بقلم:سري سمور-جنين-فلسطين
يقال ،والعهدة على الراوي طبعا،أنه وفي أعقاب هبة أو انتفاضة النفق صيف العام 1996م وحين ذهب بنيامين نتنياهو إلى واشنطن بصفته رئيسا لوزراء الكيان العبري آنذاك،اجتمع به فريق من الذين اشتهروا لاحقا باسم «المحافظين الجدد» وطلبوا منه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء باحتلال مدن الضفة الغربية ؛إلا أن بيبي نتنياهو لم يستجب لهذه النصيحة أو الطلب لأن إدارة البيت الأبيض كانت بيد الحزب الديموقراطي ولأنه خاف على مستقبله السياسي ،والحديث بالحديث يذكر فلأول مرة في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية ينتخب رئيس الوزراء بالاقتراع المباشر ،وكان هذا الشخص هو بنيامين(بيبي) نتنياهو في الانتخابات التي جرت قبل انتفاضة النفق بشهور.
(1)
* بيل كلينتون تضايق من تصرفات نتنياهو وعنجهيته وعدم رغبته في دفع عملية التسوية عبر تكثيف الاستيطان وتبني خطاب في غاية التطرف ،فطلب من مستشاريه إسقاط الائتلاف الحاكم الذي يقوده نتنياهو ،خاصة بعد أن علم الرئيس الأمريكي أن نتنياهو يحرض اللوبي اليهودي عليه ،ولأن نتنياهو ظن أن العين تعلو على الحاجب.
* سئم نتنياهو من كلينتون ومن ضغطه الناعم المهذب جدا معه فطلب تدبير فضيحة المتدربة السابقة في البيت الأبيض «مونيكا لوينسكي» حيث اعترف الرئيس،وبعد إنكار شديد ،بأنه أقام مع هذه الفتاة علاقة لا أخلاقية ،وكاد الكرسي يطير من تحته،وللتغطية على هذه الفضيحة،شن الطيران الحربي الأمريكي هجمات على العراق بحجة واهية مدعومة بتقرير سخيف صاغه ريتشارد بتلر يفيد بعدم تعاون العراق مع فرق التفتيش الدولية ،وسميت العملية آنذاك بـ«ثعلب الصحراء» واستمرت بضعة أيام.
أي من الروايتين أصدق؟أم أن لكل رواية مصداقيتها وصولا لتبني نظرية السياسات المرسومة سلفا والإيمان بفكرة أحجار على رقعة الشطرنج؟الله تعالى أعلم.
(2)
قامت سياسة بيل كلينتون الخارجية على ثلاثة محاور رئيسية:ضمان أمن إسرائيل وتفوقها العسكري على محيطها،وضمان تدفق النفط بلا معوقات وبأسعار مريحة،والاحتواء المزدوج للعراق وإيران.
لم يكن كلينتون بعيدا عن استخدام مصطلحات «الإرهاب» و«الأصولية» وغيرهما ،ولكنه لم يتبع سياسة الحرب الشاملة حيث شنّ هجوما على مصنع الشفاء للأدوية في السودان،وقصف مواقع معينة في أفغانستان،بعد تفجير سفارتي بلاده في نيروبي ودار السلام،عاصمتي كينيا وتنزانيا.
وجدير بالذكر أن ولاية كلينتون شهدت في العام 1995م تفجير مبنى الحكومة الفيدرالية في أوكلاهوما سيتي وهي عملية ثبت تورط جهات أمريكية بها ،فكان من الطبيعي أن تتجه الأنظار أكثر نحو الداخل،بعكس ما جرى في الحادي عشر من أيلول 2001 حيث نسبت الأحداث لعرب ومسلمين وجرى ما جرى.
كانت إدارة كلينتون مليئة باليهود الصهاينة مثل وليم كوهين وزير الدفاع ومادلين أولبرايت وزيرة الخارجية ،ودينيس روس والذي تؤكد مصادر عدة بأنه كان أكثر تشددا من المفاوض الإسرائيلي نفسه،علما بأنه وسيط،كما يفترض،بين الطرفين!
على كل سقط بنيامين نتنياهو والذي رغم تشدده وقّع على اتفاق واي ريفر ،ونفذ جزءا منه،وتنكر للباقي ،وشهد عهده العديد من المغامرات الفاشلة في لبنان والأردن وحتى في أوروبا ،وجاء إيهود باراك الذي حكم عشرين شهرا دون أن يسلّم شبرا واحدا من أراضي الضفة الغربية،وشكل باراك حكومة ذات طابع عسكري واضح،وانسحب من الشريط المحتل جنوب لبنان،وتوجه إلى كامب ديفيد ووصلت الأمور إلى ما نعرفه.
عاصر بيل كلينتون إسحاق رابين وشمعون بيرس وبنيامين نتنياهو وإيهود باراك خلال فترتي رئاسته ،وكان الوضع الاقتصادي في بلاده جيدا ،بعكس الأزمات التي شهدتها إسرائيل زمن نتنياهو ،وفي عهده تم تتويج واشنطن كقطب واحد يتحكم في السياسة الدولية ،وكانت إرهاصات التتويج قد بدأت في عهد جورج بوش الأب الذي شهد عهده تدمير القوة العسكرية العراقية وانهيار الإتحاد السوفياتي ،وحاول جورج بوش الأول الضغط على شامير بالتلويح بوقف ضمانات القروض ليسقطه اللوبي اليهودي ويحرمه من ولاية رئاسة ثانية،وليكون هذا درسا لمن يأتون بعده!
(3)
كان كلينتون يسعى بشكل محموم خاصة أواخر ولايته الثانية لإنهاء الصراع وإيجاد حل للقضية الفلسطينية لاعتبارات ودوافع لا تخلو من طموحات شخصية ؛مثل تخليد اسمه كرئيس تمكن من حلّ أحد أعقد وأطول النزاعات وأكثرها تأثيرا في العالم ،وأيضا للحصول على جائزة نوبل للسلام مثل سلفه الديموقراطي جيمي كارتر وقد قيل بأن اختيار كلينتون لمنتجع كامب ديفيد تيمنا بكارتر،طبعا كان حريصا على مصالح إسرائيل ويمارس الضغط على أبي عمار.
أما باراك أوباما فقد حصل على جائزة نوبل سلفا،وبعض من انتقد منحه إياها قالوا بأنه أخذها بناء على أقوال أو إعلان نوايا وليس مقابل أفعال حقيقية على الأرض.
لقد جاء أوباما بظروف محلية أمريكية وعالمية مختلفة عن ظروف أسلافه أجمعين،وعلى بعد آلاف الأميال من المكتب البيضاوي يجلس بيبي المتحالف مع باراك وليبرمان وهو يدرك حقيقة وضع أوباما ،أما عن مدى إدراكه لنوايا أوباما فهي مسألة تقديرية في الغالب،لأن على أوباما أن يقدر نوايا بيبي،فمؤخرا أشار الكاتب اللبناني سليم نصار إلى إمكانية لحاق أوباما بكينيدي بتدبير إسرائيلي وتواطؤ داخلي أمريكي،ولعل أوباما وتراجعاته الملحوظة مؤخرا تأتي بناء على إدراك لقواعد اللعبة.
ثم لم نستبعد وجود صفقة غير معلنة لتمرير قانون الرعاية الصحية مقابل التراخي أو عدم الضغط الناعم من أوباما على بيبي ؟هذا احتمال قائم.
أما فيما يتعلق بملف إيران النووي فإن إسرائيل لا تخفي رغبتها وسعيها لإنهاء هذا الملف وبالطرق العسكرية العنيفة وهذه نقطة خلاف مع الأمريكيين ،الذي يحسنون قراءة الخريطة الدولية والإقليمية أكثر من الإسرائيليين المسكونين بالهواجس ،فبالنسبة لواشنطن لا يهمها كثيرا،وإن كان يزعجها، لو تحولت إيران إلى دولة نووية ما دامت مصالحها الاستراتيجية غير مهددة ،فقبل ذلك قبلت بالهند والباكستان وحتى كوريا الشمالية دولا نووية،ولو على مضض،كما أنه بات معلوما أنه وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي أصبحت التكنولوجيا النووية قابلة للانتقال لأمكنه مختلفة سواء من حيث الخبراء أو التقنيين أو المواد والأجهزة ، وإسرائيل لا تريد التسليم بهذه الحقيقة ، وهي تسعى علنا لعقد صفقة مع الأمريكيين تقوم على وعد بتحقيق تقدم في عملية التسوية مقابل حسم الملف النووي الإيراني مرة وإلى الأبد ، ولكن هذه الصفقة غير مربحة للأمريكيين بكل الأحوال، ويبدو أن ثمة معارضة من روسيا والصين وحتى بعض الدول الخليجية لضرب إيران ، ليس تعاطفا مع إيران وشعبها ونظامها بقدر الخوف من تداعيات مثل هذه الضربة على الاقتصاد العالمي وعلى الاستقرار في مناطق شتى من العالم .
(4)
العرب يراقبون الجدال أو الخلاف المفترض أو الحقيقي بين أوباما نتنياهو بانتظار ما ستسفر عنه من تفاهمات بين الطرفين ، وهو ما لن يكون في صالح العرب بالتأكيد ، وقد بدأت البوادر الأولى لهذه التفاهمات تظهر ، بتراجع أمريكي واضح ، وبنوع من التحلل من وعود أمريكية سابقة ، وعلينا أن نتذكر دائما أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة اعتادت تقديم الوعود وإشاعة أجواء من التفاؤل ، ثم التراجع تدريجيا أو دفعة واحدة.
في المقابل يجلس نتنياهو في مكتبه ويعطي تعليمات بالتوسع الاستيطاني في القدس وسائر الضفة الغربية ، في الوقت الذي يوجه فيه باراك أوباما دعوة إلى زعيم أحد أركان ائتلافه الحكومي وهو الحاخام عوفاديا يوسف للاجتماع به في واشنطن ، لماذا؟ ربما ليقنعه بعدم انسحاب شاس من الائتلاف الحكومي فيما «لو» قدم نتنياهو بعض التنازلات.
لن يشعر نتنياهو الذي يستلهم عقيدته السياسية من والده المؤرخ بن تسيون بأي حرج أو خسارة فيما لو انهار ائتلافه الحكومي مادام لم يقدم ما يعتبره تنازلات مؤلمة ، وحين استقال نتنياهو من حكومة شارون وشكل مجموعة مؤيدة له داخل حزب الليكود على خلفية نية شارون الانسحاب من غزة قال نتنياهو لشارون : لا تنسى أنني ابن مؤرخ ولست مستعدا أن يكتب في تاريخي أنني كنت وزيرا في حكومة الانسحاب!
ووضع نتنياهو حاليا أفضل مما كان عليه الحال في الفترة مابين 1996_1999م حيث شهدت إسرائيل أزمات اقتصادية في الوقت الذي نجح فيه بيل كلينتون في إنعاش الاقتصاد الأمريكي ، وحاليا انقلب الوضع ففي الوقت الذي شهد فيه العالم أزمة مالية ، لاسيما في الولايات المتحدة، كان الوضع الاقتصادي في إسرائيل لا بأس به ، كما أن حالة العجز العربي في عصر نتنياهو الثاني قد ازدادت ، وعليه فإن لسان حال نتنياهو يقول:أنا أتعامل مع إدارة أمريكية مثخنة بالأزمات وجراح التراكمات السياسية والاقتصادية ،وعرب يعانون من العجز وفلسطينيين في حالة انقسام،فلماذا ولأي سبب أتزحزح عن مواقفي؟!
وأكرر أن أمر انفراط عقد الائتلاف الحكومي لا يهم نتنياهو المؤدلج،لا سيما أنه بات واثقا أنه سيعود-لو انهار- لاحقا وبقوة برلمانية أكبر.
(5)
هل على العرب انتظار صفقة أو رزمة تفاهمات بين بيبي وأوباما؟أم انتظار انهيار الائتلاف الحكومي القائم ؟علما بأن التجربة مع تسيبي ليفني لن تكون مختلفة عن التجربة المريرة مع إيهود باراك.
هناك بوادر لعودة التنسيق المصري-السعودي-السوري والذي كان قائما إبان ولاية بيل كلينتون ،ولو توسع التنسيق ليضم دولا عربية أخرى أو –يا حبذا- كل الدول العربية إضافة لإيران وتركيا فإن ربح المعركة واستثمار الجدل أو الخلاف بين بيبي وأوباما وارد،وأعلم أن هذا الطرح يبدو رومانسيا إلى أبعد الحدود،ولكن السيناريو الآخر كارثي إلى أبعد الحدود أيضا،أي استمرار الوضع العربي الراهن والعجز واللامبالاة أو حالة الانتظار بدل المبادرة.
نلاحظ أن أوباما ينجح في معادلة إدارة الأزمة وكل ما نراه من انعكاسات ما يعتبر خلافا بينه وبين نتنياهو ربما يشبه الخلاف الذي جرى بين قادة ملوك الغزاة الفرنجة في الحروب الصليبية ،والفرصة لإحسان استثمار الخلاف المفترض بعيدا عن السلبية والعواطف ما تزال سانحة،وإلا فإن نتيجة ما يجري ستكون على حسابنا لا محالة،فهل إلى تحرك إيجابي وذكي من سبيل؟!
،،،،،،،،،،،،،،،،
الأحد 18/جمادى الأولى/1431هــ الموافق 2/5/2010م
من قلم/سري سمور