ليس إلا لأنـك عربي !
يوسف جمل
صدفتها في معبر من معابر الحياة وكانت في حالة غضب وانفعال شديد تقف عند شباك الإجراءات لإنهاء معاملة الدخول والقدوم. وفجأة تركَتْ لأمر ما فتقدمت أنا في الانتظار حتى انهي الإجراءات الخاصة بي وبعد لحظات عادت لتقول أنا قبلك في الدور فلم أمانع وقلت لها تفضلي والغضب يظهر جليا عليها وهي تحدث وتقول :-شيء لا يطاق , فقد قدمت بالطائرة توفيراً للوقت حتى أصل قبل إغلاق المعبر ومن بين كل الركاب والمسافرين كانت عملية إثارة واستفزاز أكثر من أن تكون عملية إجراءات أمن وسلامة .
لقد قاموا بفتح جميع حقائبي وإخراج ما فيها قطعة قطعة وقلب محتوياتها رأساً على عقب وبصورة مثيرة دون سائر الركاب وهذا فقط لأنني عربية مع العلم أن الأجهزة الحديثة المتطورة تكشف محتويات الحقائب بصورة أدق من التفتيش اليدوي . ولم يشفع عندهم مرافقة أولادي لي في هذه الرحلة ويتجاهلون كوني أماً ترافق أولادها فماذا عساني أحمل في حقائبي ؟
ويضربون بعرض الحائط خطورة وجبات الكراهية والعنصرية التي يقدمونها لأولادنا ولأبناء شعبنا بجميع أطيافنا يومياً على معابر الحياة وذلك ليس إلا لأننا نقيم في بلادنا ووطننا ونحاول العيش رغم كل شيء , وبالرغم من كل ما نواجهه من محاولات نشرب كأساً من الماء عقب كل وجبة ونصر على التجاوز والتعالي والاستمرار وهم لا يدركون أن كل وجبة هي بذرة عنصرية وضغينة وكراهية تتنامى وتكبر وتزيد وتتضاعف مع الأيام ومع كثرة ريها بالماء .
ولم يثنهم عن ذلك كوني طبيبة أعمل في مستشفياتهم وأعالج جميع أنواع المرضى بتنوع أمراضهم وهوياتهم وجنسياتهم ويشفى العديد منهم بفضل الله على يدي وبكوني طبيبة أقسمت على الإخلاص في عملها متعالية على كل الأمور وتؤدي دوراً وتساهم في ميادين الحياة والتطور والخير.
سمعت كلامها فحلَّقتُ بذاكرتي إلى هناك وإلى ثلاثين سنة خلت عندما كنت أضطر يومياً للسفر في الباص الذي يدخل إلى المطار لينزل الركاب ويعود لإكمال رحلته إلى المدينة وهناك كان الباص يخضع للتفتيش حيث يدخل أحد الجنود إلى الباص وينظر في وجوه المسافرين أو يطلب من أحدهم هويته .
ومن بين كل الركاب كان يميز الراكب العربي ويطلب هويته ومن ثم يطلب منه النزول وانتظار الباص حتى يدخل إلى المطار وينزل الركاب ويعود لأصعد إليه مرة أخرى لمتابعة السفر وهكذا كان ويومياً وعلى مدار سنة كاملة .
قد يقول البعض منا هذه أمور قد تعودنا عليها وتحدث يومياً ولا حاجة للتأثر والانفعال أو قد يقول البعض هذه مجرد إحتياطات وإجراءات أمنية وليس في ذلك شيء أو قد يقول بعض من البعض أن معهم حق ولا يمكن التهاون على أثر ما كان من أحداث وحوادث في ما مضى .
كل هذا ربما يُفهم لكن لا يمكن أن يكون الحكم على هذه الأشياء وأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار فقط عندما يتعلق الأمر بكون الشخص عربي ولا أن يكون الحكم والتقدير في باب احتياطات وإجراءات الأمن والسلامة هو الحكم على الشخص من منطلق دينه وقوميته ووطنيته وبالتعميم على الجميع .
لا شك أنه على مر السنين تصاعدت وتزايدت حدة هذه المعاملات والإجراءات لكن الشيء الذي لا يعقل ولا يحتمل أن ترى أنَّ من يقوم بهذه الأعمال يقوم بها وهو يدافع عن ما يقوم به من خلال سعادته البالغة والتي يتصنع إظهارها على محياه وابتسامته المزيفة التي يحاول أن يخفي خلفها حرجه ويعرض بها لذة عجيبة في محاولة إحراج وإهانة وإذلال البشر!
22.4.2010