أرشيف - غير مصنف
يا رئيس القمة، القدس في أعناقكم، فماذا ستفعلون؟
بقلم: عبدالحق منصوري
الأقدار لا تني تلاحق "أمين القومية العربية" بالمفارقات. فهو صار رئيسا للعمل العربي المشترك في واحدة من أكثر الفترات إحراجا. ولكن حيثما يُنتظر أن يأتي من رئاسته الفرج، فان ما كان مأزقاً سوف يتحول الى كارثة.
والفرج لن يأتي، وما يمكن أن نحافظ عليه اليوم، سيكون قد ضاع عندما يسلم "الرئيس" عهدته الى زعيم عربي آخر.
وعندما يتعلق الأمر بالقدس، فان مشاريع الاستيطان الإسرائيلية، وتعطل مفاوضات السلام، والعجز العربي، وفشل قمة سرت في اتخاذ قرارات جادة لانقاذ المدينة يعني شيئا واحدا هو ان القدس ستضيع تحت سمع وبصر "امين القومية"، لا أحد سواه.
ليس من المنتظر لهذا "الزعيم القومي" أن يقوم بأي عمل لإنقاذ القدس. والأرجح، فانه سيجلس ليتفرج، أو ليتمسخر على بقية زملائه العرب ليلقي بالمسؤولية على عاتقهم.
وعلى الرغم من انه هو المسؤول الذي يجب أن يتحرك في هذا الإتجاه او ذاك لانقاذ القدس، وعلى الرغم ان الدفاع عن القدس ليس موضوعا لأي خلافات عربية، بل ان الزعماء العرب لا يتفقون في رأي كما يتفقون على الرغبة من اجل إنقاذ القدس من براثن مشاريع الاستيطان، إلا أن "أمين القومية" سوف ينتظر دورة القدر لتكتمل بحيث لا تضيع القدس إلا في ظل رئاسته بالذات.
وهذا ليس توقعا متشائما لما يمكن، أو لا يمكن للزعماء أن يعملوه، ولكنه يصدر عن دراية حول طبيعة الطريقة التي يمارس فيها العقيد معمر القذافي اجتهاداته. فالرجل يميل الى النقد والسخرية لان غيره فشل في القيام بالمسؤوليات المناطة به. ولكن بمقدار ما يتعلق الأمر بالعمل، فانه لا يعمل.
ولهذا السبب، فان الوقت يبدو ملائما تماما لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لكي يمضي قدما في مشروعه لاستكمال تهويد القدس الشرقية، بينما هو يعرف ان العمل العربي المشترك أصبح من مسؤولية رجل يتمتع بالكثير من الفضائل، إلا ان العمل الجاد ليس واحدا منها.
على ضفاف القمة العربية في سرت أعلنت إسرائيل عن عزمها على بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية. بل ان مسؤولين إسرائيليين كشفوا عن عزم نتنياهو على الانتهاء من تهويد القدس الشرقية في غضون عشرة أشهر.
ونقل المسؤولون الاسرائيليون عن نتنياهو قوله "في جلستين مغلقتين مع وزراء حكومته، وفي جلسة أخرى مع كبار قادة المستوطنين بتاريخ 25 كانون الثاني 2009، بأنّ القرار الذي اتخذه من اجل وقف الاستيطان في مستوطنات الضفة لمدة عشرة اشهر سيؤدي في نهاية الأمر الي ضم القدس الشرقية لإسرائيل لتصبح قلبا وقالبا العاصمة الأبدية الموحدة للشعب اليهودي".
ونقل عن نتنياهو قوله: "هدفي أن تصبح أحياء القدس الشرقية أحياء مختلطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما هو الوضع في حيفا ويافا حيث سيصعب على السلطة الفلسطينية الحالية أو من سيأتي بعدها المطالبة بشيء اسمه القدس الشرقية، فالواقع بعد عشرة اشهر وحتى بعد العشرة اشهر سيكون قد تغير كليا في القدس، وسيصعب على الفلسطينيين المطالبة بشرقي القدس لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية".
وحسب المصدر فإن نتنياهو "أبلغ قادة المستوطنين بأنه سيمكنهم من العيش أينما أرادوا في شرقي القدس في الشيخ جراح أو في حي سلوان أو في القدس القديمة وشعفاط ووادي الجوز وجبل ابو غنيم، حيث سيتم تفتيت شرقي القدس، وأنه وبعد عشرة اشهر لن يبقي شيء اسمه القدس الشرقية".
هذا هو الواقع. وهو واقع معلن، وكان يفترض برئيس القمة العربية أن يقف، وكأن على رأسه الطير، لكي يقرر القيام بعمل عاجل، لوقف المشروع الاسرائيلي المكشوف، أو أن يقول للزعماء العرب: "أيها السادة، إما أن تساعدوني في القيام بكل ما يجب عمله لإنقاذ القدس، أو خذوا قمتكم بعيدا عني. شكرا جزيلا".
إلا أنه لم يفعل. فقد آثر أن يسلق من القرارات مألوفها، وأن يمرر اليومين (اللذين عقدت بهما القمة) بسلام، غير مدرك ان رئاسته تواجه كارثة ربما كانت أسوأ من كل واجهه العرب من كوارث من قبل.
وها نحن الآن في أول السنة. وسنرى ما سيكون آخرها. ولكن، ما كان أوله كفر، فليس من المنتظر لآخره ان يكون مسكا.
قمة سرت اكتفت في بيانها الختامي بتكرار المألوف، فوجهت التحية للشعب الفلسطيني فى نضاله للتصدي للعدوان الإسرائيلي المستمر عليه وعلى أرضه ومقدساته وتراثه، واعربت "عن دعمها الكامل لمدينة القدس وأهلها الصامدين والمرابطين على أرضهم فى مواجهة العدوان الإسرائيلي المتواصل عليهم وعلى مقدساتهم وخاصة على المسجد الأقصى المبارك" . ولكنها أعلنت "عن خطة عمل تتضمن إجراءات سياسية وقانونية للتصدي لمحاولات تهويد القدس والاعتداءات المتواصلة على مقدساتها". ودعت الى "عقد مؤتمر دولي تحت رعاية جامعة الدول العربية بمشاركة جميع الدول العربية والمؤسسات والنقابات وهيئات المجتمع المدني المعنية خلال هذه العام بحماية القدس على كافة الأصعدة".
ومن السهل على المرء أن يدرك ان "خطة العمل" المزمعة لم تُعد بعد. وحتى يتم عقد "المؤتمر الدولي" المزمع فان كل شيء سيكون قد انتهى.
ربما كان من الواجب أن يهرع "أمين القومية" العربية الى زيارة كل الزعماء العرب المؤثرين ليتشاور معهم في ما يمكن لخطة العمل ان تبدأ به. وربما كان بوسعه ان يبدأ الإتصالات مع زعماء العالم ليتحدث معهم بإسم التكليف الذي يحمله كـ"رئيس للقمة العربية" من اجل التأكيد على لا شرعية الإجراءات الإسرائيلية. وربما كان بوسعه ان يدعو مجلس الأمن الدولي الى اجتماع عاجل لاتخاذ موقف صريح يبطل، من الناحية القانونية، مشروعية اعمال الاستيطان الاسرائيلية، ويعتبرها انتهاكا لمقرراته وتهديدا للسلام. وربما كان بوسعه (بما انه مولع باعمال الهياج) ان يدعو الى عقد قمة شعبية لجميع الأحزاب والتيارات والشخصيات، من جميع البلدان العربية، لتشكل قوة ضغط شعبية لحماية الشيء الوحيد الذي لا خلاف بين الدول العربية،… إلا أنه لم يفعل.
وتمر الأيام، وكأنه انتهى من جولة مباريات أراد لها ان تكون خاسرة. فعقد قمة، ولكنه قرر ان يترك مسؤولياتها للأقدار.
اما الأقدار، فستأتي لأمين القومية العربية بما يؤكد انه لا يؤتمن على شيء.