يجد الانقسام بين العالم العربي السُنّي، وبين إيران الشيعية، ظلاله على التراب العراقي. وبحسب الغارديان فإن العراقيين الشيعة راغبون بإقامة علاقات قوية مع السعودية، لكنّها وقد انتبهت لهذه المسألة في وقت متأخر، تعمل –كما يقول محللو الصحيفة- ضد استقرار العراق، إذا تعاظمت قوة المجموعات الشيعية في هيمنتها على السلطة، وفي السعي ليكون العراق المصدر الأول للنفط. ومن جانب آخر يؤكد المحللون أن الأحزاب الشيعية أصبحت أكثر استقلالية بعد إداركها أن "الدمغة الإيرانية" يمكن أن تؤذيها كثيراً في الشارع العراقي، وتؤثر في نسبة تمثيلها في السلطة. وتشدّد الغارديان على أن السعودية، ستجد نفسها مجبرة على ضخ الأموال، والتعامل الاقتصادي مع العراق، وتبادل الدبلوماسيين، لأنها بحاجة الى إجراءات تواجه النفوذ الإيراني. وتقول الصحيفة إن الأحزاب الشيعية، انعطفت نحو التركيز على استقلاليتها عن الفلك الإيراني، ذلك لأنها لم تعد بحاجة الى أموال طهران وسلاحها، وأصبح الدعم الإيراني بكل اشكاله السابقة التي فرضت نفوذه "عدم الأهمية".
وقالت الصحيفة في تقرير تحت عنوان "دور جيران العرب في العراق" إن العراق، إذ يبتعد عن فلك نفوذ إيران، فإنّ علاقاته مع الدول العربية المجاورة تصبح أكثر أهمية. وأوضحت الصحيفة قولها إن العراق مازال يتعرّض للإفساد السياسي بالكثير من الانقسام السُنّي-الشيعي.
وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت الشهر الماضي، لم تبرز مجموعة سياسية واحدة تتجاوز "التقاطع الطائفي". وهذا التقسيم موجود أيضاً –خارجياً- في شكل الانقسام بين "العالم العربي السُنّي"، وبين إيران الشيعية الذي يجد له ظلالاً على التراب العراقي، بحسب تعبير المحللين السياسيين في صحيفة الغارديان التي تشدّد في هذا السياق على القول: في الوقت الذي يتميّز فيه الدور التدخلي الإيراني في الشؤون العراقية بنتائج عكسية، ويواجه بالكثير من الرصد، فإنّ الجانب الآخر من العملة يتلقى القليل من الانتباه.
ومنذ سقوط نظام صدام حسين في سنة 2003 –تقول الصحيفة- وإيران لها قوة نفوذ للتدخل في الشؤون العراقية "فريدة"، لكنها ذات طبيعة خاصة، فلفترة طويلة، تبنّت الكيانات الشيعية الحاكمة، بضمنها حزب الدعوة الذي يتزعمه الآن نوري المالكي، والمجلس الأعلى الإسلامي في العراق. وغيرها من المجموعة السياسية الصغيرة. وهذه الكيانات –سوية مع الصدريين الذين ظهرت قوتهم بعد الغزو- اندمجت كلها في الانتخابات الوطنية سنة 2005، لتضمن –وبسرعة- تموضعها كقوة مهيمنة في العراق، وبحسب تفسير محللي الصحيفة أن هذه النتيجة أدت منذ وقت مبكر الى أن تبسط إيران أغطيتها على الكثير من المجالات.
لكنّ هذه الأغطية بدأت تتكشف، منذ أن أصبحت الأحزاب الشيعية التي تدعم من إيران، تنقلب الى لاعبين سياسيين مستقلين. لقد أدركت هذه الأحزاب أن "الدمغة الإيرانية" تؤذيها كثيراً في الشارع العراقي، وبينما أعاد حزب الدعوة صياغة نفسه –بنجاح- كحزب وطني مستقل بشكل ما عن إيران، فإن المجلس الأعلى أخذ يعاني من تراجع في نتائج الانتخابات. وكان نجاح حزب الدعوة الحاسم في سيطرته على مجلس الوزراء، الموقع الرسمي الذي أعطاه فرصة تنفيذ إعادة صياغة نفسه، حافزاً للمجلس الأعلى الإسلامي في إعادة التفكير بشأن هذه القضية، وراح يبحث بشكل مستميت في البحث عن خطط لمستقبله السياسي.
ولأن العراق بلد نفطي غني –كما يؤكد المحللون البريطانيون- فإن مجموعات سياسية مثل الدعوة والمجلس الأعلى، كجزء من النخبة السياسية الحاكمة التي تسيطر على مؤسسات العراق ومصادره، باتت غير محتاجة الى "الأموال الإيرانية". ولم يعودوا أيضا بحاجة الى الأسلحة الإيرانية، منذ أن وجدوا لها أسواقاً في مكان آخر، إضافة الى السيطرة على القوات الأمنية. ولم يعودوا يحتاجون الى الرعاية الإيرانية، حتى في حالة الحرب ضد انتفاضة "سُنّية". ولهذا يؤكد محللو الغارديان أن الدعم الإيراني أصبح "عديم الأهمية"!.
لكنْ أي دور يُلعب من قبل البلدان العربية؟. العراق دخل في عدد من الاتفاقيات الثنائية مع الدول العربية المجاورة كالأردن، ومصر اللتين لهما سفارتان في بغداد. ومن جانب آخر، لا حضور على الإطلاق لسفارة المملكة العربية السعودية. وبرأي الغارديان فإن السعوديين لحد الآن لم يقبلوا ممارسة شؤونهم عبر الحدود. إنهم قلقون من "مستقبل الديمقراطية" في العراق؛ قلقون من حقيقة أن تكون المجموعات الشيعية المدعومة إيرانياً مسيطرة على بلد غني بالمصادر النفطية مثل العراق، وقلقون أن العراق يمكن أن يصبح المصدر الأول للنفط في العالم. ولهذا تعمل السعودية ما يمكن لضمان أن يبقى اللااستقرار يسود العراق (بضمن ذلك إسناد وتسهيل مهمة الهجمات الإرهابية). كل ذلك خشية من أن تصبح المجموعات الشيعية الحاكمة في العراق، أقوى مما هي عليه في الوقت الحاضر.
وتقول الصحيفة البريطانية: إذا ما كان هدف السعوديين ابتداءً، أحد أساليب مواجهة النفوذ الإيراني، فإن الفرصة إذن صحيحة وماثلة أمامها، طالما أن ممثلي العراق الشيعة، راغبون بعلاقات قوية مع المملكة العربية السعودية. وفي الوقت نفسه ثمة بوادر لـ"انشقاقات" في جبهة الأحزاب الشيعية "المدعومة إيرانياً" والتي كانت ذات يوم موحدة.
وكان أحد الأحداث المهمة، انشقاق حزب الدعوة عن الائتلاف الشيعي الذي يمثله "التحالف الوطني العراقي"، وإلى مستوى إثارة استياء طهران. لكن بدلاً من استغلال هذا الانقسام وإيذاء طهران، اختار السعوديون نسف تحالف المالكي مع الزعيم العشائري السُنّي والمدعوم عربياً أحمد أبو ريشة، رئيس مجالس الصحوة في الأنبار، ظناً منهم أن هذا الاختيار قد جعل المالكي يبتعد أكثر عن الفلك الإيراني، بحسب تفسير محللي الغارديان الذين يعتقدون أن المسألة الأخرى المهمة على قدم المساواة، الفرصة الجديدة التي برز فيها تحالف "العراقية" الذي يتزعمه أياد علاوي "المدعوم من السعوديين". وبالـ91 مقعداً التي حصل عليها يشكل شريكاً بديلاً لكلا طرفي التحالف الكردي والشيعي. وفي الانتخابات السابقة، لم يكن هناك حزب سُنّي جدّي مدعوم من العالم العربي قادرا على تشكيل تحالف، لكن نجاح علاوي يعني أن المجلس الأعلى، وحزب الدعوة، يمكن أن ينظرا الى ما هو أبعد من إيران.
وهذا – برغم ذلك- يصبح ممكناً فقط إذا ما بدأت السعودية العمل جدياً بهذا الاتجاه. وفي أقل تقدير، لابد أن يعني ذلك تأسيس قنصلية في بغداد، تنظم الرحلات الجوية بين العاصمتين، والتعاون الاقتصادي، والتبادل الثقافي. والأكثر قتامة –لكنه يسهل مهمة العمل- حقن الأموال السعودية الى هذه المجموعات كإجراء مواجه لأي نفوذ إيراني مهم الآن أو محتمل في المستقبل. وفي الوقت نفسه، يمكنها الوصول الى الشبكات الاستخبارية المتنوعة التي يمكن أن تجعل المجموعات السياسية المدعومة تحظى بفائدة إضافية. ويرى محللو الغارديان أن السعوديين يجب أن تسجّل ملاحظاتها حول الإجراءات المتبنّاة من قبل البحرين، الدولة التي يقودها السُنّة، لكنّ سكانها أغلبية شيعية.
والبحرين لها مشاركات مع الأطراف الشيعية العراقية، إذ أنها ترسل الألوف من الزوّار الشيعة الى العراق، ولها رحلات طيران منتظمة الى بغداد، وهي الآن بصدد تأسيس قنصلية في النجف. والبحرين كجزيرة صغيرة لها مشاكلها الخاصة مع طهران –يعتقد المحللون- هذا هو كل الذي يمكن أن تفعله من دون أن تتسخ يداها بشيء. لكن الأمر يعود الى السعودية كدولة قوية، يمكن أن تلعب دوراً رائداً، إذا ما أرادت الدولة العراقية التي يهمين عليها العرب، تبقى حرة من أي نفوذ إيراني.
ويرى محللو صحيفة الغارديان أن ممثلي الشيعة في العراق، يبتعدون –لكن ببطء- من مدار التأثير الإيراني، ولكنّ السعودية هي التي يمكن أن تدفعهم الى ذلك المدار، ما لم تصعّد لعبتها. وتماماً كما يفعل خالد الخليفة، وزير الخارجية البحريني بشخصيته الجذابة والمؤثرة. وبقدرته على العزف المشترك. إن الدول المجاورة للعراق يجب أن تمد أيديها الى العراق لا من أجل أن تتدخل في شؤونه، خاصة بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي يجب أن يكون لها "دور" في العراق موازيا في الأقل للدور الإيراني.