محمد الياسري
في مقالها الموسوم تحت عنوان " السعودية وعقدة العراق"، المنشور على موقع وطن، ارادت الدكتورة الجليلة مضاوي الرشيد تسليط الضوء على ما تشهده العلاقة بين الشقيقين والجارين العراق والسعودية من شكوك وريبة لدى النخب السياسية الحاكمة في كلا البلدين.
وتورد الكاتبة بعض من المخاوف السعودية عبر حقب التاريخ الحديث للدولتين ومبرارات هذه المخاوف، وهذا الطرح اراه من محاولة جريئة لوضع النقاط على الحروف فما يشوب العلاقة بين الاخوين والجارين من مخاوف كانت ولاتزال تقف حجر عثرة امام اي نوع من تطور راق للعلاقات يسمو فوق المصالح الضيقة لمن يحكم البلدين.
ما اريد ان اوضحه في هذه السطور ليس اشادة او قدحاً بمقال الدكتورة الرشيد بقدر ما هو توضيح للصورة من مواطن عراقي يرى أن في علاقات بلده مع اخوانه العرب وجيرانه الاخرين ضرورة قصوى ليكونوا عضدا له وسندا.
لقد عانينا نحن في العراق طيلة حقب التاريخ السياسي الحديث من جيراننا وتحديدا العرب منهم الكثير ولم ولن نستكشف الاسباب الحقيقية لذلك رغم اننا ندور حولها ونتلمسها ومنها بطبيعة الحال ما ذهبت اليه الدكتورة مضاوي، لكن اليقين لدينا ان اخوتنا العرب من دول الجوار وفي مقدمتها السعودية كانت ولا تزال تضع العصي في العجل وتسعى الى ارباك الأوضاع في العراق سواء كان (هذا العراق قوياً أو ضعيفاً) وجعله ينزف الى الآخر( بصورة مستمرة) .
ربما نتفق مع الدكتورة العزيزة بالمكانة الاقتصادية والاجتماعية التي احتلها وسيحتلها العراق لاحقا والتي قد تجعله واحداً من مراكز الثقل الاقتصادي في العالم بعد سنوات قليلة بحكم ما يمتلكه من احتياطات نفطية وثروات طبيعية تفوق نظيراتها في السعودية، لكنني اعتقد ان واحداً من مركبات العقدة لدى الحكام السعوديين تجاه العراق هو العمق الحضاري والتاريخي والدور لكلا البلدين في صنع التاريخ الانساني.
ولا يختلف أحد ما للعراق من موروث عبر التاريخ يمتد الى عشرات الالاف من السنين ودور لا احد يمكن ان يتجاهله في بناء الحضارة الانسانية بما شهدته من علوم وفنون واداب ورقي كما لايمكن ان ينكر احد على العراقيين جهادهم في بناء الدولة الاسلامية حركة الفتوحات والعراق هو منارة العرب والمسلمين وبغداد قبلة العالم حتى سقوطها ابان الدولة العباسية، وفي العصر الراهن كانت بغداد محور العالم سواء من الانكليز او الامريكان او الالمان والجميع يسعى اليها غاصباً ومحتلاً او راغبا طامعاً، فأين قادة السعودية من كل هذا؟ وكيف يمكن وصف دورهم بالتاريخ الا عبر سطور قليلة تشير مصادر التاريخ ان من يحكمها جاء من البداوة والرعي ليحقق احلام المستعمر الانكليزي ثم الامريكي ؟
هذه عقدة كبيرة أن تحس بالفارق الهائل بين صناع تاريخ وامجاد وحضارات وتكون قبلة الدنيا بمختلف مشاربها وبين من لاتاريخ ولا جغرافيا ولا انتماء لهم وينحصر دورهم ببيع النفط وصرف امواله هنا وهناك مع احترامنا الكامل لمن حاول استثمار الثروة السعودية وبنى بها واشترى شركات وعقارات في بلاد الغرب كلها دونما ان يشتري مترا في بلاد العروبة كلها.
ومن هنا كانت بقية الاسباب والهواجس سواء من التركيبة الديمغرافية او المكانة الاقتصادية او حتى ما نشهده اليوم من صراع ديني مذهبي هي مجرد انعكاسات لعقدة التاريخ والمكانة الانسانية، فتصدير الارهاب للعراق والسعي بكل قوة لاضعافه وجعله مشتتاً متقاتلاً يغرق في دماء ابنائه، ومحاولة زرع الفرقة بين قادته السياسيين بين تقريب هذا واهمال ذاك وهو ما يظهر جليا في وقتنا هذا وهو"ما يمكن ان نربطه" بما جرى خلال السنوات الماضية عندما ألبت السعودية العالم على العراق بكذبة مهاجمة صدام المقبور لها ولم تسعى لحلحة الأزمة بين العراق والكويت او حتى مع ايران بل اضافت الزيت الى الدخان ليحترق الجميع وتكون هي زعيمة الأمة التي تقاتل السعودية لتكون لها بعيدا عن مصر او العراق او قطر او اي شخص يطمح ليكون كبير العرب، كل هذا يدلل ان هذه الهواجس ليست مجرد هواجس عابرة او ربما ستزول يوم تتوفر نية بناء العلاقات الاخوية بين البلدين بل هي عقدة متأصلة في فكر وروح القادة السعوديين.
ويقيناً – اذا لم تكن عقدة- فأن على السعوديين الكف عن الخوف من العراق حتى لو اضحى العراق الرقم الأصعب في احتياطي النفط او الثروات او البنية التحتية والسكانية لأن المنطق يقول أن الأخ الأكبر يفرح لسعادة اخوته الأصغر ويتمنى لهم التطور والخير واذا ما اصاب الوهن او المرض الاخوة الصغار- كما ينظر السعوديين للعرب جميعاً- فعلى الكبير مد يد العون والانقاذ لهم لينهضوا مجدداً ويشفوا لا ان نكثر سكاكين الغدر عليهم ونزيد أوجاعهم وجعاً وآلامهم ألما .
لم لا يفكر القادة السعوديين ان العراق سيتعافى وسينهض من كبوته وهمومه فلِمَ لايكونوا هم من أول الأيادي الممدوة للعراقيين كي ينسى العراقيون ما حدث لهم من الم مصدره اخوهم الكبير السعودية؟ ولماذا يظن القادة السعوديين ان نظرية المؤامرة وضخ الأموال وضرب هذا بهذا هو دوام استمرارهم بالعرش؟
اعتقد ان العراقيين – رغم طيبة قلوبهم وتسامحهم عبر التاريخ- لن يغفروا لاخوتهم في السعودية اسهامهم في تدميرهم وقتلهم وتعميق جراحاتهم لأن غدر الأخ لايمكن أن يسامح عليه ابداً.
قد يقول قائل لما كل هذا الحديث عن السعوديين وغيرهم يعبثون ببلدكم حالهم حال هؤلاء؟ اقول صحيح لكن الاخر نعرفه ونعرف غدره ونعلم انه لم يكن يوما قلبه على مسلم او عربي وانه عبر التاريخ سعى ويسعى للثأر منا ومن أمة العرب لكنه ليس بأخينا ولا صلة دم بيننا فهل نعتب على الغريب ام على الشقيق؟ لما لا نكون انا وشقيقي على الغريب لا العكس؟
انها سطور من وحي مقال الدكتورة مضاوي التي نقدر لها ما نطقت به وما ارادت ان توصله ونتمنى من الاخرين ان يركنواعقدهم وهواجسهم جانباً ويتذكروا اننا امة العرب والاسلام خير امة أخرجت للناس وارفعها واسماها خلقاً.