تماثيل كريستاليه
رشا عبدالله سلامة
رؤوس أقلام..
– منذ وعيت على الدنيا وما في قلبي سوى الحنين ! حيثيات الحياة وتفاصيلها المفترضة كلها تفرّ من بين أناملي كما يفر الماء من الكف.. حنين للوطن وحنين للغربة وحنين للأهل مجتمعين وحنين للحرية وحنين لمن مضى وسيمضي و لما أتى وسيأتي.. إذا كانت فيروز تغني بأن لديها حنين "وما بتعرف لمين"، فإن لدي أطناناً من الحنين التي "ليليّة بتاخدني من بين السهرانين"… سحقاً للحنين..
– كل يوم.. وتحديدا في فترة الضحى ومن ثم العصر تحوم هذه النحلة المزعجة عند نافذة غرفتي.. تزنّ و تزنّ وتحاول خرق شبك النافذة والدخول.. الكل منذ الأزل يربط النحلة بالرزق والخير.. لم أر رزقا ولم يأتني خير.. فقط أخاف منها كل يوم و أوسوس أنها خرقت الشبك ولدغتني..
– وليد الحجار.. ظاهرة نجاح سورية وعربية فريدة من نوعها.. رسّام وروائي ومؤلف مقطوعات موسيقية رائعة.. لماذا لا يحظى في عالمنا العربي بما يستحقه من شهرة واحتفاء؟؟ أهذا جزاء من يتعامل بزهد و عزّة نفس مع وسائل الإعلام؟؟ فيما يلي موقعه الذي يتيح التعرف على قامته الفكرية والفنية الشامقة: http://www.walidalhajjar.com/
– في هذا العالم المقيت، لابد من أن تكون ثقتك بنفسك عالية جداً إلى حد الغرور في أحيان؛ كي تحتمل "تكسير المجاديف" الذي يمارسه الكل هنا، وحتى تظل بعد كل محاولاتهم القميئة معتدّاً بقدراتك ونفسك..
– ما من شيء أو أحد أحتمي به حين يؤلمني قلبي سوى الكتاب.. أجمل طبع تعلمته في حياتي ألاّ أغمض عينيّ ليلا، حتى لو نمت عند ساعات الفجر الأولى، إلا وأنا أقرأ.. ثمة صداقة وطيدة تربطني مع شخصيات كل كتاب.. وحين أفرغ من قراءة الكتاب أحتفظ بصداقتي مع الشخصيات كلها وأضيفها لقائمة أصدقائي الأوفياء الذين يثرون حياتي بكل ما هو جميل..
– لا أتخيل روائع السينما والغناء بالأبيض والأسود، ملوّنة.. فريد الأطرش تحديداً لا حاجة له بالألوان؛ فهو يلوّن الدنيا كلها بجمال فنّه..
– العيون الواسعة غالباً ما تكون مصابة بقصر النظر !!
– من سابع المستحيلات أن تجعل من شخص تعوّد على الأخذ فقط، شخصاً معطاء.. ما بإمكانك تغيير طبيعة جذرية متأصلة كهذه مهما أنت حاولت..
– أتوق لمعرفة السر وراء اختيار معظم الفنانين العرب سيناريو البطولة الغابرة بالخيول والرماح عند تصويرهم "فيديو كليباتهم"، والتي تبتعتد كلماتها كل البعد عن بطولات الصحراء !! الفن العربي في زمن الهزيمة..
– أكثر ما يُعرّض العلاقات الإنسانية برمّتها للفشل الذريع هو الخلل في التواصل لأي سبب كان.. خجلاً أو تردداً أو تعالياً أو تراخياً أو تساهلاً.. ربما علينا جميعا أخذ مساق مكثف في هذا الشأن وما أبرّئ نفسي….
– "الزوربا" اليونانية ليست مجرد رقصة وموسيقى مفرحة فحسب، بل ثقافة حب للحياة وتمتُع بها.. مجرد النظر إليها مفرح للنفس، فكيف هو الحال حين رقصها؟ أقترح تعليمها للشعوب كلها علّها تخفف التوتر في الشارع المنفعل دوما..
– أضحك ألما وسخرية حين أرى من يصرّ على رثاء صدام حسين بدلا من بغداد التي سقطت في مثل هذا الشهر.. ولعل الطريف أن ذكرى السقوط يصادف ذكرى مجزرة دير ياسين، والتي كان السبب الرئيسي لها انشغال الثوّار في ذلك الحين بجنازة الشهيد عبد القادر الحسيني برغم أن دير ياسين كانت تصرخ مستنجدة حين هجمت عليها العصابات الصهيونية.. العراق أكبر بكثير من صدام وفلسطين أكبر بكثير بكثير من كل الدنيا…. متى ستصبح الأرض كأرض هي البؤرة والمركز ومحور
المقاومة لا الأشخاص ؟؟
– اكتشفت بأن الكتابات التي تعتمد على "المونولوج" تثري نفسي أكثر من تلك المعتمدة على سرد الأحداث أو حتى التشويق لها.. "المونولوج" يعرّي النفس الإنسانية ويضعها تحت المجهر.. لكن سؤالي دوما: كيف لعمل أدبي يعتمد بشكل رئيسي على "المونولوج" أن يُحوّل إلى عمل فني بسهولة؟؟ ذلك حتما يقتله ويجرّده من عمقه، إلى جانب أن جماهير العمل الفني ليست نخبوية كجماهير الأدب؛ لذا من الوارد جدا أن تغادر صالة العرض أو تقلب القناة بمجرد مصادفة
عمل فني يعتمد على"المونولوج" بشكل أساسي..
– للوحدة مواسم.. مواسم تتألق فيها وتزدهر.. الأعياد.. العطلات.. الأفراح.. الأحزان.. النجاحات..
– أغرق في أكوام من ورق.. عالم ورق.. بشر ورق.. عواطف ورق.. مهنة ورق.. هواية ورق.. حتى أنا من ورق.. وقلبي من ورق..
– فرقة العاشقين على أرض فلسطين للمرة الأولى.. يا إلهي كم تأخر الميعاد.. كانت هذه الفرقة التاريخية التي تربّينا جميعا على أغنياتها تهتف للثورة وتهدر كالبارود.. الآن بماذا ستهتف يا ترى؟؟ بالمفاوضات الهزلية أم بالانقسام الفلسطيني؟؟
– الشيخ إمام.. تستمع بين ثنايا صوته إلى نداء حيّ على الثورة.. حين كانت الروح الثورية العربية تجعل حتى من أغاني الحب والحياة قطع فنية نادرة..
– لا أستوعب البذخ المجنون في الزواج !! كيف تطالب المرأة بالمساواة والريادة حين تقبل الانزلاق لسيناريوهات "شراء الذهب" التافهة؟ كيف تقبل أن تتم المساومة عليها كصندوق البندورة؟؟ ما المشكلة لو تمّ الزفاف من دون فيلم الذهب السخيف؟ أليست حديقة خضراء أو شاطئ بحر أجمل بكثير من فنادق الخمس نجوم الباهظة؟؟
أين الرومنسية في حفل مدفوع فيه آلاف من دون مبرر؟؟ أين الرومنسية في حفل يستمر حتى
ساعات الصباح الأولى فيما الدوار والصداع يعصفان برأسك من سمّاعات الموسيقى الصاخبة؟؟
لماذا لا تُستثمر هذه الأموال المهدورة في مهزلة الذهب والجهاز والحفل لماذا لا تُستثمر في سفر جميل لدولة بعيدة أو لشراء مستلزمات حياتية أهم بكثير من شكليّات لا تُسهم إلا في سحق المرأة واعتبارها سلعة تم دفع ثمنها؟
لماذا لا يقتصر حفل الزفاف على اجتماع عائلي بسيط مع موسيقى هادئة وعشاء بسيط؟؟
لماذا تقبل "العروس" في مجتمعاتنا المشي بفستان أبيض ضخم يفوق حجمها الحقيقي ويعرقل حركتها وقد تقع على وجهها بسببه؟؟ لماذا لا يُستبدل ذلك بفستان أبيض بسيط
جدا، يمنحها على الأقل حرية الحركة كي لا تتحول حفلة العرس إلى كابوس بسبب الكعب العالي وذيل الفستان والطرحة التي يصل طولها الأرض ومسكة الورد التي تُبقّع الفستان بالماء !!! لماذا كل هذه الحمول التي تراكمها الفتاة الشرقية على نفسها في ليلة يُفترض أن تكون جميلة؟؟
هل تتحدد قيمتي كفتاة من عيار الذهب الذي سيتفضّل به العريس عليّ !! كيف أقبل أن أقف كالبلهاء أمام "فاترينة" ذهب كي تتم المساومة عليّ بالاتفاق بين العريس ووالدته؟؟
على كل عروس شرقية أن تركل برجلها كل هذه المهازل كي يكون صوتها أقوى وأعلى حين تطالب بحقها.. نحن لا نُشترى
بطوق ذهب أو فستان باذخ أو حفلة صاخبة مهدور عليها آلاف..
– ألا يمكن للمثقف العربي أن يثبت جدارته وإبداعه إلا باكسسواراته التالية: الدخان، المشروب، الانحلال، سبّ الدين؟؟ أهذه هي ضريبة الثقافة التي لابد له من دفعها حتى يلج "المجد" من أوسع أبوابه؟؟
– ثمّة من تلتقيهم في الحياة، ولشدة أدبهم وشفافيتهم تخشى عليهم كالقطعة الكريستالية من أي خدش.. هؤلاء أشعر من شدة حرجي وخوفي عليهم بما يشبه المغص أو الرغبة في البكاء.. وبرغم ملائكيتهم لا أفضّل العيش معهم لأني قد لا أحتمل فكرة أن أجرحهم يوما حين أغضب..
– أليس مقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم أرفع بكثير من إقحامه في النقاشات والحوارات التافهة؟ لماذا كلما أراد أحدهم البدء في مقطع جديد من حديثه السطحي أو الكاذب قال: صلي عالنبي !!!
– ثمة من تتأمل حين يحل الربيع بأن يغيّروا طبعهم الصيفي المزعج، يأتي الربيع ويزيدون على ذلك الطبع الصيفي غطرسة ربيعية تافهة.. تعود فتتأمل بأن يستبدلوا تلك الطباع السلبية بجمال الشتاء، يأتي الشتاء فلا يتعلمون منه سوى الجمود… حياتهم كلها خريف.. فقط هم يجيدون التساقط.. لا تعوّل على الزمن في إصلاح عطب الشخصية..
– في البدء.. حين تكون غضا بعد.. تعوّل كثيراً على من هم حولك من غرباء.. تظن بأن حياتك لا تكتمل من دونهم.. كلما مضت بك السنوات، تكتشف أن الحجر الثابت دوما هو العائلة.. وأن كل ما عداها من مؤثرات دنيوية قد تتساقط، إلا هي.. العائلة وليس غيرها..
– في البدء أيضا.. حين تكون غضاً بعد.. تجنح نحو أحد اللونين الأبيض أو الأسود.. تريد أن تحسم موقفك من كل شيء بكلمتيّ أحب أو أكره.. أريد أو لا أريد.. كلما مضت بك السنوات، تتلوّن حياتك أكثر ما تتلوّن بالرمادي.. يصبح من الصعب بمكان أن تحسم أي أمر.. تصبح "دبلوماسيا" رغما عنك.
– لماذا تتأتّى لك الدنيا كلها على طبق من ذهب، حين تُعرِض عنها زاهداً، فيما هي تفرّ منك فرار الصحيح من المجذوم حين تُقبل عليها بحماسة؟
– ثمة من تصادفهم في الحياة بمقدار مدة زمنية لا تتجاوز جلوسك في "المترو".. كل ما يفعلونه في هذه الومضة الخاطفة هو أن ينتشلوا كل ما لديك من جماليات تعبت عليها لسنين.. من كلمة وفكر وفن وصفات.. ثم يفرّوا سريعا مزهوّين بما انتشلوا..
– كلما حاولت أن تبقى هادئاً، متحكماً في زمام الكلمة والانفعال، قفز أمامك أحدهم مستفِزاً، ومجبراً إياك على استعمال سلاح الكلمات، الذي تخشى قسوته على البشر من حولِك..
– حتى سلة المهملات تجاهر ببراءتها من أي شيء نُقِشَ عليه اسم أو تاريخ ميلاد !! حتى سلة المهملات تصرخ وتقول: لمن هذه؟ لا تخصّني..
– فلنقبل بعض النقد لدرويش، لأننا إذا أردنا الإنصاف سنقول بأنه أكثر الشعراء جماهيرية وأقلهم عرضة للنقد..
مازلت جازمة بأن معظم جماهير درويش لا يعرفون له قصائدا بعينها، ولو عرفوا فإنهم يرددون إما حاصر حصارك وهي قصيدة منتمية لزمن الثورة، وصار درويش يقرأها فيما بعد مجاملة للجمهور كما داعبهم مازحا ذات مرة..
أو أنهم يحبون له قصيدة على هذه الأرض ما يستحق الحياة، والتي ذكر رفاق درويش ساخرين ومتحببين له بأنها من نوعية قصيدة سجّل
أنا عربي..
لذا، أدعو برغم عشقي الشديد لشعر درويش بأن يُخضع شأنه شأن كل نتاج الشعراء والأدباء تحت مجهر التحليل الحقيقي والنقد الموضوعي بعيدا عن منطق "الفزعة" الذي يهرع به معجبوه دوما حين يتطرق أحد بنقد ما له..
لولا أننا جميعا نحب درويش لما غفرت له ذاكرتنا حواره التهديدي مع الشهيد ناجي العلي والذي تم نشره في كتاب شاكر النابلسي موثقاً..
لولا أننا نحب درويش لما قفزنا بذاكرتنا أيضا فوق اعتذراته الصريحة والمبطنة عن قصائده الثورية القديمة والتي فُطِمنا جميعا على سماعها..
لولا أننا نحب درويش لما تجاهلنا عدم إدراجه قصيدة محمد
الدرة في أي ديوان له بعد أن خفّت حمى الانتفاضة..
كلنا نحب درويش.. وكاريزما درويش لا يمكن لأي منا مقاومتها، مع وجوب اعترافنا المطلق بأننا سلطنا الضوء عليه أكثر من الشعراء الفلسطينين الآخرين والذين بحسب وجهة نظري المتواضعة لا يقلّون عن مستواه الشعري كالأستاذ إبراهيم نصر الله ومريد البرغوثي وغيرهما كثر…
– يا إلهي كم صبغتنا فلسطين بصبغة مزاجية ونفسية خاصة! معظمنا،حتى وإن لم يعرف عن فلسطين سوى اسمها يعاني من قلق وتوتر دفين بل وانفعالية غير مبررة. مزاج سوداوي يهيمن على شخصياتنا أيضا وعلى فرحنا، وهاجس فقدان يلازمنا جميعا. وخوف وترقّب يومي من غد وطني قد يكون أسوأ بكثير مما سبقه. وكلنا نودّ مسابقة الوقت في إنجازاتنا قبل أن يخسف المحتل وأنصاره الأرض بنا، فنلهث لنقتنص دقائق غفلة من
الزمن ننجز فيها ونثبت بأننا أهل للحياة.
– أدمع رغما عني وأنا أقرأ "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي.. يا إلهي كم تتشابه الثورات !! وكم تتشابه تفاصيل حكاياتها وأبطالها.. مستغانمي تتحدث عن الثورة الجزائرية من خلال قصة حب جميلة، لكن كم تتطابق وحكاية الثورة الفلسطينية.. الثورة التي تقضم رجالها الشرفاء في أحيان.. الثورة التي يتبرّأ منها رجالها في أحيان أخرى.. الثورة الداخلية وما تقود إليه من ثورة ضد
المحتل..
– كلّما سمعت عن مليونير خليجي أو جهة عربية تودّ دعم فلسطين، يتناهى لمسمعي المشروع ذاته تقريبا : بناء مسجد !! أقول في نفسي: أليست الأرض كلها "مسجداً و طهوراً" بحسب قول النبي الكريم؟ لماذا حينها تُصرف كل هذه الأموال على بناء مساجد فيما أبناء الشهداء وأراملهم وطلاب فلسطين وعجائزها أحقّ بها.. فلسطين لا تحتاج مساجد جديدة بحسب ما رأيت، فهي كثيرة والحمد لله.. فلسطين تحتاج لتبرعات
كبيرة مدروسة بحسب حاجة الناس هناك..
– تكاد تموت كمداً وحزناً حين تتأمل شعبك وقد صار بتصنيفات عدة وبتّ ترددها من دون وعي منك.. فلسطينيو الضفة.. فلسطينيو غزة.. فلسطينيو المخيمات.. فلسطينيو ال 67.. فلسطينيو ال 48.. فلسطينيو لبنان.. فلسطينيو المنفى.. فلسطينيو المهجر.. فلسطينيو التنف.. كيف لشرذمة من الصهاينة اللصوص أن يُشرذموا شعب بأكمله بهذه المتوالية التي لا تقف!؟
– منذ سنوات، لم أعد أستمع لمواعظ دينية.. ليس جفاء للدين لا سمح الله.. لكن القنوات الدينية غدت تجارة مكشوفة ومبتذلة لأبعد حد.. كذلك الدروس الدينية التي يتنطح لها أشخاص قمة في السطحية والسذاجة وتقمص دور الببغاء الذي يردد من دون فهم.. ثم إلى ماذا أستمع؟ أأستمع لموعظة عذاب القبر التي لا ينفكّ شيوخنا الأفاضل يرددونها ليلا نهاراً؟ أليس في الشريعة الإسلامية ما هو أجدر بالترديد كدقة النظام الاقتصادي الإسلامي مثلا؟ أليس هنالك شعب مسلم يرزح تحت القصف والاحتلال وتدنيس المقدسات وبحاجة أكثر للحديث عنه من عذاب القبر وأي القدمين
ندخل بها الحمام؟؟
– كيف تُطالِب امرأة ما بحقوقها وهي تدفن وجهها بقناع من المكياج، وتنتعل كعب عالي يقصم صحتها، وتضع طبقات كثيفة من الكحل والماسكارا المشبعة بعنصر الرصاص على عينيها؟ كيف تطالب بعدها بالانعتاق من قيود الظلم وهي تمارسه على نفسها؟ أفهم أن المرأة قد تحتاج في مرات لقليل من اللون الوردي لتبديد الشحوب عن وجهها، أفهم أنها قد تحتاج لكعب صحي متوسط إن كانت قصيرة أو إن كانت ترتدي ما يحتاج لذلك.
لكن لا أفهم إطلاقا أن
تتحول "عروسة مولد" ملطخة بالألوان وأن يصيبها انقلاب رحم ودوالي ساقين بسبب الكعب العالي أو أن تعطب عينيها لأجل الكحل أو تمزق عضلات جسدها بسبب المشدّات..
ما هذا؟؟ و لأجل من؟؟ لأجل الرجل الذي سيلقيها إن انحدرت صحتها في سلة المهملات أو يركنها على الرف في أحسن الظروف !
– لا أستوعب أن تكون البوصلة لدى أي حرّ في هذا العالم غير بوصلة فلسطين.. لا أستوعب كيف يمجّد أحدهم مارك توين أو توم كروز أو ريتشارد غير برغم تحيزهم المطلق ضد الفلسطينيين.. لا أستوعب أن يصرّ أحدهم على "ماركة" ملابس أو مطعم بعينه برغم دعمه الصهيونية !! رحم الله صلاح خلف حين قال ذات مرة "أخشى ما أخشاه أن تتحول الخيانة إلى وجهة نظر"..
– أحزن من كل قلبي على أولئك الراغبين في القراءة بيد أن أحوالهم المادية لا تسمح بشراء الكتب.. معدل ما يصرفه القارئ النهم في عمّان يتراوح من 30 إلى 40 دينار شهريا كأثمان للكتب إن قلنا بأنه يحتاج 3 كتب أو 4 في الشهر.. لماذا لا تتدنى أسعار الكتب قليلا كي تعمّ الفائدة؟
– لم تشرق الشمس على من هم أشد تناقضاً من الكُتّاب .. مسار مهني يستدرّ ندم السائرين فيه كل لحظة…الكُتّاب عموما.. في الصحافة والأدب.. هم ضحايا أو أرباب جدلية: هل أكتب ما ينبغي أن نكون عليه، أو ما نحن عليه في الواقع؟
– سخرية الأقدار تجعل من الأكثر مرحاً، الأسرع بكاء.. ومن الأعلى صوتاً، الأضعف قلباً.. ومن الأكثر تشعباً في معارفه، الأشد وحدة.. ومن الأصخب شعاراتيةً، الأوهن عند النزال..
– لماذا نتعالى على العبث؟! فيما نحلم كلنا بالعبث، ونهدر عمرنا لأجل لحظة عبث.. ونقهقه في أعماقنا حين نرى جنون العبث.. كلنا نتوق في أعماقنا لعبث يضيء جنبات الفراغ المهيمن ما تحت غلالة الانشغال..
– رأسي يرتطم بالسماء الليلة… لا أعلم إن كان ذلك لأنها مثقلة بالمطر، أم محض أوهام سببها قلة النوم؟ عليّ النوم الآن وبأي ثمن.. حتى تظهر براءة السماء أو الأوهام !!
– لا أفهم البتة كيف يتقبل الفرد مفهوم إنسانيته باستسلام من دون اختبار ذلك و لو لمرة !! لا أستوعب من يمرّ كل يوم عن زميل له أو حتى قطة تلازم مدخل منزله، من دون تحديد الملامح والهيئة ولون العينين ورسمة الشفاه.. لا أستوعب من يبقى صامتا بغضّ النظر عن الحديث الدائر أمامه.. لماذا لا يقهقه أو يتأفف أو حتى يقلب الطاولة على رأس من أمامه مثلا.. لا أفهم البتة بلع المشاعر كمن يبلع بيضة مسلوقة كاملة في حلقه و يغمض عينيه باستسلام..
لا أستوعب ألاّ يحرقصك الفضول لفتح ظرف رسالة وصلتك، لا أفهم
أيضا كيف تطحن الرد في جوفك ومن ثم تخزّنه في سنامك كجمل إلى حين الحاجة !!
لا أفهم أن تأتي ببالك أغنية فلا تدندن بها و تتمايل طربا حتى ولو كنت في قاعة محكمة !! لا أستوعب كيف تقسم إصبع "كتكات" لتأكل الباقي في اليوم التالي، فيما لعابك يسيل عليه من شهوة الحلوى !!
لا أفهم كيف تكون إنسانا من دون الجنون.. الغيرة.. الحب.. الكره.. الغيظ.. المقالب.. الشيطنة !!
لا أفهم أن تحني رأسك للموروث والمتناقل من دون أن تمحّصه في "مولينكس" عقلك وتطحنه وتفرمه وتلوكه ومن ثم تسكبه لفمك في كأس نظيف أنيق تحبه أنت لا غيرك..
– أتساءل.. لماذا لا تتواطؤ السنن الكونية مع الأحبة عموما والعشاق خصوصا؟ بمعنى، ماذا لو كان متاحا للإنسان إمكانية التحوّل من الوضع البشري إلى وضع الجماد حين يرغب بذلك.. مثلا، لماذا لا يتحول أحدنا إلى "موبايل" في يد من يحبه، فتصبح عينيك هي الشاشة التي ينظر إليها كل حين؟ بمعنى أيضاً، اتفاق مع القمر على حجز عليّة فيه كل ليلة لتراقب محبوبا يغيب عن عينيك كل حين؟
بمعنى أيضا، أن تتفق مع لعبة الأماكن على ظهر هذا الكون.. مثلا بأن تتحكم في تبادل موقعك مع فرد من عائلة من تحب و لو لليلة.. كي
يتسنى لك على سبيل المثال رؤيته وهو يتثاءب بكسل على أريكة الصالة ويصوّب قدميه نحو شاشة التلفاز مرتديا بيجامة مقلّمة..
لست عاشقة.. و لا أدّعي هذا اللقب العظيم.. فقط أنا أقترح على الكون بعضا من أفكاري، ليكون هنالك متسع أمامه لتدارسها وإقرارها حين أعشق.. بعد مائة سنة إلا خمسين عاما !!
– ثقة جامحة تحلق بي نحو ما هو أعلى من العلوّ، لتتنازعني في غضون دقائق أفكار كثيرة تهوي بي من جديد نحو الشجن..
– بأي ذنب تُلوى عنق الخيل الشامخة ليمتطي صهوته من أراد تقمص الفروسية؟
– هي المرأة.. أينما حلّت تكون الورود..هي الورود أينما حلت تعانق المرأة…
– أحلم بمدينة أتعثر بين أزقتها بأصص الورد..
– تُرى.. هل تفلح كل مستحضرات الترطيب على وجه البسيطة في مضاهاة البحر.. والثمر… والقلب الأخضر؟
– تُرى.. هل تعود الأشلاء للالتحام الحقيقي بعد فراقها بصخب وفرقعة؟
– أن يقف طفل قبالة ثور هائج، لربما أخف وطأة بكثير من وقوف طفل بمواجهة فوهة بندقية ودبابة… الثور قد يرأف.. البندقية والدبابة تعشقان الدم الغض…
– كيف تكون آلية الإحسان إلى الجار.. حين يكون البحر.. وتكون الورود؟
– هل ثمة تواطؤ خفي بين الغرب وقوى الطبيعة؟؟ أليس في الأمر ما يدعو للتوقف حين تسبح مدنهم على أطياف موج أزرق ناعم، فيما أوطاننا في الشرق ملطخة حتى رأسها بالدم الساخن !!
– حين تُقبِل امرأة ما على مدينة.. حتى الغروب يتمهل… ليحيّيها بالطيف الوردي قبل الظلام…
– حين تسكب الطبيعة بدائعها تغدو عجولة.. بما لا يدع متسعا لهضم الجمال..
– حين تتهيب من الجمال الكثيف، أمسك بكل جمالية على حدة.. تجدها رائقة ناعمة.. حينها فقط تطمئن.. وتتقبل دفق الجمال الغزير..
– تُرى.. من أفهم الطفل بأن حضن أمه يحميه من أي علو شاهق؟ لماذا حين كبر استبدل حضنها بمصعد زجاجي ؟
– تنتحب صامتا حين تكون منفيا عن تربتك التي أنت منها..
– لا بد للقيد أن "يهترئ" ولو بعد حين..
– كلما كنت غضاً كلما كانت قفزاتك أعلى ووثباتك أقوى.. كلما مضيت في الطريق وكبرت.. تصير خطواتك محض هرولة.. ليس إلا..
-في بلادي بيوت أثرية… معمارها أجمل بكثير من تلك الباريسية القديمة.. غير أن الأخيرة ثمة من تعهّدها بالورد والحنوّ.. في بلادي ثمة من لطخها بالدم وهشّم أصص ورودها وقلوب أهلها..
– تُرى.. كم من ذكرى تذوب مع السيارات المتآكلة؟ ثمة من اصطحب فيها طفله للمرة الأولى إلى المدرسة.. ثمة من قادها بصحبة عروسه يوم زفافهما ليحلّقا بعيدا.. ثمة من هرع فيها ليسعف عزيزا لفظ أنفاسه الأخيرة بين مقاعدها..
كيف تطاوعهم قلوبهم على تركها تحت رحمة الزمن بعد كل تلك الذكريات !؟
– هل تقاعد القمر بعد أن استبدلوا فضّته بالأعمدة ؟
– لا أفهم أن يقبل والدين غير ألوان الرسم لتلطخ أيادي ووجوه ورداتهما الصغيرات… لا أفهم كيف يستبدلانها أحيانا بمساحيق تجميل..
– ثمة من يستبدل حمرة الدراق الدافئة بقسوة اللا لون..
– تُرى.. أيحفظ القمر أسماء الشجرات التي يناجيها كل ليلة.. في كل مكان؟
– ثمة من يكبر.. يشتد عوده.. يتسع قُرص محياه.. ويُصنَع على أعين من حوله وبحدب منهم.. يعجبه الدور.. يعشق أن يظل طفلا مدللا متربعا في بؤرة الاهتمام.. برغم أنه بات الأقوى والأينع..
– لربما يقف الأرقّ.. الأضعف.. الأصغر.. ليشهد تبعثر بقايا الأقوى.. من كان أقوى يوما ما..
– البؤرة.. الهدف.. "السنتر".. كلها وجوه فكرية واحدة لعملة الديكتاتورية.. والوجهة الإجبارية…
– قد يُحشر الجمال بين أذرع خشبية أو نحاسية.. بين ردهات رخامية.. لكنه يبقى هادرا.. رغم كل شيء..
– تُرى.. هل بهتت ألوان قباب روسيا الزاهية مع انهيار اتحادها.. أم ما تزال تُكابر؟
– قد ينكبّ البعض على نسخ أدق تفاصيل الآخر.. بيد أن لكل روحه.. واسمه.. وعينيه.. وأنامله.. وأنفاسه التي يلفح بها نموذج النسخ..
– كل الحضارات.. والشعوب.. توّجت الجمال بطوق الورد العفوي.. لماذا استبدلوه لاحقا بالأحجار المعالَجة والمرصوصة بتكلّف وافتعال ؟
– هي الأرض.. جسد امرأة ألّهت نفسها للخصب..
– ثمة من يصرّ على إبصار عوالم الجمال الجامحة من ثقب إبرة..
– لتثمين الجمال درجات متفاوتة.. قد تمثل أوراق الشجر الهائجة بألوانها البرية غابة صغيرة على نافذة البعض.. قد تغدو لآخرين مصدر تخوّف من الحشرات التي تستوطن جنباتها..
– كيف يثمّن الورود من هان عليه حشر كثافتها و فوران جمالها في ضيق زجاجة ؟
– هو اللون الأبيض.. خُلِق في هذا الكون لفضح تقادم السنوات.. قلة النظافة..الإهمال.. و رداءة الأنفس التي تُعنى بالأدوات اللامعة، ولا تكترث ببياض يرزح تحت القذارة..
– اترك حذاءك مطمئنا إلى جوار حذاء أمك يا طفلي.. فما دَخَلَ حيّزها يقبع في دائرة الأمان..
– ثمة من يتراقص بجذلٍ ورقة حين يحتضن الآخر.. ثمة من يتراقص بمرونة وخفة حين يكون وحيدا..
– إذا كانت مساحة الجسد عند الاستلقاء أو الجلوس واحدة كَبُرَ المكان أو صَغُر.. وإذا كان الجسد يتواجد في البقعة التي يتحرك فيها فقط وليس في أمكنة عدة في الوقت نفسه، فلماذا كل هذا الوسع الباذخ !!!
– ثمة من يتفانى في التقاط الجماليات وإبرازها، بيد أنه لا يلتفت البتة لبداعة ما لديه..
– تُرى.. أتتسع زاوية البسمة كلما ثقل الحِمل؟
– أيتباين وزن الجسد الممتطي العجلات، بحسب الوجهة.. إن كانت سعيدة أم حزينة؟
– أيختلف مضمون الكتاب إن كان في محيطٍ فاره أم شعبي ؟
– تُرى.. هل حلّ البشر مشكلات تعايشهم مع الأرض حتى يتوقوا للتحليق عاليا؟
– لربما يكون الحديث وقوفا أكثر جدية واختزالا من ذلك الذي يدور جلوسا..
– كم من حرارة لاسعة تقودك من دون نية مسبقة نحو الانعتاق..
– أتنام أحصنة ملاهي الأطفال حين تخبو الأضواء؟
– ما دامت يدك معي فالموج بنا رؤوف.. والتراب على قدمينا رؤوم..
– أيحسد اللون الواحد أطياف الألوان المتباينة.. أم العكس؟
– أيحتفل البحر بميلاد كل موجة جديدة، و يحدّ على تلك الراحلة؟
قلب مُتعَب
رشا عبدالله سلامة
حين يكون القلب مُتعَباً.. تصير الخفقات تهديداً.. تصير الضحكات مشقة.. يصير الحزن قاتلاً.. يغدو الحنان عبئاً كبيراً.. والحب محض ترف.. والعشاء الثقيل انتحارا.. والنوم على الجانب الأيسر سكين تطعن الصدر.. والخوف سكتة قلبية مؤكدة..
**********
كلما كان القلب فتياً.. كلما كان يضخ الدم بفجع محموم.. كلما كانت شرايينه متوهجة.. كلما كانت جاهزيته للانخراط في العاطفة، أيّ عاطفة، الانفعال، أي انفعال، عالية.. كلما كان ذلك كله.. يصير هبوطه ارتطاما.. يغدو تشنجه تصلباً.. وتصير صلاحيته أقصر أمداً من عجينة بيض منسية على طاولة مطبخ.. وعطبه أسرع من زجاجة حليب في القيظ..
*********
حيثما يكون الزخم.. تكون روح النهاية.. تحوم وتحلق بمكر لئيم..
حين تتكثف الفكرة.. وتتكوّم اللغة.. وتزدحم التفاصيل.. ويصير للون الوردي أطيافا عدة تتدرج من الأبيض الناصع حتى تصل الأسود الحالك.. وحين تغدو "آه" أم كلثوم قصيدة بحد ذاتها.. وحين يكتسب مكعب سكر الشاي حلاوة تفوق كعكة كاملة.. حينها، يكون القلب "الخبيث" قد أوقع صاحبه في الكمين.. كمين الزخم..
حينها فقط، "يسقط القناع"، لتبدأ عافيته عدّها التنازلي…
وحين تغرق في وحل الكمين أكثر فأكثر.. تزرقّ الشفاه، كعمل صالح يختم به القلب "الخبيث" حياته.. فقط هو يبرّئ ذمته، حين يخلّف ذلك الاختناق المزرقّ علامة على النهاية..
*********
“مُهرة حرة”..
رشا عبدالله سلامة
لم يدر بخلدها حين كانت تتراقص بجذل غريب على الأغنية الثورية الفلسطينية "مُهرة حرة".. أنها كانت تستشرف مستقبل روحها..
ما تزال تذكر وقفتها أمام شاشة التلفاز، لتقلد رقصة تلك الأغنية المسجلة على أشرطة الفيديو الباهتة.. حين كانت تقفز على قدم واحدة، لتضم ركبتها وتنفضها سريعا، ولتحرّك رأسها بالتفاتة قوية يمنة ويسرة وقد أرخت شعرها البني الغزير ليتطاير على وجنتيها.. مرددة بصوت طفولي صاخب "مُهرة حرة.. مُهرة حرة"..
ظلّت تلك "المُهرة الحرة" تتلبّس روحها.. حررتها من قيود الكعب العالي..
التنورة..
الأقراط..
الساعة..
الأساور..
مساحيق التجميل..
من قيود الكلام الدبق المحسوب بالملليمتر..
من ردود الأفعال المدروسة والمكذوبة..
من الخطوات الضيقة المفتعل خجلها..
من الرضوخ لأي خيل لا يستسيغه عقلها وقلبها..
شأواً بعيداً خطفتها روح تلك "المُهرة الحرة"..
صار نزقها بحدّة مُهرة تتعثر بسنجاب مستفز..
صار غضبها بركاناً يهدر كوقع حوافر مُهرة يقيّدها خيّالها بذلك السرج الجلدي اللاسع..
صار صوتها بعنفوان صهيل مُهرة تشق الليل نحو وجهتها الحميمة..
ما انفكّت روح تلك "المُهرة الحرة" تهرع بها بعيدا.. بعيدا عن أي بقعة بشر لا يثمّنون المُهرة.. أو يخافون امتطاءها كما الفرسان..
حلّقت مع روح "المُهرة الحرة" بعيدا.. حتى أفاقت ذات صباح.. على كل ما هو مقفر..
لا "المُهرة الحرة" تنحني.. ولا هي تدبر عائدةَ.. ولا هو دمعها المكابر يترك متسعاَ من وقت لتجفيف قلبها..
حين استفحل ذلك المدى المقفر.. وحين تقرّحت تلك الخدوش المتراكمة.. صارت روح "المُهرة الحرة" تترنح كما الحبشيّ الذبيح..
وحين تعثرت ذات يوم بمن يشكّكّ في روح "المُهرة الحرة" التي تستوطنها، تدحرجت مذعورة بجثتها الضخمة..
وحين تحلّق حولها من كانوا مقفرين كما اليباب.. انتفضت مذعورة لتصرخ ألما..
لا لا..لقد سكنتني روح المُهرة الحرة مذ كنت أتراقص على أنغام أغنيتها.. سكنتني حتى تقمصتها وتقمصتني.. والمُهرة تموت وقوفا ولو هجم الكل بهراواتهم على قوائمها..