهدف المشترك .
– الصين تغزو العالم بصناعاتها ومنتجاتها المختلفة ،ولو أضفنا إلى ذلك ما اتهمها به جاكسون وغيره،فإن الصين وبخطى مدروسة وكدولة كبرى لها مقعد دائم في مجلس الأمن ،تدق مسمارا في نعش المشروع الامبراطوري الأمريكي .
– روسيا، أو ما يحلو للبعض تسميته بالدب الروسي ، دخلت في ما يشبه الحرب الباردة مع أمريكا ، وما حدث في قرغيزستان والجدل العلني حول قاعدة «ماناس» الأمريكية في تلك البلاد هو أحد المؤشرات القوية على هذه الحرب والصراع على مناطق النفوذ ،وللعلم فمن هذه القاعدة انطلق عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين مؤخرا نحو الأراضي الأفغانية ،ناهيك عن إمدادات المؤن والعتاد .
– ولنبق في أفغانستان فقبل ربع قرن كان الجيش الأحمر غارقا في وحل الحرب في هذا البلد ،وكان للأمريكيين في هذا دور مشهود،والآن ينقلب الوضع ،وبشائر فشل السياسة الأمريكية في أفغانستان تلوح في الأفق ،وحتى صنيعتهم كرزاي بدأ يتبادل معهم التهم حول المتسبب في هذا الفشل .
– إيران تواصل رفع صوتها وتخصيب اليورانيوم ،وأمريكا تطلق التهديدات ضدها ،والمهم هل ستسمح كل من موسكو وبيجين بالتخلص من إيران ضمن صفقة شاملة مع واشنطن؟كان هناك صفقة مثل هذه قبل نحو عقدين من الزمن،حين تلقت الصين مليارات الدولارات مقابل عدم استخدام حق النقض(الفيتو) ضد قرار من مجلس الأمن يتيح استخدام القوة العسكرية من قبل قوات نحو ثلاثين دولة لإخراج العراق من الكويت ؛الزمن الآن تغير كثيرا،ومصالح روسيا والصين مع إيران متشابكة ومعقدة،ثم إن أي عمل عسكري ضد إيران معناه ارتفاع لم يسبق له مثيل في أسعار النفط ،ربما يكون الوضع «النفطي» في أمريكا مستقرا أو شبه مستقر بفضل احتياطاتها النفطية ولكن لم تدفع الصين وغيرها ثمن مغامرات أمريكا العسكرية؟
– في العراق الوضع فوق مرجل يغلي ،وقد أعلن أوباما نيته سحب قواته من هناك،وفي بلد كالعراق كل شيء متوقع ،والأكثر توقعا هو الخسارة الفادحة للاحتلال الأمريكي ومشاريعه.
– كانت الولايات المتحدة تهدد سوريا بمصير كمصير العراق ،وقالت كونداليزا رايس كلاما صريحا بهذا الشأن،الآن اضطروا للتقارب مع السوريين،وعادت العلاقات إلى دفئها بين سوريا ولبنان،وحتى من أعلنوا خصام سوريا فتحوا معها صفحة جديدة مثل الحريري وجنبلاط.
– يضاف إلى ذلك المشاكل الداخلية في أمريكا ،وارتفاع التأييد للميليشيات الانفصالية ،وتنامي النزعة العنصرية-رغم اختيار أوباما كرئيس للبلاد- والمشاكل الاقتصادية التي يمكن حلها فقط بالتخلي عن المشروع الإمبراطوري وعودة الجنود إلى ديارهم ،وهذا ما يبدو مستبعدا،ومعه ستتفاقم الأزمة الداخلية.
قد يبدو ما سبق نوعا من الإفراط المبالغ فيه من حيث التقليل من سطوة وقوة أمريكا ،ومن ناحية التسرع لبدء العد التنازلي لنهاية عصر العم سام؛فأوباما وقع اتفاقية «ستارت2» مع الروس ،وقبل ذلك نجح في إقرار مشروع الرعاية الصحية ،ثم إن الذين يناصبون أمريكا العداء أو الذين لا ترغب بهم أمريكا يعانون من النبذ والعزلة الدولية ،وربما الشطب النهائي والعراق ورئيسه السابق خير دليل على ذلك؛هذا صحيح إذا غضضنا الطرف عن التحولات الدولية الدراماتيكية في العالم ،وعن حجم الاهتراء والتدهور داخل أمريكا ،ثم إن المعركة ضد الهيمنة الأمريكية ليست سهلة ،وقد لا تؤتي أكلها سريعا،فهي تراكمية أساسا ؛وأيضا،وهذه نقطة هامة،فإن أمريكا قد تدفعها غريزة الهيمنة الإمبراطورية المتحكمة بها نحو تفجير الوضع واللجوء مجددا لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران أو غيرها لحرق المراحل الزمنية للصراع الدائر بين أحادية القطبية ،أو الأقطاب المتعددة.
وفيما تجري كل هذه التطورات والتغيرات على الساحة الدولية نحن ننشغل،أو يشغلوننا،بالجدل أو الخلاف أو الأزمة ،لا أدري أي التسميات أكثر صحة،بين باراك أوباما وبنيامين نتنياهو ،وهذا الأخير وطاقمه وعيونه في واشنطن يدركون أكثر من غيرهم حقيقة وضع وموقف الأمريكيين في هذه المرحلة،على كل سأتحدث عن هذا الأمر في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الإثنين 16/ربيع الآخر/1431هــ الموافق 12/4/2010م
من قلم/سري سمور