السفارات الفلسطينية ودورها المفترض
بقلم: زياد ابوشاويش
هاتفني من الجزائر صباح اليوم الاثنين الثاني عشر من ابريل (نيسان) المناضل المعروف حمزة يونس شاكياً منعه من دخول السفارة الفلسطينية بالجزائر العاصمة بأوامر من الأخ محمد الحوراني سفير فلسطين في الجزائر الشقيقة ففتح وجعاً حرصت في سنوات سابقة على مداراته قدر المستطاع كونه يرتبط بأخص خصوصيات الثورة الفلسطينية وما مثلت على مدار خمسة وأربعين عاماً قدمت فيها قوافل الشهداء وأضعافهم من الأسرى والجرحى والمعوقين والأرامل والأيتام، لكنها كذلك خرجت من مدرستها الوطنية آلاف الأبطال من المناضلين الشرفاء وقدمت دروساً في الصمود والوفاء لأهدافها رغم العثرات والانتكاسات…. والخيانات أيضاً.
خصوصية الحديث عمن يمثلنا في دول العالم المختلفة تنبع من عدة عوامل أهمها حساسية الموقع والدور المنوط بالسفراء والسفارات والعاملين بها باعتبارهم يمثلون وجه الشعب وطليعته الثورية الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية الكيان السياسي للفلسطينيين في الداخل والخارج والتي كانت ممثلياتها في العالم تفوق عدداً سفارات دولة العدو الصهيوني، وكذلك لأن ممثلي فلسطين ومنظمتها يجب أن يكونوا طليعة الشعب ليس ثقافة وقدرة على التحدث بلغات غير العربية بل وفي العطاء والسلوك وتقديم النموذج اللائق بثورتهم وبوطنهم وقضيتهم التي تعتبر أم القضايا وأهمها على الصعيد الكوني، ثم أخيراً لأن هذه السفارات ومن فيها مكلفة بإدامة أفضل الصلات وأوثقها مع الدولة المضيفة وبالتالي فهي تحتفظ بأرشيف للعلاقات يجب أن يكون على درجة كبيرة من الأهمية… والسرية أيضاً في بعض جوانبه.
سمعنا ورأينا بعض الذين نقصدهم هنا يمارسون أسوأ تمثيل لشعبهم وأمتهم وهم الأقلية حتى لا يتهمنا أحد بجلد الذات. لكن هذه القلة كانت عنواناً للهجوم على مؤسسات منظمة التحرير وممثلياتها في الخارج واستطراداً على سفاراتها بعد ذلك. وبقيت الأوامر والنواهي وكذلك العقوبات طي الكتمان ولم نعمم دروساً نستفيد منها على هذا الصعيد، بل أكاد أقول أن هذا الموضوع بقي ضمن الطلاسم المغلقة على أغلبية الشعب الفلسطيني وكأنه يتعلق بأجهزة الأمن الداخلية للمقاومة أو من المحرمات.
وعلى سبيل المثال لا نعرف حتى اللحظة ما هي المؤهلات المفترضة في سفير فلسطين والثورة في هذه الدولة أو تلك، ولا نعرف كذلك السبب في تعيين هذا المناضل أو ذاك ممثلاً ومعتمداً للثورة وسفيراً أو قنصلاً أو أي مستوى للسلك الدبلوماسي المعروف في السفارات.
وما دمنا نتعرض لهذا العنوان فقد لوحظ أن عدداً من الفائزين بعضوية المجلس الثوري لحركة "فتح" في مؤتمرها الأخير عينوا سفراء لفلسطين في دول عربية وأجنبية بقرارت الخارجية في رام الله ودون رأي أو مشورة الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية كون هؤلاء لا يمثلون الضفة الغربية فقط بل كل الشعب الفلسطيني وهم معنيون باللاجئين الفلسطينيين في تلك الدول كعناية سفراء الدول الأخرى بجاليتهم هناك.
رغم هذا قرأنا وسمعنا احتجاجات فتحاوية على السيد المالكي وزير خارجية حكومة تصريف الأعمال برام الله بسبب تفرده بقرارات التعيين وإغفاله وزن "فتح" في معادلة التعيينات، ولأن الشيء بالشيء يذكر فربما من المفيد كذلك التنويه بأن أحد نقاط الخلاف بين حماس و"فتح" في قصة المحاصصة بعد اتفاق مكة المرحوم هي نسبة المعتمدين لكل منهما كسفراء وممثلين لشعبنا المنكوب.
إذن هناك معيار هام وحاسم في تعيين السفراء وممثلي الثورة وفلسطين هو الانتماء لحركة "فتح" وليس غيرها….صحيح أن هناك عدداً محدوداً جداً لفصائل أخرى، لكن الحديث عن المعايير هنا يشمل فقط حركة فتح ومن ترضى عنه، وليس لمعايير الكفاءة والمؤهلات سوى الوزن الذي تقدره قيادة "فتح" للأسف.
تحدثنا عن الخصوصية في تناول عنوان السفارات والسفراء والممثلين لشعبهم وفي الذهن كل مشاكل وصراعات الفصائل مع بعضها وفي داخلها ونحن نعرف كما يعرف الكثير من أبناء شعبنا الفلسطيني أن هذه الصراعات أو ما يمكن تسميته الحراك الداخلي يعكس نفسه في كثير من الأحيان على سلوك الكوادر والقيادات وحتى الأعضاء في القاعدة، وهذه تطبع بدورها أخلاق هؤلاء بطابعها وليست كلها إيجابية بل إن نسبة كبيرة منها سلبية ويجب التخلص منها قبل العمل في سفارات فلسطين، والحال ان هذا لا يحدث.
نعلم كذلك أن الخارجية الفلسطينية استعانت بالخارجية المصرية لتعليم المعينين كسفراء أصول البروتوكول وغيره من سلوكيات دبلوماسية، لكن هذا يجب أن يأتي بعد أن تستوثق جهة التعيين من مؤهلات هؤلاء المعينين وتاريخهم النضالي وقدرتهم فعلاً على تمثل قيم وثقافة ومصالح شعبهم وسلطتهم.
وللاختصار فإن سفيراً هنا أو مندوباً هناك عليه واجبات في رأسها توفير كل ما يلزم للمواطن الفلسطيني تحت رعايته في الدولة المعنية بخلاف إدامة العلاقة وتطويرها مع الدولة المضيفة، ومن هنا فإن احترام هذا المواطن يجب أن ينطلق من أن الموقع الرسمي لهذا الشخص إنما يمثل وظيفة عمومية في خدمة الشعب وليس فوق إرادته أو مصالحه.
المناضل حمزة يونس الذي بدأنا به مقالنا هو عميد في منظمة التحرير الفلسطينية وهو رجل مشهود له بالشجاعة والتفاني في خدمة قضيته الوطنية وذو تاريخ مجيد في العمل الثوري وضد العدو، وهو بهذه الصفة وبصفته مواطناً فلسطينياً يجب أن يحظى بكل الاحترام والرعاية من سفارتنا بالجزائر وليس الطرد تحت أي ذريعة.
ربما يقوم حمزة أو غيره بتوجيه اتهامات حادة وانتقادات فجة للسفارة ولبعض العاملين فيها وهذا ما فهمناه خلال الأيام الماضية، لكن هذا لا يرد عليه بطرد المنتقدين وإهانتهم وخاصة أن السفارة ليست ملكية خاصة لأحد، بل هي بيت كل فلسطيني من رعاياها. الرد يجب أن يكون بتفنيد التهم والإجابة على النقد بروح أخوية ورفاقية ولا بأس لو استقبل الأخ محمد حوراني سفيرنا هناك هؤلاء المنتقدين وقدم لهم رداً موضوعياً على ادعاءاتهم.
وفي المحصلة لكل ما قصدناه بفتح هذا الموضوع نتمنى على الجهات المعنية الاعتناء بوظيفتها والاسترشاد بقيم شعبنا وتضحيات شهدائه وهي تتابع عمل السفارات والممثليات في الخارج وفي ذهنها أن معركتنا مع العدو طويلة وشاقة وأن وظيفتهم من أهم جوانب هذه المعركة إن لم تكن أهمها في الوقت الراهن.