توت توت..!
أسامة عبد الرحيم
لا أعلم كيف تسللت هذه الأغنية من زمن الطفولة الجميل إلى أذن طفلتي التى ولدت في العام السادس بعد بداية الألفية الثالثة، هل لأنها تتصف بالمرح وخفة الظل وهي تحاكي في مطلعها صوت صفارة القطار "توت..توت"، وقد بلغت شهرتها حد بعيد وذلك لاشتراك كورال من الأطفال في غنائها ، حيث يرددون "أطر زغنتوت..توت توت..في الليل بيفوت".
حدث ذلك عندما كنت أطالع خبر مطالبة نواب الحزب الوطني بإطلاق النار على شباب حركة 6 إبريل ، الذين تمت محاكمتهم شفهياً على نسق محاكم التفتيش في القرن السادس عشر بدون قضاء ولا دليل إدانة، وجريمتهم هي الدعوة إلى تطبيق إصلاحات على دستور تم ترقيعه وتفصيله على مقاس الحاكم وورثته، وإلغاء وباء الطوارئ بالبلاد.
ويبدوا أن نوع "الكيف" الذى تعاطاه نواب النقوط والبيزنس مؤخراً كان رديئاً لدرجة انه أفقدهم صواب التفرقة بين مقاومة جيش الاحتلال الإنجليزي قبل الثورة، وبين التعامل مع شباب مصري غارق في حب وطن جف ضرعه ويبس زرعه ، ومتعطش بصدق في تغيير قيادات تحجرت عقولها ولازالت مصرة على استكمال التقهقر الزمني 1000 سنة ضؤية للخلف وتسمي تلك الفوضى الشاملة بـ"العبور إلى المستقبل"..!
ومن البديهي أن يطالب نواب الحزب الحاكم بإطلاق النار على شباب الحرية ليس لأنهم – أي النواب- مفسدين في الأرض؛ بل لأنهم في حالة دفاع جماعي مثل قطيع ضباع في غابة سقطت في أيديهم فريسة غرر بها حسن ظنها وحظها العاثر، وليس غريب أن تخرج فرمانات إعدام شباب 6 إبريل من نواب بعضهم كان قياداياً بدرجة لواء في وزارة الداخلية التى باتت تتعامل مع الإنسان المصري بمفهوم القنص في رحلات صيد الأرانب البرية .
لا يفوتنا بالطبع أن نذكر أن أحد نواب دعوة إطلاق الرصاص هؤلاء لعب دورا بارزا في الانشقاق علي ايمن نور واختطاف حزب الغد المعارض لصالح المباحث ، وأنه توجه مؤخراً الي مستشفى (إدوردس هاوس) بمدينة كولن الألمانية، حيث يعاني من سرطان وتليف كبدي بمراحل متأخرة ، وذلك لاستكمال المرحلة الثانية من علاجه وهى عبارة عن حقن الكبد بخلايا جزعية علي نفقة شباب هذه الدولة، التى تجمع حكومتها أموال العلاج هذه من جباية رسوم "الإتوات" من أولياء أمورهم أو ما يصطلح عليه بـ"الضرائب" ، بمعرفة وزير المالية الذى قبل أن يسافر للعلاج هو الأخر رد الجميل لهذا الشعب و"سب لهم الدين" تحت قبة البرلمان.
إن دعوة إطلاق النار مجرد زوبعة نواب صناديق التزوير من باب رد الجميل لأصحاب الفضل، ولن تجد صدى حقيقي لدى النظام الحاكم الذى بات يعلم يقيناً أن اول رصاصة يطلقها شرطي في صدر شاب أعزل أو فتاة من شباب 6 إبريل، ستكون هذه شرارة حقيقية لإنطلاق إنتفاضة شعبية هادرة تتخطى جدار الخوف والترهيب.
وهذه ليست نصيحة أقدمها للداخلية التى لم تعهد إنتفاضة شبابية صرفة بهذا التصميم والإرادة، إنتفاضة خالية هذه المرة من النقاب واللحية فعجزت عن قولبتها كالمعتاد بالتهمة الجاهزة "الإرهاب"، وخالية أيضاً من أبناء من اعتادت على وصفها بـ"المحظورة" فسلمت من براثن الاتهام الأعرج بالتمويل من الخارج، فلم يكن بداً من ردع هؤلاء الشباب عن طريق تهديدهم بالقتل، وان يأتي التهديد شرعياً – مجازاً- من نواب الحكومة تحت قبة البرلمان حتى ينطبق عليهم قوله تعالي:" وشهد شاهد من أهلها".
وعجباً لهذا النظام الذى هاج وماج في موقعة "ذات الأشواط" التى وقعت بين جيش كرة القدم المصري والغزاة الفرنجة الجزائريين، وتوعد بأن أي تعدي على كرامة هذا الشعب العريق ستقابل بـ"الجزمة"، ثم عاد النظام نفسه المتشدق بالكرامة ليلحس كلامه ويهدد بضرب صدور شباب مصر الذين حملوا أعلامها وهتفوا بإسمها ليس بـ"الجزمة" بحسب بل بالرصاص القاتل..! وعلى أي حال إذا أردتم إطلاق الرصاص حقاً فأطلقوه ، وثقوا أنه سيرتد ممزقا تاريخ فسادكم وإفسادكم وستكون دماء هؤلاء الشباب لعنة تطاردكم أمام المحاكم الدولية وحقوق الإنسان ، لتجعل منكم عبره أمام العالم ، وما نظام قرغيزستان المخلوع عنكم ببعيد.
في النهاية وجدتني أعود إلى أغنية "توت توت" مع تحوير بعض كلماتها لتناسب الرد على دعوة نواب إطلاق النار، وجلست أصحح لطفلتي التعديل الجديد للأغنية وأقول للمفسدين:" شدوا الملايات واتغطوا وناموا..واللي يغمض حيشوف في منامه..شباب حيواصل..توت توت توت..اضرابه ويومه..توت توت توت..وعمر الحق أبداً ما يمووووت..توت توت توت توتوتوت"..!
—
أسامة عبد الرحيم
صحفي مصري
Osama Abdul-Rahim
Egyptian Journalist
0020105276035