بقلم غاندي أبو شرار
يستغرب المرء أحيانا من مشاهدة نعرات طائفية بين مجموعة أصدقاء داخل مكان عمل واحد على خلفية مباراة رياضية بين نادي الوحدات و الفيصلي و كيف تتحول الصداقة و العلاقة و المبطنة باللحمة و التآلف إلى عدم احترام و تمييز عنصري فاضح و أحيانا يصل الاختلاف إلى حد التشاجر ؟!!
لا ادري هل كان يدر في بال قائل العبارة المشهورة بان الرياضة لغة السلام و المحبة و لغة التفاهم بين الشعوب , إن الرياضة قد تتحول إلى نقمة على متابعيها و لاعبيها , كنقمة نعمة النفط على أصحابها . ولا ادري هل كان قائل هذه العبارة المشهورة سيقولها فيما لو قدر له أن يرى مباريات الدوري الأردني و خصوصا مشاهدة مباراة ناديي الوحدات و الفيصلي . و ماذا كانت ستكون ردة فعله أمام التفاهات التي تحصل على مرأى و مسمع المواطنين .
فالجانب الايجابي الافتراضي عند الحديث عن خصوصيات المجتمع الأردني أن المرء يقف تقديرا و احتراما أمام ثقافته العالية و نسبة شبابه و متعلميه العالية و أمام اضمحلال الظواهر الاجتماعية السلبية .
و لكن عند الحديث عن الجانب السيْ من خصوصيات المجتمع الأردني فإننا نقف أمام واحدة من اخطر الجوانب السيئة و التي تدعو إلى التمييز العنصري على أساس الأصل و ليس غريبا قبيل كل مباراة بين ناديي الوحدات و الفيصلي أن ينعت جمهور كل نادي مشجعي الخصم بناءا على أصولهم فالوحدات يعتبر نفسه ممثلا عن الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية و الفيصلي يعتبر نفسه ممثلا عن الأردنيين الأصليين و لا ادري بعد عشرات السنين من العيش المشترك و اختلاط الأنساب و الأرحام و التقاسم المشترك في العادات و التقاليد لماذا يبقى هذا المصطلح الذي تكره الأذن حتى سماعه متغلغلا داخل بعض النفوس المريضة .
تفاهة ما بعدها تفاهة … و الذي يدعو إلى الاستغراب النفاق الاجتماعي المبطن حيث يتظاهر كل طرف بالمودة و المحبة و التقدير للطرف الأخر قبل المباراة و سرعان ما يختفي هذا التظاهر عند بداية كل موسم رياضي و بداية كل مباراة تجمع بين الناديين .
الغريب في الأمر انه لا يوجد خلفية تاريخية سيئة الصيت و الذكر تدعو لمثل هذا التمييز , فلا اعتقد أن حربا كحرب المائة عام و التي حصلت بين بريطانيا و فرنسا قد حصلت بين الأردن و فلسطين و لا اعتقد أيضا أن الأردن مارس في يوم من الأيام سياسة التطهير العرقي و الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين المقيمين على أرضه و لا اعلم لماذا نردد دائما مصطلح الأردني من أصل فلسطيني و أردني أصلي ؟!
و لا ادري كيف يسمح مجتمع يعتبر من عداد الدول المصدرة للكفاءات و الخبرات و تحكمه أغلبية مثقفة و واعية بان يحدث ما يعكر تلاحمه ؟ و لا ادري ما الدافع لمثل هذه النعرات الطائفية أصلا في مجتمع يستمد ألوان الطيف من تنوعه فتزيد تألق المجتمع و تثري حضارته و ثقافته ؟
و بعد…..
ما نعلمه يقينا أن المجتمع الأردني مجتمع واعي لا يسمح بوجود تفاهات كالتي تحصل قبيل و أثناء و بعيد كل مباراة تجمع بين الناديين . و ما نعلمه يقينا أيضا أن الأردن قدم ما لم يقدمه احد للشعب الفلسطيني .
و ما لا ينكره احد أن هذه النعرات الطائفية إنما هي دعوات مرفوضة فكرا و عملا و لا تمت لأخلاق المجتمع الأردني و لا تليق حتى به , و لا تصدر هذه الدعوات إلا من جاهل و مخرب و في اعتقادنا أن هذا العمل اخطر على كيان المجتمع من أي عدو و حتى من إسرائيل ذاتها .
و أتمنى إن يبادر مثقفي المجتمع إلى مقاطعة مباراة الناديين تضامنا مع لحمة المجتمع , و أن يمتنع التلفاز الأردني عن نقل أي مباراة بين الناديين حتى لا نشاهد ما يؤذي العين و العقل, كما أتمنى من الناديين ذاتهما أن يبادرا إلى جانب استقطابهما خيرة المدربين أن يعملا على تثقيف مشجعيهما على مبادئ التسامح و الخلق و احترام الذات الإنسانية .
فلا يعقل أن نسمح بخرق نسيج المجتمع من اجل مباراة لن تقدم و لن تؤخر بينما يقف أعدائنا على شاشات التلفاز يشاهدون كيف تتواجد قوات مكافحة الشغب داخل الملعب تحسبا لأي أحداث شغب تقع بين المشجعين على خلفية عنصرية بحتة .
غاندي أبو شرار [email protected]