إلى متى هذا التعصب ..؟؟
عبدالرحمن محمد
الحرية الشخصية شعار يرفعه الجميع ، حيث ترتفع الأصوات معلنة تنديدها بما يمس تلك الحرية التي تتجاوز عند البعض حدود ماهو مشروع ومتوافق مع القيم الدينية والدنيوية ، ولكن المؤسف بل والخطير أن الكثيرن لا يرون إما تعصبا أو جهلا أن ما ينادون به ويدافعون عنه من حرية شخصية يجب أن يشمل حرية العقيدة ، ويستوي في ذلك بكل أسف المسلمون والمسيحيون المتعصبون وإن كانوا قلة ، ومن المؤسف والخطير أيضا أن ذلك يجري في مصر التي تتميز وطالما يفخر أهلها حتى المتعصبون منهم بحضارتهم الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ ، من دون أن يأخذوا في الإعتبار أن الحضارة هي الجانب الأخلاقي والسلوكي الراقي والجمالي في مجتمع الانسان بالإضافة الى الجانب المادي والذي تمثله المدنية ، ويُلاحـظ أن لفظ كلمة حضارة بتناسب مع الاشارة الى اعلى ، والى امام ، والتخلف عن الحضارة يُعتبر ردة ونكوصا وانحطاطا ، وإن صـح التعبير فإن الحضارة اذن هي القـِيَـم ، والمُثُل العليا والتي لا ، ولم ، ولن تحُظّ على التعصب أو التطرف الفكري والعقائدي ، والمؤسف والخطير مرة ثالثة أنه ما إن يستند أي من المصريين مسيحيا كان أم مسلما على مبدأ الحرية الشخصية التي تشمل حرية العقيدة وأختار أن يُسلم أو يتنصر إلا ويتخلى أولئك المتعصبون من الجانبين عن مبدأ الحرية الشخصية التي كفلتها الشرائع السماوية والدنيوية للجميع وجندوا كل ما يمكنهم تجنيده من أدوات التأثير على ضعاف النفوس لتأجيج مشاعر الغضب غير النبيل وشحن النفوس وإثارة الفتنة التي قد تشتعل نيرانها في غفلة من أصحاب العقول الرشيدة القادرين على وأد الفتنة في مهدها ، ورغم أنني لست مصريا ولكنني ( مع كل المحبين لمصر مصريين وغير مصريين ) أخشى على مصر من تعصب هؤلاء المتعصبين الجهلة بالدين أيا كان إسلاما أم مسيحية ، فكلاهما يقوم على حرية الإعتقاد ، وأن الدين هو أمر شخصي بين العبد وربه ، والسؤال لماذا لا يأخذ الإخوة المسيحيون ( المتعصبون ) العبرة من مسيحيي أوروبا وأمريكا ( التي يعتبرونها القدوة في الحرية والديموقراطية ) على سبيل المثال حيث تشهد تلك البلدان إعتناق المئات والآلاف للدين الإسلامي من دون أن تُقيم عائلاتهم أو مجتمعاتهم الدنيا أو تُقعدها ، إحتراما للحرية الشخصية وفي مقدمتها حرية العقيدة التي تُقرها كل الأديان ، ثم لماذا لا يأخذ الإخوة المسلمون ( المتعصبون ) العبرة من من تكريم الله للإنسان حيث يقول – ولقد كرمنا بني آدم – هذا التكليف والتكريم الذي يجعل من الفعل الإنساني قائما على الإختيار الذي بينه الله بقوله – قد تبين الرُشد من الغي فمن شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر – وقوله – أفأنت تُكره الناس حتي يكونوا مؤمنين – إن الفعل الإستخلافي لا يكون تعبديا إلا بقدر ما يكون حرا وواعيا مسؤولا وهنا ينتفي بالضرورة التعارض الظاهري بين الدين والحرية بل تصبح الحرية شرطا للتدين في حد ذاته .. فليتق الله المسلمون والمسيحيون المصريون في بلدهم الذي يتربص به الأعداء ( أعداء المسلمين والمسيحيين في آن واحد ) ، ثم هل يُعقل أن يؤدي إشهار فتاة قبطية إسلامها بعد قصة عاطفية كانت تجمعها مع شاب مسلم وشهد عليها أهالى قريتها الناصرية إلى أن تفرض أجهزة الأمن كردونا أمنيا حول القرية تفاديا لحدوث اشتباكات بين الطرفين ، وهل يُعقل أن يُشعل تعصب البعض نيران الفتنة نتيجة الإختيار الحر لفتاة عاقلة راشدة أن تبني أسرة متجانسة عاطفيا ودينيا بين ركنيها الأساسيين لتحمي أبناءها من عواقب الإختلاف الفكري والعقائدي بين والديهما وما ينتج عنه من آثار نفسية وإجتماعية سلبية التأثير ليس فقط على تلك الأسرة وإنما على المجتمع ككل وهو أمر مُعاش ومعروف وغير خاف حتى لدى أولئك المعترضين على إختيارها الحر متناسين ما يرفعونه من شعارات حرية الانسان التي تختلف عن حرية باقي عناصر الكون لما تتميز به من إختيار فهي أرقي لما تعبر عنه من إرادة تمثل الشرط الحقيقي للإختيار الذي يوازن بين الضرورة كحاجة ، وبين الإختيار القائم على الإلتزام المسؤول ، الذي يهتدي بالوحي الذي يعطي الأمل والإمكانية للتحررمن الإرتهان للواقع والإرتقاء للفعل فيه ، نهوضا بواجب الإعمار عبر منهج عبادي يصل حاجات الإنسان برضاء الله عز وجل .
اللهم أحمي مصر من المتعصبين من أبنائها ، أما أعداؤها فهي كفيلة بهم .
عبدالرحمن محمد
طرابلس ليبيا 18/4/2010